قال مصدر مصري مطّلع لـ"الشرق"، الاثنين، إن المباحثات المرتقبة بين مصر وتركيا، ستُمثل منطلقاً لبدء حوار أكثر انفتاحاً بين الطرفين، لافتاً إلى أن ملفي "الإخوان" و"ليبيا" يُعدّان الأبرز على طاولة مناقشات الجانبين.
وأشار المصدر إلى أن الوصول لتطبيع كامل بين القاهرة وأنقرة يُعيد العلاقات إلى ما كانت عليه قبل عام 2013، يتطلب إجراءات لبناء الثقة ويستغرق زمناً ليس قصيراً.
وتُجرى مباحثات مصرية - تركية، الأربعاء، على مستوى مساعدي وزيري خارجية الدولتين، حيث يترأس الوفد التركي نائب وزير الخارجية سادات أونال، وذلك لبحث تطبيع العلاقات بين البلدين، والتي شهدت توتراً منذ عام 2013.
وأوضح المصدر أنه لا تزال هناك مجموعة من الملفات العالقة، والتي تمثل حتى هذه اللحظة محور خلاف بين الطرفين.
وكانت أنقرة رفضت عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وفتحت الباب أمام جماعة "الإخوان" لإطلاق قنوات فضائية تتهمها القاهرة بالتحريض على العنف، وطالبتها أنقرة مؤخراً بتخفيف نبرة الانتقاد لرموز الدولة المصرية.
وصادق البرلمان التركي، الأربعاء الماضي، على مذكرة قدمها حزب العدالة والتنمية الحاكم، بإجماع الأصوات، لتشكيل مجموعتي صداقة مع مصر وليبيا.
ملف الإخوان
وأكد المصدر أن المباحثات ستتطرق إلى ملف جماعة الإخوان، الذي يشهد حالة من التباين بين الجانبين، مشيراً إلى أن القاهرة لديها مطالب، وإن لم تعلنها صراحة، تتعلق بتسليم عدد من قادة الإخوان المحكوم عليهم في قضايا جنائية في مصر.
وأضاف: "من بين هؤلاء القادة أشخاص مُنحت لهم الجنسية التركية، وآخرون لا يزالون في قوائم الانتظار"، مشدداً على أن حلحلة هذا الملف، ستمهد الطريق للاتفاق والانطلاق نحو ملفات عدّة محل خلاف، حتى ولو لم يكن هذا الأمر بشكل معلن.
ولفت المصدر إلى أن الجانب المصري رصد عدداً من منصات جماعة الإخوان التي تبث من تركيا، و"تنتهج خطاباً تحريضياً"، مشيراً إلى أن القاهرة تراقب عن كثب أداء تلك المنصات، ومدى التزام الجانب التركي بتعهداته بأن تلتزم بميثاق الشرف الإعلامي.
وأوضح أن الفترة الحالية وخاصة في شهر رمضان، لن تُثبت مدى صدق الالتزام بتغيير السياسة التحريرية التي وصفها "بالتحريضية" لهذه القنوات والمنصات.
الأزمة الليبية
وأوضح المصدر أن المباحثات بين القاهرة وأنقرة، ستركز أيضاً على الملف الليبي، كونه يشهد تبايناً جلياً بين الجانبين.
وأكد أن القاهرة لديها موقف معلن من رفض التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية الليبية، وإخراج المرتزقة الأجانب من البلاد، للوصول إلى تسوية سياسية داخلية تمهد الطريق نحو بناء الدولة الليبية ومؤسساتها.
وأشار المصدر إلى أن القاهرة حتى هذه اللحظة، لم تعلن رسمياً من جانبها موعداً أو توقيتاً لاستئناف العلاقات الدبلوماسية مع تركيا، أو حتى استقبال وفد تركي على أرضها.
ولفت إلى أن الجانب التركي هو من لديه الرغبة المُلّحة في تحسين علاقته مع مصر، إضافة إلى أن القاهرة ثابتة في موقفها الحريص على استقرار الأوضاع في المنطقة، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لأي دولة، أو الإضرار بمصالح حلفائها في المنطقة.
وكان مصدر دبلوماسي أكد لـ"الشرق" في تصريحات سابقة أن منتدى الصداقة الذي عُقد في فبراير الماضي في اليونان، كان له تأثير بالغ في تغيير اللهجة التركية إزاء دول شرق المتوسط، "بل عزز رغبة تركية في أهمية تغيير لغة خطابها إزاء بعض الدول".
ولفت المصدر إلى أن المنتدى الذي ضم وزراء خارجية (مصر والبحرين والإمارات والسعودية واليونان وقبرص) شدد على بناء موقف جماعي قوي لوقف الممارسات التركية التي توصف بالعدائية تجاه بعض دول المنطقة، في وقت يتجلى فيه بوادر الخلاف التركي مع إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بادين.
منتدى شرق المتوسط
وحول منتدى غاز شرق المتوسط، قال المصدر إن مصر جزء أصيل من "تحالف المنتدى"، وأن التحرك المصري في هذا الملف يسير بشكل جماعي وبمشاركة الدول الأعضاء دون التأثير بالسلب على مصالح أي دولة، موضحاً أن تركيا تسعى إلى الانضمام للمنتدى.
وأكد المصدر أن القاهرة لم تكن الطرف الذي بادر بالهجوم، و"رغم ذلك راعت مصالح الأطراف كافة، وخاصة في منطقة شرق المتوسط"، حيث قدمت حُسن النية في إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع اليونان، وأخذت في الاعتبار حدود الجانب التركي، بناءً على إيمان القاهرة العميق بقواعد القانون الدولي كوثيقة حاكمة لأي اتفاقيات مع دول الجوار.
علاقات اقتصادية
وحول النواحي الاقتصادية، كشف المصدر أن الجانب التركي قدّم طلباً يتعلق باستئناف إنشاء منطقة صناعية تركية في مصر، وتوسيع إنشاء شركات مساهمة ومصانع مصرية تابعة لمجموعات اقتصادية تركية.
وكشف أعضاء بمجلس الأعمال المصري التركي، لـ"الشرق"، عن ترقب حذر يسود أوساط المستثمرين من الأخبار المتداولة عن قرب استئناف العلاقات بين القاهرة وأنقرة، مؤكدين أن ذلك سيسهم في ارتفاع حجم التبادل التجاري بين الجانبين، حيث تحتل تركيا النصيب الأكبر من نسبة الصادرات إلى مصر.
ورغم الخلافات السياسية، تقول أنقرة إن القاهرة لا تزال أكبر شريك تجاري إفريقي لها، إذ بلغت قيمة التجارة بين البلدين 4.86 مليار دولار العام الماضي، بانخفاض طفيف عن عام 2012.
من جانبه قال وزير التجارة التركي محمد موش، الاثنين، في مناسبة لإعلان أرقام تجارية شهرية في أنقرة: "بالتوازي مع تطور العلاقات الدبلوماسية مع مصر، نريد تعزيز علاقاتنا التجارية والاقتصادية في الفترة المقبلة".
بناء الثقة
وفي منتصف أبريل الماضي، قال مصدر مصري مطلع لـ"الشرق"، إن بناء الثقة مع تركيا لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها، خاصة بعد سنوات من توتر العلاقات بين البلدين، موضحاً أن القاهرة لا تزال تراقب مواقف أنقرة عن كثب، وبوتيرة هادئة.
ولفت المصدر إلى أن الاتصالات المصرية التركية شهدت ما يمكن أن يوصف بالتطور على مستوى التشاور الأمني في الفترة الماضية، ما نتج عنه بشكل أولي وقف التراشق الإعلامي بين الطرفين.
وأوضح أن تلك المشاورات تتخطى مسألة غلق القنوات المعادية لمصر، وتمتد إلى ملفات إقليمية مُلّحة يأتي على رأسها الملف الليبي.