بدأت شركات أدوية في مصر رفع أسعار منتجاتها بنسبة تصل إلى 50% لبعض العقاقير في إطار خطة حكومية تستهدف حل أزمة نقص عشرات الأصناف في السوق، فيما أشار عاملون في القطاع ومسؤولون إلى "انفراجة تدريجية"، متوقعين انتهاء الأزمة خلال فترة تتراوح ما بين شهر إلى 3 أشهر.
وأعلن رئيس الوزراء مصطفى مدبولي، خلال مؤتمر صحافي، يوليو الماضي، عزم حكومته تحريك أسعار الأدوية بـ"حسابات دقيقة" لضمان عدم وجود أي نقص، وذلك في خطة تطول نحو 3 آلاف صنف من الدواء ما يمثل حوالي 90% من حجم التداول بالسوق المصرية.
وتفاقم نقص الدواء بالتزامن مع أزمة الدولار التي ضربت مصر مطلع العام الجاري، إذ تفرض الحكومة المصرية تسعيراً إجبارياً للأدوية، ما دفع أغلب الشركات المصنعة إلى خفض عمليات الإنتاج والتوزيع بسبب ارتفاع تكلفة أسعار المواد الخام المستوردة من الخارج.
وبدأت شركات مصرية رفع أسعارها، إذ أعلنت شركة "العاشر من رمضان" للصناعات الدوائية (راميدا) الحصول على موافقة هيئة الدواء المصرية لزيادة أسعار "جميع منتجاتها الأساسية" بين 40% و50%، في حين يُنتظر اتخاذ شركات أخرى خطوات مشابهة خلال الأيام المقبلة.
وأوضحت "راميدا"، في بيان صحافي، أن الموافقة على زيادة الأسعار تشمل 22 صنفاً دوائياً موزعة على علامات تجارية رئيسية، وتوقعت مزيد من الموافقات لزيادة أسعار علامات تجارية إضافية خلال الفترة المقبلة، مضيفة أن هذه "العملية المستمرة" ستساهم في توفير الأدوية الأساسية للمرضى، ما ينعكس بصورة إيجابية على الموقف المالي للشركات.
انفراجة تدريجية
وتحدث رئيس جمعية "الحق في الدواء" محمد فؤاد، عن "انفراجة تدريجية" تمثلت في بدء تدفق نحو 80 نوع دواء، من بين أكثر الأدوية استهلاكاً، منبهاً أن "باقي الأصناف في الطريق هي الأخرى بعد قرار زيادة الأسعار".
وتوقع فؤاد، خلال حديثه لـ"الشرق"، أنه "بحلول سبتمبر المقبل ستعمل مصانع مصرية على توفير نحو مليون عبوة أنسولين لتعويض النقص الكبير في هذا الدواء الضروري لمرضى السكري".
ومع ذلك، يرى فؤاد أن هناك "خطأ قانونياً"، مرجعاً السبب إلى أن التسعير الإجباري يتوجب إعلاناً رسمياً من الحكومة عن الزيادات كما كان يحدث في السابق، وأوضح: "لكننا نرى زيادات غير معلنة لعدد من الأصناف بشكل يومي".
وشدد رئيس جمعية "الحق في الدواء" على ضرورة مواجهة "ظاهرة تخزين الأدوية من أجل بيع العبوات القديمة بالأسعار الجديدة"، وتوقع انتهاء أزمة عدم توافر الدواء خلال شهرين.
ويوجد في مصر نحو 17 ألف صنف مسجل رسمياً تتم صناعة قرابة 90% منها محلياً، وتمتلك 176 شركة مصانع إلى جانب 7 شركات قطاع أعمال و22 فرعاً لشركات أجنبية، فيما لا تمتلك 1200 شركة تجارية مصانع إنتاج. وتعدّت مبيعات الدواء في البلاد 3 مليارات دولار خلال عام، بحسب الجمعية المصرية لـ"الحق في الدواء".
آلاف الشكاوى
بدوره، قال رئيس هيئة الدواء المصرية علي الغمراوي، إن "أزمة نقص الأدوية في الأسواق ستختفي خلال 3 أشهر"، مشيراً إلى أن السوق تشهد تحسناً تدريجياً.
ورأى الغمراوي، في تصريحات لـ"الشرق"، أن أزمة نقص الأدوية لا تقتصر على مصر فحسب، واعتبر أنها "أزمة عالمية"، لافتاً إلى أن "الهند والصين تُعدان المصدر الرئيسي لنحو 85% من المواد الخام التي تُستخدم في صناعة الأدوية على مستوى العالم".
وأشار إلى أن "أزمة نقص العملة الصعبة (الأجنبية) التي شهدتها مصر خلال الفترة الماضية أثرت بشكل رئيسي في قدرة الشركات على استيراد المواد الخام اللازمة للصناعة"، وتابع: "كان هذا السبب الرئيسي وراء أزمة نقص الأدوية".
وبشأن نقص 81 صنفاً دوائياً مرتبطين ببعض الأمراض كالضغط والسكر، وبعض مجموعات المضادات الحيوية، أوضح الغمراوي أن "هيئة الدواء استندت في حصر نواقص الأدوية إلى دراسة أجرتها إحدى الشركات العالمية المتخصصة في دراسات الأسواق، بالإضافة إلى شكاوى المواطنين عبر الخط الساخن".
وبيّن أن "الشكاوى بشأن هذه الأصناف متكررة، ومعظمها أدوية مستوردة، إلى جانب أدوية السكر والضغط"، منوهاً بأن "الهيئة تتلقى ما بين 700 و1000 شكوى يومياً من المواطنين تتعلق بعدم توافر بعض الأدوية، أو بيع بعض الصيدليات لها بأسعار أعلى".
وأوضح أن "نسبة أرباح شركات الأدوية التي تحددها الهيئة تتراوح بين 15% إلى 20% كحد أقصى"، ولفت إلى أن أسعار الأدوية في مصر من بين الأرخص في العالم".
وفي مارس الماضي، خفّضت مصر عملتها أمام العملات الأجنبية، ويقترب سعر صرف الدولار الأميركي من عتبة 50 جنيهاً.
شراء موحد للخامات
ولاقى قرار تحريك أسعار الأدوية قبولاً لدى القائمين على هذه الصناعة في مصر، وتوقّعوا خلال حديثهم لـ"الشرق" انتهاء الأزمة خلال شهرين إلى 3 أشهر.
ويرى رئيس مجلس إدارة شركة "فاركو" المصرية للدواء، شيرين حلمي، أن "الأدوية من المنتجات التي يمكن تحديد الزيادة التي تطرأ على تكلفة تصنيعها نتيجة تغيّر سعر الصرف".
وذكر حلمي في حديثه لـ"الشرق" أن "الحل الأفضل لحل أزمة نقص الأدوية يتمثل في قيام الهيئة المصرية للشراء الموحد، بشراء الخامات لجميع الشركات، ومن ثم فتح اعتمادات للخامات بما تم التسعير عليه عند الشراء، وبالتالي لا يتغير سعر الدواء، ويتم توفير المواد الخام اللازمة للتصنيع".
واعتبر أن رفع أسعار الأدوية بالشكل الذي يعوّض الشركات عن فارق تغيير سعر الصرف "يمثل حلاً مباشراً لأزمة نقص بعض الأصناف".
زيادة دورية
وأشار حلمي إلى أن رئيس الوزراء اقترح على غرفة صناعة الأدوية تشكيل لجنة كل 3 أشهر لزيادة أسعار أدوية الأمراض غير المزمنة، ما يعوّض الشركات عن "الخسارة الجسيمة" التي تهدد بتدمير الصناعة والاضطرار إلى الاستيراد بأسعار مضاعفة، بحسب قوله.
وفي السياق ذاته، قال رئيس شعبة الأدوية باتحاد الغرف التجارية المصري علي عوف إن الأزمة في طريقها للحل والانفراج بشكل تدريجي خاصة في العلامات التجارية المشهورة.
وتوقّع عوف، خلال حديثه لـ"الشرق"، انتهاء الأزمة بنهاية شهر سبتمبر المقبل، موضحاً أن الزيادات في أسعار الأدوية المزمنة تتراوح بين 10 إلى 30%، وأسعار الأدوية غير المزمنة بين 30 إلى 50%، قائلاً إن الزيادات تستهدف "تحقيق التوازن بين تكاليف الإنتاج وسعر البيع للمستهلك".
وشدد على حاجة الحكومة إلى وضع خطة طويلة المدى لتطوير صناعة الدواء، وإنتاج المادة الخام بشكل يتيح استخدام 30% منها للإنتاج المحلي، وتصدير 70% إلى الخارج.
من جانبه، قال رئيس غرفة صناعة الدواء باتحاد الصناعات المصري جمال الليثي، إن المصانع تعمل خلال الفترة الحالية بـ"وتيرة متسارعة" لتعويض النقص في السوق، ورجح تجاوز الأزمة خلال شهرين بحد أقصى.
وبحسب بيانات هيئة الدواء المصرية، فإن "من بين كل 100 عبوة بالسوق هناك 91 يتم صناعتها محلياً"، في حين ينتج القطاع الخاص نحو 93% من إجمالي الإنتاج المحلي من الدواء، موزعة بنسبة 74% للشركات المحلية و26% للشركات العالمية المتواجدة في مصر. ويساهم القطاع الحكومي بنحو 7% فقط من الإنتاج.