اكتشاف قد يفتح باباً للعلاج.. خلايا السرطان ترتق نفسها لتعيش

time reading iconدقائق القراءة - 7
عالم يشير إلى صورة خلايا على شاشة في معهد أبحاث السرطان في ساتون، بريطانيا، 15 يوليو 2013 - REUTERS
عالم يشير إلى صورة خلايا على شاشة في معهد أبحاث السرطان في ساتون، بريطانيا، 15 يوليو 2013 - REUTERS
القاهرة- محمد منصور

تتمتع الخلايا الطبيعية بوجود غشاء كالجلد يلتف حولها مساهماً في نقل المواد الغذائية من وإلى الخلية، كما تُساهم المستقبلات الموجودة على سطحه في العمليات الكيميائية التي تقوم بها الخلايا. إذا ما ثقب ذلك الغلاف لأيّ سبب، تتلف الخلايا وتموت. فالجزء الداخلي من الخلية مكون من سائل يتسرب للخارج حال وجود ثقب في الغلاف، فتطفو الخلية كبالون الماء وتموت.

للخلايا السرطانية أيضاً غشاء خلوي، وتقول دراسة علمية نُشرت الجمعة، في دورية "ساينس أدفانس"، إن تلك الخلايا لديها القدرة على إصلاح الضرر الموجود حال وجود ثقب في الغشاء. فعن طريق "رتق" الغشاء تستمر الخلايا السرطانية في مقاومة العوامل الخارجية التي تثقب الغلاف، ومن ضمنها العلاجات الكيميائية المختلفة.

"خياط محترف"

يقول الباحث في جامعة كوبنهاغن، جيسبر نيلاند ستيد، وهو المؤلف الرئيسي لتلك الدراسة، إن الخلايا السرطانية تواجه المؤثرات الخارجية بُطرق شديدة الذكاء.

ويُشير الباحث في تصريحات خاصة لـ"الشرق"، إلى أن تلك الخلايا تقوم بإصلاح الضرر الناجم عن ثقب غلافها بسرعة كبيرة. فمثل خياط محترف، تقوم الخلايا السرطانية بسحب غشاء الخلية السليم فوق المنطقة المتضررة وتغلق الفتحة في غضون دقائق قليلة.

بعد ذلك تقوم الخلية بفصل الجزء التالف من الغشاء. مُكونة كُريات صغيرة الحجم تذهب إلى "سلة المهملات"، وهي عبارة عن خلايا "بلعمية" تهضم تلك الكريات وتتلفها بشكل كامل وتطردها خارج المجموعة المكونة للخلايا الورمية.

بشكل فعلي تقوم الخلايا السرطانية بأكل نفسها، فعملية التخلص من الجزء التالف من الخلايا السرطانية "تضمن لباقي الخلايا العيش بسلام" على حد قول نيلاند ستيد؛ فإذا ما انفجرت الخلايا التالفة داخل الكتلة الورمية، يُمكن أن تُسبب تلفاً خطيراً للخلايا الموجودة بجانبها "لذا ترتق الخلية السرطانية نفسها ثم تقوم بأكل الجزء التالف وهضمه وطرده خارجها".

الالتهام الذاتي

من المعروف أن الخلايا الطبيعية تستخدم آلية الالتهام الذاتي، التي اكتشفها العالم الياباني الحاصل على نوبل، يوشينوري أوسومي، لتنظيف نفسها باستمرار، وتجديد محتوى الجسم من الخلايا. 

حين تتلف الخلية الطبيعية يُمكن أن تتحول لما يُشبه القنبلة الموقوتة داخل الجسم. فتراكم الخلايا التالفة يُسبب العديد من الأمراض وخاصة الأمراض التنكسية العصبية كباركنسون والزهايمر. 

لذا تقوم الخلايا الطبيعية حين يكون الشخص سليماً ومعافى، بالتهام الخلايا التالفة وإدخالها في نظام لتدوير المخلفات، تمتص فيه الخلايا المحتوى المفيد من الخلية التالفة وتطرد الباقي خارج الجسم، وهي عملية تقي الجسم البشري من الإصابة بعدد من الأمراض.

تدمير الخلية 

لكن هذه هي المرة الأولى التي يكتشف فيها العلماء أن الخلايا السرطانية تستخدم الآلية نفسها لتقويم نفسها، ومنع الخلايا التالفة من الإضرار بالورم.

في المختبر، قام الباحثون بإتلاف غشاء الخلايا السرطانية باستخدام الليزر الذي يصنع ثقوباً صغيرة في الغشاء. وحين صنعوا تلك الثقوب، تمكنوا بوضوح من رؤية "استراتيجية الإعاقة" التي استخدمتها الخلايا السرطانية لمنع الضرر.

وبآلية مشابهة، امتد الغشاء الأصلي للخلية ورتق الجزء المثقوب في غضون دقيقة واحدة، بعد ذلك فصلت الخلية السرطانية الجزء التالف الذي تم رتقه، وكونت منه كرات غشائية صغيرة وطردته خارج الخلية.

وحين منع الباحثون تكوين تلك الكرات، لم تعد الخلية السرطانية قادرة على إصلاح نفسها، وماتت في النهاية.

علاج مستقبلي

يوفر ذلك البحث معرفة أساسية للغاية حول كيفية بقاء الخلايا السرطانية. في التجارب، أظهر الباحثون أيضاً أن الخلايا السرطانية تموت إذا تم تثبيط عملية تكون الكرات، وهو أمر مثير للغاية ويُمكن أن يكون هدفاً للعلاجات المستقبلية.

من أخطر خصائص السرطان عندما ينتشر المرض في الجسم، في حالة حدوث أورام في أجزاء جديدة من الجسم، أن المرض  يصبح أكثر صعوبة في العلاج ويتطلب عادة أشكالاً أكثر شمولاً من العلاج، إلا أن ذلك الانتشار يعنى أيضاً أن تلك الخلايا تكون معرضة بشكل أكبر لتلف الأغشية.

وعلق نيلاد ستيد على ذلك بالقول "هذا يعني أن الكشف عن آلية لاستهداف تكوين الكرات الغشائية يُمكن أن يكون حلاً فعالاً في حالة المصابين بالسرطان الانتشاري"، مشيراً إلى أن "البحث لن ينتهي عند تلك النقطة.. فلا يزال هناك الكثير من الأمور التي نجهلها عن الخلايا السرطانية".

وأضاف أن الفريق البحثي سيواصل العمل والتحقيق في كيفية حماية الخلايا السرطانية لأغشيتها، إذ يتوقعون أن عملية الإصلاح ذاتها "يمكن أن تكون نقطة ضعف في الخلايا السرطانية" وأن استهدافها بشكل مباشر "قد يكون علاجاً فعالاً في المستقبل لأنواع مختلفة من السرطان".