بعد عامين من حظر حركة طالبان للأفيون، اكتشف المزارعون الأفغان الذين تحولوا إلى محاصيل بديلة، أن الكثير منها لم يعد ينمو بسهولة بسبب تأثير تغير المناخ، ما يعرض جهود القضاء على الخشخاش للخطر، وفق صحيفة "واشنطن بوست".
وعلى مدى عقود، اعتمد المزارعون في جنوب أفغانستان على خشخاش الأفيون لكسب لقمة العيش في المناطق الصحراوية القاحلة التي يقطنونها. وحتى مع جفاف الأنهار بسبب موجات الجفاف الطويلة وتحول الحقول إلى أرض شديدة الملوحة إلى حد توهجها باللون الأبيض في الشمس، ازدهرت نباتات الخشخاش قوية التحمل.
وكانت طالبان حظرت زراعة الخشخاش بعد استيلائها على السلطة في أفغانستان منذ 3 سنوات، حيث حظرت الأفيون لأسباب دينية.
لكن المزارعين في معقل الخشخاش السابق يقولون إنهم غير قادرين على كسب عيشهم بالبدائل العادية مثل القمح والقطن، التي تراجعت أسعارها بسبب إغراق السوق بها منذ دخول قرار حظر الأفيون حيز التنفيذ.
وأصبحت زراعة بعض المحاصيل وأشجار الفواكه الحقلية الأخرى التي كانت تنمو في هذه المناطق، مثل الباذنجان والرمان والمشمش، بالغة الصعوبة، وفي بعض الحالات مستحيلة بسبب الظروف القاسية التي يرجعها الباحثون الأفغان إلى تغير المناخ.
ويهجر بعض المزارعين حقولهم، فيما يفكر آخرون في العودة إلى زراعة الخشخاش، أو يرفضون الامتثال للحظر.
إكراهات بيئية
في هذا الإطار، حذر شمس الرحمن موسى، المسؤول الكبير في قطاع الزراعة بولاية قندهار من قبل الحكومة التي تديرها طالبان من أنه "إذا لم يستطيعوا تغطية نفقاتهم، فسيعودون إلى زراعة الخشخاش"، مضيفاً أن الحكومة "على دراية تامة بما يشعر به المزارعون من إحباط"، و"نبذل قصارى جهدنا لإيجاد حلول".
وإذا فشلت طالبان في إدارة تحول ناجح من الخشخاش إلى المحاصيل الأخرى، فقد يمتد تأثير ذلك إلى ما هو أبعد من حدود أفغانستان، فوفق تقارير الأمم المتحدة كانت أفغانستان أكبر مُصدر للأفيون في العالم، قبل استيلاء طالبان على السلطة، بأكثر من 80% من المعروض العالمي قبل انخفاض الإنتاج في العام الماضي.
ويتجلى الانخفاض في عائدات الزراعة بشكل خاص في جنوب البلاد، حيث كان يُزرع نحو ثُلُثي خشخاش الأفيون في أفغانستان قبل الحظر.
وبينما ارتفع متوسط درجات الحرارة السنوية في أفغانستان بمعدل 3.2 درجة فهرنهايت على مدى نصف القرن الماضي، وهو ضعف ارتفاع المتوسط العالمي، كان هذا التغير أكثر تأثيراً في الجنوب، حيث ارتفعت درجات الحرارة بما يصل إلى 4.3 درجة فهرنهايت، وفقاً لما قاله مسؤولون أفغان لـ"واشنطن بوست".
وكانت العديد من الأشجار في البساتين الأفغانية قادرة على مقاومة موجات الحرارة المؤقتة بفضل جذورها العميقة، إلا أن مستويات المياه الجوفية في حوض نهر هلمند انخفضت حوالي 8.5 أقدام في الفترة بين عامي 2003 و2021. وتتوقع العديد من النماذج المناخية تفاقم الظروف المناخية خلال العقود المقبلة.
وأشار ذبيح الله مجاهد، كبير المتحدثين الرسميين باسم حكومة طالبان، إلى الجهود المبذولة في جميع الولايات "لتحديد محاصيل حقلية وأشجار جديدة أعلى قيمة".
وفي مزرعة تجريبية بقندهار بدأت الحكومة السابقة المدعومة من الولايات المتحدة اختبار مقاومة أشجار الرمان عميقة الجذور للحرارة. ويتم الآن زراعة 80 نوعاً تقريباً. ولكن بالنسبة للعاملين في هذه المزرعة، فإن الجهود المبذولة للتغلب على تغير المناخ تبدو "قضية خاسرة".
وحتى بعض النجاحات المبكرة التي حققها الباحثون لم تعد واعدة. فتحت وطأة الجفاف الطويل خلال السنوات الماضية، جفت أشجار الخوخ من الداخل، ما اضطر المزارعين إلى قطعها، كما أصيبت كروم العنب التجريبية بحروق الشمس، حسبما ذكر جلال، مسؤول الري المحلي في قندهار لـ "واشنطن بوست".
فشل الحلول البديلة
وحذرت صحيفة "واشنطن بوست" من أن الصعوبات التي يواجهها المزارعون "لا تبشر بالخير" فيما يتعلق بقرار حظر زراعة الأفيون، الذي حقق نجاحات كبيرة في بداية الأمر.
وفي العام الماضي، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية أن إنتاج الأفيون تراجع بنسبة 99.9% في هلمند، وبنسبة حوالي 90% في قندهار، التي كانت ذات يوم معقل زراعة الأفيون.
ولكن في عواصم الولايات بجنوب أفغانستان، يشعر المسؤولون الآن بالقلق إزاء كمية اللقمح أو القطن التي تصل إلى السوق.
ورغم أن التوترات واضحة بالفعل في أسواق جنوب افغانستان، إلا أن البعض في هذا الجزء من البلاد لا يزالون مستفيدين. فقد قال عبد المنان، وهو تاجر قطن في سوق هلمند، لـ "واشنطن بوست"، كاشفاً عن ابتسامة زهو، إن "صادرات أفغانستان تزدهر".
ولكنه سرعان ما تعرض لهجوم كاسح من قبل الفلاحين المحيطين، الذين صرخوا في وجهه قائلين: "قل الحقيقة"، دون مراعاة لضابط الشرطة المكلف بمتابعة فريق "واشنطن بوست"،والذي كان يقف قريباً.
وقال حاجي وزير، المزارع البالغ من العمر 55 عاماً للصحيفة الأميركية: "عندما زرعت الخشخاش كانت أرباحه أكثر بـ5 أضعاف، وكانت زراعته أسهل بكثير"، مضيفاً: "أما الآن، فلم نعد حتى قادرين على تغطية نفقاتنا".
ويتفاقم الاستياء من الحظر في أماكن أخرى من البلاد. ففي الشهر الماضي، اندلعت صدامات عنيفة بين سكان القرى الذين يزرعون الأفيون وقوات الأمن في شمال شرق أفغانستان، حيث تكافح طالبان لتأكيد سلطتها.
جهات مستفيدة
وتراجعت زراعة الخشخاش في ولاية بدخشان بنحو 56% فقط في الفترة من عام 2021 إلى العام الماضي، وفقاً لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة.
وقال المزارعون لـ"واشنطن بوست"، إن ما يفاقم حالة الإحباط والاستياء هو أن أصحاب الأراضي الأثرياء الذين تمكنوا من تخزين الخشخاش قبل الحظر، يستطيعون الآن بيعه للتصدير بأسعار مرتفعة للغاية.
وقال بعض أفراد شرطة طالبان المكلفين بفرض حظر الأفيون إن "هناك خطأ ما". فقد أقر أحمد فروتان، الذي كان يتنقل مؤخراً من منزل إلى منزل، في ولاية باروان وسط أفغانستان بعد ظهر أحد الأيام بحثاً عن منتهكي الحظر، بأنه كان يشعر "بالشفقة" على المزارعين لما آلت إليه الأحوال.
وذكر فروتان، ضابط الشرطة البالغ من العمر 28 عاماً، والذي درس الزراعة أثناء قتاله الأميركيين، لـ"واشنطن بوست"، إن "الناس يحتاجون بشدة إلى المال". وناشد قائد طالبان على العمل "من أجل جميع الرجال والنساء في أفغانستان".
من جانبه أعرب حياة الله روحاني، رئيس إدارة المخدرات في هرات، ثاني أكبر مدينة، عن أمله في أن يحل التصنيع محل عائدات زراعة الأفيون.
وقال روحاني إن هرات "مركز صناعي"، و"يمكن بناء مئات المصانع الأخرى"، مشيراً إلى أن "كل مصنع يمكن أن يوظف 500 فرد، ليس فقط من الفلاحين، وإنما أيضاً من المدمنين السابقين".