
استوحى باحثون طريقة من الطبيعة لمنع التصاق البكتيريا على الأسطح المعدنية أثناء عمليات تصنيع اللحوم عبر محاكاة "جلود القروش" وأجنحة حشرة "السيكادا"، باستخدام تقنية جديدة تُعرف باسم "النقش السطحي بالليزر".
وتملك القروش والسيكادا خصائص سطحية تمنع التصاق البكتيريا وتكاثرها دون الحاجة إلى مواد كيميائية أو مضادات حيوية.
وتمكَّن باحثون من تصنيع أسطح معدنية تحاكي جلود القروش وأجنحة السيكادا دون الحاجة إلى أيّ مواد كيميائية أخرى قد تؤثر على سلامة المنتجات الغذائية.
ويُعد الحفاظ على نظافة أسطح العمل أثناء معالجة اللحوم تحدياً مستمراً، حيث يمكن أن تلتصق البكتيريا بالأسطح المعدنية، مثل الفولاذ المقاوم للصدأ، وتنمو لتشكل طبقات حيوية يصعب إزالتها حتى باستخدام المنظفات المضادة للبكتيريا المعتمدة في الصناعات الغذائية.
وتزداد المشكلة تعقيداً عندما تتجمع هذه البكتيريا في كتل غير مرئية، ما يجعلها أكثر مقاومة لعمليات التنظيف التقليدية.
كما تُعد الطرق التجارية الحالية للحد من الطبقات البكتيرية الحيوية والبكتيريا المتحوصلة ذات فاعلية محدودة، وقليلاً ما تحقق التعقيم الكامل.
النقش السطحي بالليزر
لكن باستخدام تقنية النقش السطحي بالليزر، نجح الباحثون في إنشاء نسيج دقيق على المستوى الميكروي أو النانوي يجعل من الصعب على الخلايا الميكروبية الالتصاق بالسطح المعدني.
ولا تؤثر هذه التقنية فقط على التركيب المجهري للسطح، بل تعدّل أيضاً من خصائصه في طرد الماء، وهو عامل أساسي في التحكم بنمو البكتيريا.
وتكتسب الأسطح المنقوشة بالليزر خصائص مضادة للبكتيريا؛ لأنها تمنع التصاقها ونموها وانتشارها، مما يحاكي الطبيعة المضادة للبكتيريا الموجودة في أجنحة حشرة السيكادا وجلد أسماك القرش.
وتمتلك أجنحة حشرة السيكادا طبيعة فريدة تجعلها مضادة للبكتيريا بطريقة ميكانيكية بحتة، حيث إن سطح الجناح مغطى بأعمدة نانوية دقيقة بارتفاع نحو 200 نانومتر، أي أنها أصغر من معظم الخلايا البكتيرية.
وعندما تحاول البكتيريا الالتصاق بجناح السيكادا، تجد نفسها محاصرة بين هذه الأعمدة، التي تعمل مثل شفرات نانوية ممزقة لغشاء الخلايا البكتيرية، وهو ما يؤدي إلى موتها على الفور.
أما جلد أسماك القرش، فيعتمد على نهج مختلف تماماً لمنع انتشار البكتيريا، إذ يمنع التصاقها من الأساس، مما يحول دون تجمعها وتكوينها طبقات حيوية يصعب إزالتها.
ويتكون سطح جلد القرش من بنية مجهرية مكونة من حراشف صغيرة تُعرف باسم "الدرينات الجلدية" وهي مرتبة بطريقة تقلل نقاط التلامس مع البكتيريا، مما يجعل من الصعب عليها العثور على مكان مناسب للالتصاق.
وفي الدراسة الجديدة، تمكن الباحثون من التحكم بدقة في أنماط النقش على السطح المعدني، مما يسمح باستهداف أنواع مختلفة من البكتيريا عبر تصميم نسيج خاص يناسب أشكال الخلايا البكتيرية؛ ما يجعل من الصعب عليها الالتصاق والتكاثر، ويوفر حلاً فعالاً دون الحاجة إلى مواد كيميائية إضافية.
وتكمن واحدة من أبرز مزايا تقنية النقش بالليزر في أنها لا تتطلب إدخال مواد غريبة إلى السطح، مثل الطلاءات الكيميائية، مما يجعلها أكثر أماناً للاستخدام في البيئات الغذائية الخاضعة للرقابة الصارمة.
وأوضح الباحثون أن هذه الميزة تخفض الحواجز التنظيمية أمام اعتماد التقنية في المصانع، وتحد من مخاطر التلوث الكيميائي الذي قد ينتج عن الطلاءات التقليدية.
ويعمل الباحثون حالياً على تطوير نماذج تعلم آلي لمساعدة الشركات المصنعة في تحسين وأتمتة عملية النقش السطحي بالليزر، مما يسهم في تحقيق كفاءة إنتاجية أعلى وتقليل الحاجة إلى التدخل البشري.