دراسة تربط بين تغير المناخ وتطور بعض الديناصورات في العصر الطباشيري

time reading iconدقائق القراءة - 7
الديناصورات التيرانوصورية كانت تهيمن على حيوانات نصف الكرة الشمالي في نهاية العصر الطباشيري - Pedro Salas and Sergey Krasovskiy
الديناصورات التيرانوصورية كانت تهيمن على حيوانات نصف الكرة الشمالي في نهاية العصر الطباشيري - Pedro Salas and Sergey Krasovskiy
القاهرة-محمد منصور

كشفت دراسة جديدة، شارك فيها باحثون من جامعات متعددة، عن تفاصيل محورية في تطوّر مجموعة من الديناصورات آكلة اللحوم بعد ذروة الحرارة العالمية التي شهدها كوكب الأرض قبل نحو 92 مليون سنة.

وذكرت الدراسة المنشورة في دورية "الجمعية الملكية للعلوم" (Royal Society Open Science) أن موجة التغير المناخي التي أعقبت ما يُعرف بـ"الذروة الحرارية للعصر الطباشيري" أدّت إلى انقراض عدد من المفترسات الضخمة، ما أفسح المجال لصعود مجموعتين جديدتين من الديناصورات العملاقة من نوع "التيرانوصورات" في نصف الكرة الشمالي، و"الميجارابتورات" في النصف الجنوبي.

وكانت الذروة الحرارية للعصر الطباشيري إحدى أشد فترات الاحترار المناخي التي شهدها كوكب الأرض في تاريخه الجيولوجي، وحدثت في منتصف العصر الطباشيري.

وخلال هذه الحقبة، ارتفعت درجات الحرارة العالمية إلى مستويات قياسية، ما أدى إلى ذوبان الجليد القطبي (إن وُجد آنذاك)، وارتفاع منسوب البحار بشكل هائل، حيث غمرت المحيطات أجزاء واسعة من القارات، مما حوّل بعض المناطق إلى بيئات بحرية ضحلة وغنية بالحياة، وفق الدراسة.

وأثّرت تلك الظروف المناخية المتطرفة في توزيع الكائنات الحية وتطورها بشكل كبير، فازدهرت الحياة البحرية وتنوعت الشعب المرجانية والكائنات المجهرية، في المقابل شهدت البيئات البرية تغيّرات واسعة النطاق في الغطاء النباتي وطبيعة المناخ، حيث سادت بيئات دافئة ورطبة أو موسمية وشبه قاحلة، بحسب المنطقة.

ورغم أن تلك الذروة الحرارية أطلقت موجة من التنوّع البيولوجي في بعض النظم البيئية، إلا أنها تسببت في المقابل بضغط بيئي هائل على الكائنات البرية، وأدت إلى انقراض واسع بين عدد من المفترسات الضخمة مثل "الكركردونتوصورات"، الأمر الذي أفسح المجال لصعود مجموعات أخرى تكيفت مع التغيرات المناخية اللاحقة.

ويُعد هذا الحدث بمثابة مثال على العلاقة الوثيقة بين تغيّر المناخ العالمي وتحولات الحياة على الأرض، وهو ما يجعله محل اهتمام دائم لعلماء الأحافير والمناخ على حد سواء.

التيرانوصورات والميجارابتورات

وتُعد "التيرانوصورات"، من أبرز الديناصورات المفترسة التي عاشت في نهاية العصر الطباشيري في نصف الكرة الشمالي، وتحديداً في منطقة لاراميديا، وهي الجزء الغربي من قارة أميركا الشمالية القديمة.

وتَميَّز هذا الكائن بجسم ضخم وصل وزنه إلى 9 أطنان، وفكٍّ قوي أتاح له سحق عظام فرائسه، ما جعله يتربع على قمة السلسلة الغذائية آنذاك.

أما "الميجارابتورات"، فهي فصيلة غامضة من الديناصورات اللاحمة التي ظهرت خلال العصر الطباشيري وامتازت ببنية جسدية مميزة تجمع بين الرشاقة والضخامة، إذ امتلكت رؤوساً نحيلة نسبياً وأذرعاً طويلة تنتهي بمخالب قاتلة يصل طولها إلى 35 سم، على عكس أقربائها من "التيرانوصورات" التي اعتمدت على قوة الفك.

وأظهرت الدراسة أيضاً أن ديناصور "تي ريكس" أشهر ديناصورات الشمال، لم ينشأ في أميركا الشمالية كما كان يُعتقد، بل هاجر أسلافه من آسيا عبر جسر بري يربط سيبيريا بألاسكا، قبل أن يتطوّر في موطنه الجديد.

الذروة الحرارية للعصر الطباشيري

شهدت فترة الذروة الحرارية للعصر الطباشيري، قبل نحو 92 مليون سنة، ارتفاعاً شديداً في درجات الحرارة العالمية، تبعها انخفاض حاد في الحرارة، ما مَثَّل نقطة تحوّل بيئية كبيرة.

وفي تلك الفترة، انقرضت ديناصورات كانت تهيمن على اليابسة، مثل "الكاركارودونتوصوريدات" وهي مجموعة من الـ"ألوصورات" الضخمة ذات الأسنان الشبيهة بأسماك القرش، والتي كانت المفترسات العليا في عدة قارات.

و"الألوصورات" فصيلة من الديناصورات "الثيروبودية" آكلة اللحوم التي عاشت خلال العصر الجوراسي المتأخر، وتُعد من أبرز المفترسات في تلك الفترة، وكانت تمتاز بجسم ضخم، ورأس كبير مزوّد بأسنان حادة، وذراعين قويين بثلاثة أصابع مجهزة بمخالب.

ورغم أن "الألوصورات" سبقت "التيرانوصورات" بوقت طويل، فإنها غالباً ما توصف بأنها "النسخة الأقدم" من المفترسات الضخمة، إذ لعبت دوراً مماثلاً في النظام البيئي من حيث التهام الديناصورات العاشبة مثل "الصربودات" و"الستيجوصورات".

ومع نهاية العصر الجوراسي، بدأت "الألوصورات" في الانقراض تدريجياً، لتحل محلها مفترسات أكبر وأكثر تطوراً مثل "الكركردونتوصورات" و"التيرانوصورات" في العصر الطباشيري.

وأحدث هذا الانقراض فراغاً بيئياً على قمة الهرم الغذائي، ما أفسح المجال لصعود مجموعات جديدة من الديناصورات آكلة اللحوم، أبرزها "التيرانوصورات" و"الميجارابتورات".

وفي أميركا الجنوبية وأجزاء من "إفريقيا، وأستراليا"، برزت "الميجارابتورات". كما شاركت التيتانوصورات في هذه المنظومة البيئية، وهي من آخر السوروبودات العملاقة التي سادت الأرض.

وتطورت هذه المجموعة بداية في آسيا قبل نحو 120 مليون سنة، وانتشرت عبر أوروبا وصولاً إلى جوندوانا، وهي القسم الجنوبي من قارة عظيمة بدائية كانت توجد في الحقبة الجيولوجية الوسطى، حيث طوّرت صفات فريدة جعلتها مفترسات مهيمنة.

ويُعتقد أنها كانت تعتمد على مخالبها القاتلة بدلاً من العضلات الفكية الضخمة، ربما بسبب اختلاف الفرائس في بيئتها مثل صغار "الصوروبودات"، على عكس "التيرانوصور" الذي اصطاد أنواعاً مثل "ترايسيراتوبس" و"إدمونتوصور" في الشمال.

ويبدو أن الانخفاض التدريجي في درجات الحرارة بعد ذروة العصر الطباشيري شكّل عاملاً أساسياً في تطوّر "التيرانوصورات" و"الميجارابتورات" إلى أحجام عملاقة.

وبحسب الدراسة، كان هذان الفرعان من الديناصورات أكثر قدرة على التكيف مع المناخ البارد نسبياً، ربما بسبب صفات فيسيولوجية مثل الريش الذي وُجد في بعض أسلافهم، أو كونهم أكثر "دموية دافئة" من غيرهم.

ورغم عدم العثور على أحافير لـ"الميجارابتورات" في أوروبا أو إفريقيا حتى الآن، إلا أن النماذج التطورية تشير إلى أنها كانت موجودة هناك، ولكن ربما في بيئات لم تحفظ أحافيرها، أو لم يتم التنقيب فيها بالشكل الكافي بعد.

"مشهد بيئي متباين"

وقال المؤلف الرئيسي للدراسة، ماورو أرنشياجا رولاندو، الباحث في المتحف الأرجنتيني لعلوم الطبيعة، إنه ومع انفصال قارات جوندوانا تدريجياً، تطورت هذه المفترسات بطرق أكثر تخصصاً، مستجيبة لتغير البيئات والأقاليم، مضيفاً أنه "في أماكن مثل أستراليا وباتاجونيا، أصبحت الميجارابتورات مفترسات عليا لا يُنافسها أحد".

وأشارت الدراسة إلى أن المشهد البيئي قبل نهاية العصر الطباشيري لم يكن موحداً. ففي الشمال، سادت بيئة معتدلة ورطبة نسبياً، بينما بقيت أجزاء كبيرة من الجنوب موسمية وشبه قاحلة وقد ساعدت هذه الفروق المناخية والجيولوجية في تنويع الديناصورات الأرضية، وأدت إلى مسارات تطورية موازية لكنها مختلفة.

وفي حين طوّرت "التيرانوصورات" عضلات فكية وقدرة على سحق العظام، اختارت "الميجارابتورات" طريقاً أكثر خفة ورشاقة، متمثلاً في مخالبها ودقتها.

ومع انقراض "الكاركارودونتوصورات"، بدأت فترة جديدة سيطر فيها عمالقة جدد. وبين بيئات تتبدل، وقارات تتباعد، ومناخ يتحوّل، وجدت الديناصورات عبر "الابتكار التطوري" طريقها إلى القمة من جديد.

تصنيفات

قصص قد تهمك