بعد انخراط الاتحاد الأوروبي في الصراع.. حرب الصين وواشنطن التجارية تهدد النظام العالمي

مخاوف من مخاطر انهيار التعددية التجارية واستهداف "الابتكار الصيني"

time reading iconدقائق القراءة - 9
عدد كبير من السيارات والشاحنات وآلات البناء الصينية الصنع بميناء يانتاى الصيني في انتظار شحنها. 8 مايو 2024 - AFP
عدد كبير من السيارات والشاحنات وآلات البناء الصينية الصنع بميناء يانتاى الصيني في انتظار شحنها. 8 مايو 2024 - AFP
دبي -بلومبرغ

تدخل الاقتصادات الثلاثة المهيمنة في العالم مرحلة تنافسية تهدد بتعميق الانقسامات، وتتحدى عقوداً من عقيدة السوق الحرة، حيث تستلهم الولايات المتحدة أسلحة تجارية من الصين، ما يترك أوروبا عند مفترق طرق حاسم، وفق وكالة "بلومبرغ".  

وكان الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب قد أطلق الرصاصة الأولى في هذه الحرب بفرضه رسوماً جمركية على الصين، قبل 7 سنوات، قبل أن يُدخِل جو بايدن الولايات المتحدة عصر السياسة الصناعية الجديدة، بحسب "بلومبرغ".  

وقد صمدت التجارة الدولية التي يبلغ حجمها 31 تريليون دولار أمام سلسلة من الصدمات في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.  

وهذه المرة يمثل الاتحاد الأوروبي "المحور الأساسي" في الصراع، حيث يجد نفسه عالقاً بين "مطرقة الحفاظ على دوره المميز كمدافع عن القواعد متعددة الأطراف، وسندان الخوف من خسارة ملايين الوظائف وعشرات المليارات من اليوروهات في مجال الاستثمار"، في الوقت الذي تفرض فيه الولايات المتحدة والصين، إعانات الدعم والرسوم الجمركية "المشوِهتين للسوق".

في هذا السياق، قال سيمون إيفينيت، مؤسس مجموعة St. Gallen للازدهار عبر التجارة، ومقرها سويسرا، وتعمل على تعقب السياسات التجارية، لـ "بلومبرغ" إن "ترمب أطلق جني سياسة الحماية، ولم يجرؤ أحد على إعادته مرة أخرى".  

ومع إعلان التعريفات الجمركية الأميركية الأسبوع الماضي، أشارت الصين إلى أنها مستعدة لإطلاق العنان لرسوم تصل إلى 25% على السيارات الأميركية والأوروبية المستوردة، ما اعتبرته "بلومبرغ" "تهديداً انتقامياً يستهدف جانبي المحيط الأطلسي".  

يأتي ذلك في الوقت الذي تقترب فيه بروكسل من إنهاء التحقيق في دعم المركبات الكهربائية الذي من المرجح أن يؤدي إلى اتخاذ تدابير دفاعية ضد صادرات السيارات الصينية. ومن المتوقع أن تكون الرسوم التي يفرضها الاتحاد أقل بكثير من الرسوم الأميركية، وأن تستند إلى مقاربة مختلفة ضمن قواعد وتدابير منظمة التجارة العالمية.  

وتتزامن أحدث تحركات واشنطن ضد المركبات الكهربائية وأشباه الموصلات والبطاريات والمعادن المهمة والمنتجات الصينية الأخرى، مع مطالبة المسؤولين الأميركيين الدول الأخرى بالانضمام إلى معركة واشنطن ضد السياسة الصناعية الصينية، التي يقولون إنها تغرق العالم بالسلع الرخيصة، وهي التهمة التي تنفيها الصين.

استهداف الابتكار الصيني

وكررت وزيرة الخزانة الأميركية جانيت يلين، هذه المناشدات خلال الخطاب الذي ألقته هذا الأسبوع في فرانكفورت، حيث قالت إن "السياسة الصناعية الصينية قد تبدو بعيدة (..) ولكن إذا لم نرد بأسلوب استراتيجي وبطريقة موحدة، فإن جدوى العمل التجاري سواء على مستوى بلادنا، أو على الصعيد العالمي، قد تكون في خطر".  

ورجحت "بلومبرغ إيكونوميكس" أن يكون تأثير الرسوم الجمركية الأميركية الجديدة على الاقتصاد الصيني الذي يبلغ حجمه 18.5 تريليون دولار "متواضعاً"، ولكنها أشارت إلى أن المخاطر الأكبر تكمن في "المعركة الأوسع نطاقاً التي تستهدف الابتكار الصيني"، و"مقترح ترمب بفرض رسوم جمركية بنسبة 60% على جميع الواردات القادمة من ثالث أكبر شريك تجاري للولايات المتحدة".

وقد تكون هذه التكاليف الاقتصادية مستحقة الدفع، ولكن الرسائل المصاحبة للرسوم التي فرضها بايدن، من بين رسائل وإشارات أخرى، تضمنت أن المخاوف المحلية بشأن الأمن القومي الأميركي والتهديدات الصينية له قد تتجاوز ما كان يعتبر في السابق في مصلحة المنفعة الاقتصادية الدولية.

في هذا الإطار قال يو هان كو، وزير التجارة الكوري الجنوبي السابق، إن "الأهم من ذلك هو تأثير هذه الإشارة على بقية دول العالم، إذ لا تهم هوية ساكن البيت الأبيض لأن الاتجاه العام للسياسة هو (أميركا أولاً) واستمرارية الانفصال الجزئي عن الصين"، وفق "بلومبرغ". 

اقتصاد يرتكز على التصدير

وعلى الجانب الأوروبي، تسود مخاوف من أن تؤدي الإجراءات المدفوعة بالاقتصاد، والتي تتجاوز القيود المتعارف عليها لتحقيق أغراض عسكرية إلى الإضرار بالتنافسية داخل القارة.

وبينما كانت النزاعات التجارية الثنائية بين الولايات المتحدة والصين وأوروبا محتدمة منذ سنوات، جاء قرار بايدن بالإبقاء على بعض الرسوم الجمركية التي فرضتها إدارة ترمب على الحديد الصلب الأوروبي والرسوم الجمركية التي فرضها بايدن على الصين بقيمة 18 مليار دولار ليغلق الباب أمام أي أمل للعودة إلى التوافق والعدالة.

وحذرت "بلومبرغ" من أن التفتت التجاري الناجم عن ذلك سيكون "أشد إضراراً بمصالح دول مثل الصين وكوريا الجنوبية واليابان"، التي تعتمد اقتصاداتها بدرجة أكبر على التجارة الدولية منها على التجارة مع الولايات المتحدة والعديد من الدول في الاتحاد الأوروبي.

وفي حين أدت جائحة كورونا إلى تأجيج السياسات الحمائية، إلا أنها جعلت الصين أكثر اعتماداً على الصادرات كمحرك للنمو. ومع تضمين هونج كونج، تصبح الصين مصدراً لنحو 20% من إجمالي الصادرات العالمية، ما يعادل ضعف حصة الولايات المتحدة، وفقاً لبيانات منظمة التجارة العالمية.

ويفسر هذا الأسباب التي تجعل الصين تضطلع بدور محوري في نظام التجارة المتحور حول منظمة التجارة العالمية، وتزعم التزامها بقواعد اللعبة. كما يفسر أيضاً الأسباب التي تجعل بكين تحاول إبرام سلسلة من الصفقات التجارية مع كل من جيرانها والدول الأكثر بعداً، مثل صربيا والمجر.

ولكن اختلال التوازن بين الناتج المحلي الإجمالي الصيني، وحجم منتجها التصنيعي "يكمن في قلب المخاوف الأميركية والأوروبية بشأن التداعيات التي يمكن أن يتمخض عنها المسار الصيني الحالي على الاقتصاد العالمي". 

ولا تواجه حمى سياسة الحماية المتنامية في الوقت الحالي، سوى أصواتاً قليلة تدعو إلى ضبط النفس إلى درجة أن السياسيين الأميركيين من كلا الحزبين أقنعوا قطاعاً كبيراً من قواعدهم الانتخابية بأن الرسوم الجمركية الأعلى والمساعدات الحكومية هي "أدوات لإنقاذ فرص العمل الأميركية".

في هذا السياق قال مارك وو، أستاذ القانون التجاري في جامعة هارفارد، والذي شغل منصب كبير مستشاري الممثل التجاري الأميركي في عام 2021، لـ "بلومبرغ"، إن "الأولويات الرئيسية للسياسة التجارية لدى إدارة بايدن تتمثل في تعزيز مرونة سلسلة التوريد، لتحويل التركيز إلى مكاسب العمال، وحماية قاعدة التصنيع وإعادة بنائها في الداخل".

وأضاف أنه "بدون الزعامة الأميركية في منظمة التجارة العالمية أو في المنتديات الأخرى التي تهدف إلى تحرير التجارة، يصبح من الصعب على بعض خبراء الاقتصاد معرفة أين يمكن أن ينتهي السباق نحو القاع". 

مخاطر انهيار التعددية

ويتنافس ما يقرب من 70% من الصادرات العالمية بقيمة 14.1 تريليون دولار، مع المنافسين الذين يحصلون على دعم، مقارنة بنحو 50% قبل عقد من الزمن، وفقاً لمجموعة Evenett البحثية في Global Trade Alert، التي تتتبع السياسات المشوهة للسوق.

ويأتي المزارعون الأميركيون ضمن الفئات الأكثر عرضة للمخاطر إذا ما حَوَّل الموردون الصينيون طلباتهم إلى أسواق أخرى، وفقاً لما قالته كريستين ماكدانيل، خبيرة التجارة الدولية في مركز ميركاتوس، والخبيرة الاقتصادية السابقة في البيت الأبيض، لـ "بلومبرغ"، حيث ترى أن "قواعد الطريق إلى التجارة العالمية تتغير على نحو يعيد عقارب الساعة إلى الوراء". 

وقد تكون مخاطر انهيار التعددية هي أكثر ما يهدد الاتحاد الأوروبي، إذ تم بناء النموذج الاقتصادي للكتلة الأوروبية في فترة ما بعد الحرب على أساس النظام القائم على قواعد، والذي يشجع انفتاح الأسواق والمنافسة. وعلى مدى عقود، كانت الولايات المتحدة حليفاً يقود الدول النامية عبر هذا المسار.  

أما الآن فقد بدأ المسؤولون في بروكسل، الذين يؤيدون الالتزام بقواعد منظمة التجارة العالمية، "يشعرون بالعزلة". 

ولكن، من المؤكد أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر حزماً حيث اتخذ مؤخراً إجراءات كانت لا يمكن تصورها قبل سنوات قليلة، إذ أصبح على مقربة من الانتهاء تحقيق امتد على مدى عام تقريباً في محاولة لتحديد حجم الدعم الذي تقدمه بكين للشركات المحلية المنتجة للمركبات الكهربائية، والذي من المرجح أن يؤدي إلى فرض تعريفات جمركية. كما يجري الاتحاد الأوروبي تحقيقاً بشأن شراء الصين للأجهزة الطبية.

أدوات الاتحاد الأوروبي الجديدة 

ويطرح الاتحاد الأوروبي أيضاً استراتيجية أمن اقتصادي خاصة به، تسعى إلى تنسيق الضوابط على الصناعات التكنولوجية التي يمكن استخدامها لأغراض عسكرية، وتدقيق الاستثمارات الحساسة، وتقليل مخاطر سلاسل التوريد. 

وقال وو، الأستاذ بجامعة هارفارد، لـ "بلومبرغ"، إن زيادة الصادرات الصينية من المركبات الكهربائية، إلى جانب بنائها السريع للسفن الحاملة للسيارات، كان بمثابة "جرس إنذار للأوربيين".

ودعا ماريو دراجي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، والذي يعكف حالياً على إعداد تقرير بشأن سبل تعزيز القدرة التنافسية في أوروبا، إلى "حماية الصناعة في التكتل" لتجنب التخلف عن السباق نحو التكنولوجيات الجديدة.

وقال في خطابه الذي ألقاه في وقت سابق من العام الجاري، والذي أشار فيه إلى سياسة الحماية الأميركية والصينية: "لقد وثقنا في تكافؤ الفرص على الصعيد العالمي والنظام العالمي المستند إلى قواعد، ونتوقع أن يفعل الآخرون ما فعلناه"، مضيفاً أن "هناك مناطق أخرى لم تعد تلتزم بالقواعد وتعمل بنشاط على وضع سياسات تعزز وضعها التنافسي".

تصنيفات

قصص قد تهمك