عندما أعادت الصين فتح حدودها أخيراً بعد سنوات من القيود المفروضة بسبب فيروس كورونا، بدا أن شركات الطيران الغربية مستعدة للعودة إلى السوق المزدحمة، لكن بعد مرور عام، يبدو أن الوضع مختلف بشكل لافت للنظر، وفق شبكة CNN.
في العام الماضي، سارعت شركات الطيران الأجنبية، إلى إعادة تشغيل الرحلات المباشرة إلى ثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي كان معروفاً سابقاً بتصديره للسياح الذين ينفقون ببذخ. حتى أن البعض روّج لخطط لتعزيز جداول الرحلات الجوية.
لكن الوضع حالياً مختلف، إذ تعمل العديد من شركات الطيران الغربية على تقليص الرحلات الجوية التي أعادتها قبل عام واحد فقط، إذ يستشهد محللو صناعة الطيران بالطلب الفاتر بسبب تدهور الاقتصاد الصيني.
كما أدت تكاليف التشغيل المرتفعة، وأوقات الرحلات الطويلة بسبب حرب روسيا على أوكرانيا، مع تجنب شركات الطيران الغربية المجال الجوي الروسي، إلى تقليص هوامشها وجعلها أقل قدرة على المنافسة من منافسيها الصينيين، الذين استفادوا من تفضيل طويل الأمد من قبل المسافرين المحليين للطاقم الناطق بالصينية.
وبالإضافة إلى مشكلات الديون وقلة الموارد المالية لبعض الشركات المحلية، أدت الأجواء الجيوسياسية المتوترة إلى إحباط الآمال في استئناف الرحلات الجوية بالكامل بين الصين والولايات المتحدة وبعض حلفاء واشنطن المقربين، إذ يتطلع السائحون الغربيون في الغالب إلى أماكن أخرى.
وقال ستيف ساكسون، الشريك في شركة ماكينزي، الذي يقود فريق البحث الصيني في السفر والخدمات اللوجستية والبنية الأساسية في الشركة الاستشارية: "لم تسترد شركات الطيران الأجنبية قدرتها الدولية إلى الصين بنفس السرعة التي استعادت بها شركات الطيران الصينية قدرتها الدولية".
وأضاف: "حتى قبل الوصول إلى مستويات ما قبل كورونا، تسحب شركات الطيران الأجنبية الآن قدرتها على الرحلات الجوية، لأن لديها فرصاً أكثر ربحية في أماكن أخرى داخل شبكاتها". وتعد شركة "دلتا إيرلاينز" من بين تلك الشركات. وأكدت الشركة لشبكة CNN، أنها أرجأت خططها لإعادة مسارها من لوس أنجلوس إلى شنغهاي بسبب "التعافي الأبطأ للطلب على السفر في السوق".
كما ستعلق الخطوط الجوية البريطانية خدمتها من لندن إلى بكين، اعتباراً من 26 أكتوبر حتى نوفمبر 2025 على الأقل. كما قررت شركة "فيرجن أتلانتيك" اتخاذ نفس الخطوة. وقال متحدث باسم شركة طيران لشبكة CNN، إن تعليق الرحلات الجوية التي انطلقت قبل 25 عاماً كان قراراً صعباً.
وأضاف ساكسون، أن شركات الطيران الأوروبية كانت الأكثر تضرراً حتى الآن بسبب تأثير الغزو الروسي لأوكرانيا.
تأثير حرب أوكرانيا
أعلن الزعيم الصيني شي جين بينج عن شراكة "بلا حدود" مع روسيا قبل أسابيع من الغزو الكامل في فبراير 2022، ووضع سياسة التنديد بالعقوبات ومواصلة تعزيز العلاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. منذ الغزو، استفادت شركات الطيران الصينية من الطرق الشمالية الأقصر إلى أوروبا وأميركا الشمالية عبر المجال الجوي الشاسع لروسيا.
على النقيض من ذلك، مُنعت شركات الطيران من دول أخرى من دخول المجال الجوي الروسي أو اختارت الطيران حوله بسبب مخاوف تتعلق بالسلامة.
وقال ساكسون، إن تغيير المسار، الذي يتجاوز أحياناً المجال الجوي لأوكرانيا، يمكن أن يضيف ما يصل إلى ثلاث ساعات إلى أوقات الرحلات بين المدن الآسيوية والأوروبية مع زيادة كبيرة في التكلفة.
وأضاف: "قد تكلف الرحلة الجوية من شركة طيران أوروبية ما بين 8 آلاف إلى 10 آلاف دولار إضافية من الوقود لزيادة ساعتين في وقت الرحلة"، مشيراً أيضاً إلى تكاليف أكبر للطاقم، وطائرات إضافية للحفاظ على الخدمة.
ويبدو أن هذا هو السبب وراء انسحاب "فيرجن أتلانتيك". وقالت في بيانها لشبكة CNN: "أصبحت العمليات مكلفة بشكل متزايد بسبب زيادة أوقات الرحلات حيث لم نعد قادرين على التحليق فوق روسيا".
وقالت شركة الطيران، إنها استغرقت ساعتين إضافيتين للطيران من شنغهاي إلى لندن، وساعة إضافية في طريق العودة. وهذا يضع شركات الطيران الأجنبية في موقف غير مؤات. وقال ساكسون، إنه إذا عُرض على المسافرين الاختيار بين رحلة مدتها 10 ساعات ورحلة مدتها 12 ساعة، فمن الواضح ما سيختاره غالبية المسافرين. وأضاف "الناس لا يستمتعون بقضاء الوقت على متن الطائرات".
دور الجغرافيا السياسية
وفقاً لساكسون، فإن معظم الرحلات الجوية المتجهة إلى الصين من أميركا الشمالية لا تحلق فوق روسيا، والتحويلة طفيفة نسبياً بالنسبة لشركات الطيران الأميركية المتضررة من قيود المجال الجوي.
ومع ذلك، خضعت الرحلات الجوية بين الولايات المتحدة والصين لاتفاقيات ثنائية تم التفاوض عليها بعناية، وفق شبكة CNN.
في أواخر مارس، رفعت وزارة النقل الأميركية، حصة الرحلات الأسبوعية ذهاباً وإياباً التي يمكن لشركات الطيران الصينية أن تطيرها من وإلى الولايات المتحدة إلى 50 رحلة، ارتفاعاً من 35 رحلة في وقت سابق من العام الجاري.
لكنها لا تزال جزءاً بسيطاً من أكثر من 150 رحلة أسبوعية ذهاباً وإياباً مسموح بها من قبل كل جانب قبل فرض القيود في أوائل عام 2020 بسبب فيروس كورونا.
وكان البلدان يتصادمان بشأن مجموعة من القضايا من أشباه الموصلات إلى النزاعات في بحر الصين الجنوبي.
وقال شوكور يوسف، مؤسس Endau Analytics، التي تتعقب صناعة الطيران، إن العلاقات بين أكبر اقتصادين في العالم "جزء أساسي من صناعة الطيران" لا يمكن تجاهله.
وتابع: "نحن ندخل مرحلة صعبة للغاية مع الصين والعالم الغربي وستكون هناك بالتأكيد آثار لا يمكن التقليل من شأنها، لأن صناعة الطيران صناعة عالمية".
وبينما تود شركات الطيران وضع استراتيجيات بناءً على بيئة الأعمال فقط، قال يوسف، إن الواقع هو أن الصناعة "مدفوعة أيضاً بالحكومات التي لها مصالحها الخاصة، وخاصة بالنسبة للصين".
وقال أيضاً، إن بكين لم تفعل ما يكفي لجذب السياح الأجانب بنشاط مع تشجيع المواطنين الصينيين على السفر مع شركات الطيران المحلية.
ومع تأجيل شركات الطيران الأميركية، لخطط استئناف خدماتها إلى الصين، أضافت شركة الطيران الوطنية "إير تشاينا" في مارس الماضي، رحلتين إضافيتين من العاصمة الصينية إلى نيويورك، وواحدة إلى لوس أنجلوس. كما زادت شركات الطيران الصينية الأخرى من وتيرة رحلاتها إلى الولايات المتحدة.
وفقاً لشركة تحليلات الطيران "سيريوم"، فقد بلغت شركات الطيران الصينية الحد الأقصى المسموح به من الرحلات الجوية إلى الولايات المتحدة والبالغة 50 رحلة أسبوعياً، في حين تدير شركات الطيران الأميركية الثلاث، التي تقدم خدماتها إلى الصين، "دلتا"، و"أميركان إيرلاينز"، و"يونايتد إيرلاينز"، 35 رحلة فقط.