درب التبانة.. معلومات قد لا تعرفها عن المجرة

time reading iconدقائق القراءة - 18
مجموعة من الصور بعض المناطق في مجرة درب التبانة - ESO/VVVX survey
مجموعة من الصور بعض المناطق في مجرة درب التبانة - ESO/VVVX survey
القاهرة-محمد منصور

رغم أن مجرة درب التبانة تبدو لنا في السماء مجرد شريط لَبني من النجوم، إلا أن هذا الامتداد الخافت يُخفي وراءه بنية كونية معقدة وتاريخاً مضطرباً من التحولات الكبرى.

تمتد مجرتنا عبر أكثر من 100 ألف سنة ضوئية، لكنها تظل بشكل مدهش، مسطّحة كالقرص، تدور فيها مليارات النجوم حول نواة مركزية مزدحمة، تحوي ثقوباً سوداء ومادة مظلمة لا تُرى بالعين.

لكن هذا الانضباط الهندسي لا يعني السكون، فدرب التبانة ليست مجرة هادئة، إذ رصد العلماء عشرات التيارات النجمية الناتجة عن مجرات قزمة اقتربت أكثر من اللازم، فمزقتها جاذبية المجرة الكبرى وابتلعتها.

كما تحيط بها عناقيد نجمية تعود إلى البدايات الأولى للكون، وتكشف دراستها عن تاريخ التكوين المجري والتفاعلات القديمة.

مجرة مسطحة

ورغم اتساع مجرة درب التبانة إلى حدود خيالية تمتد قرابة 100 ألف سنة ضوئية من طرف إلى طرف، إلا أنها تبدو مسطحة إلى حد كبير، كما لو كانت قرصاً رقيقاً هائلاً مع بعض التفاصيل المنتفخة في الوسط.

تخيَّل فطيرة واسعة مدهونة بالكريمة في المنتصف، وهذه الكريمة هي "الانتفاخ المركزي" الذي يحتضن نواة المجرة النشطة، مليئة بالنجوم القديمة والثقوب السوداء، وتدور حوله المجرة بأكملها.

ولا يتعدى سُمك هذا القرص المجري في الغالب 1000 سنة ضوئية، ما يجعله رقيقاً مقارنة بامتداده العرضي.

ونحن، أي الشمس وكوكب الأرض، نسكن هذا القرص، على بعد نحو 26 ألف سنة ضوئية من مركزه، في أحد الأذرع الحلزونية، بعيدين نسبياً عن الفوضى النشطة التي تعم قلب المجرة.

وهذا الموقع "الضاحي"، إذا جاز التعبير، يوفّر لنا قدراً من الاستقرار الكوني، بعيداً عن النشاط العالي للإشعاعات والثقوب السوداء التي تهيمن على النواة. ومع أن المجرة تبدو مسطحة في العموم، إلا أن تفاصيلها الدقيقة تكشف عن تموّجات وانحناءات طفيفة في قرصها، تماماً كما تتعرج حواف قرص مدمج قديم بفعل الزمن.

والطابع المسطح لمجرة درب التبانة ليس مجرد صدفة هندسية، بل هو نتيجة مباشرة لتفاعلات معقدة وطويلة الأمد بين الجاذبية، والزخم الزاوي، والمادة الكونية بأنواعها المختلفة.

ففي بدايات تشكُّل المجرة قبل أكثر من 13 مليار سنة، كانت درب التبانة عبارة عن سحابة ضخمة من الغاز والغبار الكوني تدور ببطء حول نفسها تحت تأثير الجاذبية.

وتُعد هذه الحركة الدورانية هي المفتاح، كلما دارت السحابة أكثر، ازداد ما يُعرف بالزخم الزاوي، وهو المبدأ الفيزيائي الذي يدفع الأجسام الدوارة إلى أن تُسطّح نفسها تدريجياً، تماماً كما تنبسط عجينة البيتزا تحت تأثير دورانها في الهواء. ونتيجة لهذا، أخذت المادة في الانضغاط في مستوى واحد لتكوّن ما نراه اليوم على شكل قرص مجري.

لكن هذا ليس كل شيء. تشكُّل النجوم، وتفاعل الغاز، والموجات الصدمية الناتجة عن المستعرات العظمى (السوبرنوفا) ساعدت على إبقاء القرص المجرّي مستوياً نسبياً، عبر توزيع الطاقة والزخم بشكل متوازن على مدى مليارات السنين.

ومن العوامل الأخرى التي ساهمت في الحفاظ على الشكل المسطح، هو غياب التصادمات الكبرى في الفترة الأخيرة من تاريخ المجرة. فلو أن درب التبانة اصطدمت بمجرة بحجمها في زمن قريب نسبياً، لكانت هذه البنية المسطحة قد تشوّهت أو تفتتت.

وصحيح أن المجرة خاضت الكثير من الاندماجات في ماضيها البعيد، وابتلعت العديد من المجرات القزمة، لكنها ظلّت في المجمل مستقرة بما يكفي لتحتفظ بشكلها القرصي.

وهناك أيضاً تأثيرات المادة المظلمة غير المرئية التي تشكل نحو 85% من كتلة المجرة، إذ تلعب دوراً محورياً في تماسك القرص المجري ومنع تفتته، عبر قوتها الجاذبية المنتشرة في "هالة" ضخمة تحيط بالمجرة بأكملها.

وتُعتبر هذه الهالة بمثابة الهيكل الخفي الذي يحفظ انتظام شكل المجرة ويمنعها من التمدد أو الانهيار.

تيارات نجمية

في العقود الأخيرة، اكتشف العلماء أكثر من 24 تياراً نجمياً يدور حول المجرة، وهي عبارة عن خطوط طويلة ورفيعة من النجوم الممزقة، تُمثّل بقايا مجرات قزمة اقتربت كثيراً من درب التبانة، فمزقتها قوى الجاذبية القوية وامتصتها تدريجياً في هيكل المجرة الأكبر.

ولا تظهر هذه التيارات النجمية بالعين المجردة، بل تتطلب تلسكوبات دقيقة وخرائط فلكية متقدمة، مثل تلك التي يوفرها "مرصد جايا" الأوروبي، الذي يرسم حالياً خريطة ثلاثية الأبعاد لمجرتنا بدقة غير مسبوقة.

وعبر تتبع حركة هذه النجوم وتوزيعها في السماء، بات العلماء قادرين على تحديد مصادرها الأصلية، وتبيّن أن كثيراً منها يعود إلى مجرات قزمة اصطدمت بدرب التبانة على مدى مليارات السنين.

ولأن هذه التيارات بمثابة "عظام الديناصورات" الفلكية، أي حفريات كونية تسرد تاريخ الاصطدامات القديمة؛ بدأ الفلكيون بتسميتها بأسماء مستوحاة من ثقافات الشعوب الأصلية، مثل تلك التي تعود للثقافة الأسترالية الأصلية، تكريماً لتراثها الغني في رصد السماء وتفسير النجوم.

وإحدى هذه التيارات، مثلاً، تحمل اسم Tucana III، وهي بقايا مجرة قزمة تمزقت بشكل واضح، تاركة خلفها تياراً نجمياً رفيعاً يلتف حول المجرة مثل شريط ممزق في العاصفة.

ما يحدث هنا ليس استثناء، ولكنه جزء من طريقة نمو المجرات الكبرى. فدرب التبانة، مثل العديد من المجرات الضخمة، تكبر بمرور الوقت من خلال التهام المجرات الأصغر لتدمج نجومها في قرصها أو هالتها، وتواصل رحلتها في التوسع البطيء. وهذا السلوك على الرغم من كونه يتم على مدى فترات زمنية هائلة، يترك أثراً لا يُمحى في بنية المجرة وتاريخها الديناميكي.

عناقيد كروية

ورغم أننا نعيش في منطقة هادئة نسبياً من مجرة درب التبانة، إلا أن جوارنا الكوني مليء بآثار من بدايات الكون ذاته، إذ تحيط بنا مجموعة كبيرة من العناقيد النجمية القديمة تُعرف باسم "العناقيد الكروية"، ويُقدّر عددها بأكثر من 150 عنقوداً، منتشرة في هالة المجرة، تلك المنطقة الكروية الواسعة التي تمتد خارج القرص المسطح الرئيسي.

وتحتوي هذه العناقيد على مئات الآلاف من النجوم، وهي من بين أقدم الأجسام المعروفة في الكون، إذ تعود أعمارها إلى أكثر من 12 مليار سنة، أي أنها تشكّلت بعد وقت قصير من ما يُعرف بـ"الانفجار العظيم".

النجوم في هذه العناقيد تختلف تماماً عن شمسنا متوسطة السن، فهي نجوم "عجوزة" منخفضة الكتلة، تكاد تخلو من العناصر الثقيلة، ما يدل على أنها وُلدت في زمن لم يكن فيه الكون قد أنتج بعد الكثير من هذه العناصر عبر الأجيال المتعاقبة من المستعرات العظمى.

وتُعد دراسة هذه العناقيد بمثابة الرجوع إلى الزمن البدائي للكون، وتساعد العلماء على فهم شكل البيئة الكونية في لحظاتها الأولى، وكيف بدأت المجرات في التجمع والنمو.

لكن الحكاية لا تنتهي عند العناقيد، فبالقرب من درب التبانة، تدور أيضاً مجرات قزمة بأعداد كبيرة، أبرزها سحابتا ماجلان الكبرى والصغرى، وهما مجرتان تابعتان تشاهدان بالعين المجردة في السماء الجنوبية، وتبدوان كغمامتين لبنيتين خافتتين.

ورغم صغر حجمهما مقارنة بدرب التبانة، إلا أن لهما أهمية كبرى في فهم تطور المجرات، إذ يُعتقد أنهما في طور الاندماج مع مجرتنا أو تمران بعمليات مد جاذبي مؤلمة قد تؤدي إلى تمزقهما على المدى البعيد.

هذا الجوار القديم والغني بالتاريخ الكوني لا يمنحنا فقط مناظر ليلية خلابة، بل يُعد بمثابة متحف حي للكون المبكر، يطفو حولنا في صمت.

وبينما تبدو النجوم لامعة وبراقة في السماء، فإن كثيراً منها يحمل في طياته قصصاً من بدايات الزمن، حين كانت المجرات تتكوّن، والكون لا يزال يتلمّس خطواته الأولى.

عمر الأرض

عندما نتحدث عن عمر الأرض، فإن الرقم الذي يتبادر إلى الأذهان هو 4.5 مليار سنة، وهو رقم شاسع بما يكفي ليشعرنا بضآلة وجودنا، لكن إذا نظرنا إلى هذا العمر من منظور مجري، أي بالنسبة لحركة الأرض حول مركز درب التبانة، فالصورة تصبح مختلفة تماماً، بل وأكثر تواضعاً: عمر الأرض لا يتجاوز 18 سنة مجرية.

تدور الشمس ومعها كواكب النظام الشمسي، بما فيها الأرض، في مدار ضخم حول مركز مجرة درب التبانة. هذه الرحلة المجرية الواحدة تستغرق في المتوسط نحو 225 إلى 250 مليون سنة، بسبب المسافة الهائلة التي تفصلنا عن مركز المجرة (نحو 26 ألف سنة ضوئية) وبسبب الكتلة الهائلة التي تهيمن على هذا المركز، بما في ذلك الثقب الأسود الهائل "الرامي A". فإذا قسمنا عمر الأرض على مدة الدورة الواحدة، نجد أننا أكملنا نحو 18 دورة فقط حول مركز المجرة منذ تشكُّل كوكبنا.

المدهش هو ما كانت عليه الأرض في كل مرة عادت إلى هذا الموقع تقريباً. وآخر مرة كانت فيه الأرض عند هذا الجزء من المجرة منذ 250 مليون سنة، في زمن العصر الترياسي المبكر، عندما كانت الديناصورات في بدايات ظهورها، وكانت القارات مجتمعة في قارة عظمى واحدة تُعرف باسم "بانجيا". ومنذ ذلك الحين، انفصلت القارات، وانقرضت الديناصورات، وظهرت الثدييات، ثم البشر، وكل هذا بينما لم نكمل سوى "لفة واحدة" حول المجرة.

الرحلة المجرية ليست مجرد مسألة موقع، بل لها آثار أعمق مما قد نتخيله. فخلال دوراننا حول المركز، يمر النظام الشمسي أحياناً عبر أذرع المجرة، حيث تكون كثافة النجوم والغبار أعلى، وقد تتعرض الأرض لتغيرات بيئية أو حتى إشعاعات كونية بمستويات أعلى. وهناك نظريات لم تُثبت بعد بشكل قاطع تقترح وجود صلة بين هذه الحركات المجرية الكبرى وبعض أحداث الانقراض على الأرض.

إدراك أن الأرض لم تكمل سوى 18 دورة مجرية طوال حياتها، يُعيد ضبط مفاهيمنا عن الزمن. فنحن نعيش على كوكب قديم، لكنه لا يزال في بداية مسيرته على مستوى المجرة.

وربما حين نُكمل الدورة التاسعة عشرة أو العشرين، سيكون كوكب الأرض قد تغيّر مجدداً، كما تغيّر منذ أن كانت بانجيا والديناصورات تطغى على المشهد. الزمن المجري لا يُقاس بالعقود ولا بالقرون، بل بعصور كونية هادئة في ظاهرها، لكنها شديدة الديناميكية في عمقها.

فقاعات فيرمي

في أعماق مجرتنا الهادئة ظاهرياً، تخفي نواتها العتيقة ماضياً عاصفاً يكاد لا يُصدّق، فبينما تدور النجوم والكواكب في انسجام داخل قرص درب التبانة، رصد العلماء مؤخراً ظاهرة مذهلة تلمّح إلى أن قلب المجرة شهد في يوم ما انفجارات هائلة أو نشاطاً مركزياً مضطرباً لا تزال آثاره تتردد حتى اليوم، فقد تم اكتشاف أكثر من 100 سحابة من غاز الهيدروجين تندفع بسرعات خرافية بعيداً عن مركز المجرة، تصل إلى ما يقارب 738 ألف ميل في الساعة.

هذا الاكتشاف لم يكن مجرد مصادفة، بل قد يكون مفتاحاً لفهم واحدة من أعظم الهياكل الغامضة في الكون القريب، "فقاعات فيرمي" العملاقة، التي ترتفع فوق وتحت قرص المجرة كآثار صامتة لانفجارات قديمة، لا نعرف عنها إلا شذرات.

فكيف يمكن لهذه السحب أن ترتبط بهذه الفقاعات؟ وما الذي يقف وراء هذا النشاط الخارق في نواة درب التبانة؟ 

ما رصده العلماء مؤخراً من سُحب هيدروجين تنطلق بسرعات خيالية تصل إلى نحو 738 ألف ميل في الساعة (أي قرابة 1.2 مليون كيلومتر في الساعة)، يفتح نافذة مذهلة على واحدة من أكثر الظواهر إثارة في مجرتنا، فالعمليات التي تحدث في مركز درب التبانة، والتي قد تكون مسؤولة عن تشكُّل ما يُعرف بـ"فقاعات فيرمي" وهما زوج من الهياكل العملاقة المنبعثة من قلب المجرة ويمتدان فوق وتحت قرصها.

ولفهم هذه السُحب المتسارعة، علينا أن نبدأ من قلب المجرة، حيث يقع الثقب الأسود الهائل المعروف باسم "الرامي"، والذي تبلغ كتلته نحو 4 ملايين ضعف كتلة الشمس.

وهذا الثقب الأسود ليس خاملاً بالكامل، بل يُعتقد أنه مرّ بفترات من النشاط المضطرب في الماضي، إذ ابتلع كميات ضخمة من الغاز والغبار، مطلقاً كميات هائلة من الطاقة. ومثل هذا النشاط يُمكن أن يؤدي إلى إطلاق رياح مجرية ضخمة أو نفثات من الجسيمات، تماماً كما تُطلق فوهة بركان الرماد والغازات إلى الطبقات العليا من الغلاف الجوي.

وقد تكون السُحب الهيدروجينية التي تم رصدها مؤخراً دُفعت بفعل هذه النفثات القديمة. تخيّل طرداً من الغاز تم قذفه من قلب المجرة منذ ملايين السنين، لا يزال يندفع بسرعته الهائلة إلى اليوم، عابراً الفضاء بين النجمي.

وهذه السحب لا تُشاهد بسهولة، لكن باستخدام موجات الراديو وتقنيات الرصد المتقدمة مثل مرصد "ألما" في تشيلي أو تلسكوبات الراديو الأخرى، أصبح بالإمكان تعقّب حركتها ومواقعها بدقة.

وهنا تأتي أهمية فقاعات فيرمي، هاتان الفقاعتان الراديويتان العملاقتان تم اكتشافهما عام 2010 عبر تلسكوب "فيرمي" الفضائي لأشعة جاما، ويمتدان على مسافة نحو 25 ألف سنة ضوئية شمالاً وجنوباً من مركز المجرة.

ولا يزال أصل هذه الفقاعات غامضاً، لكن أكثر النظريات رواجاً تشير إلى أنها بقايا انفجار هائل، أو سلسلة من الانفجارات وقعت في نواة المجرة منذ ملايين السنين، ربما بسبب موجة نشاط مضطرب للثقب الأسود المركزي.

إذا كانت هذه السحب الهيدروجينية المتسارعة بالفعل ناتجة عن تلك العمليات نفسها، فإننا أمام دليل جديد يدعم الفرضية القائلة إن مركز المجرة لم يكن دائماً هادئاً كما يبدو الآن، بل كان في فترات سابقة أقرب إلى محرك كوني نفّاث، يطلق الغازات والطاقة في كل اتجاه.

ودراسة هذه السحب لا تكشف فقط عن ماضي مجرتنا المضطرب، بل تساعد العلماء أيضاً في فهم آلية عمل الثقوب السوداء الهائلة، وكيف يمكن لنشاطها أن يؤثر في تشكيل المجرات نفسها عبر مليارات السنين.

مصير محتوم

صحيح أن درب التبانة تبدو لنا وكأنها كيان ثابت ومستقر في فضاء لا نهائي، إلا أن مصيرها الكوني قد رُسم بالفعل، وهو أبعد ما يكون عن الثبات.

بعد نحو 4 مليارات سنة من الآن، ستدخل مجرتنا في رقصة كونية بطيئة ولكن حاسمة مع جارتها العملاقة "المرأة المسلسلة" (أندروميدا)، لتبدأ عملية اندماج هائلة ستغيّر معالم المجرتين إلى الأبد.

وتقترب "أندروميدا" منّا بسرعة تُقدَّر بـ110 كيلومترات في الثانية، وعلى الرغم من بُعدها الهائل الآن (نحو 2.5 مليون سنة ضوئية)، فإن اصطدامها بدرب التبانة بات أمراً محسوماً من منظور الفيزياء الفلكية.

عندما يبدأ الاصطدام، لن يحدث الأمر على شكل تصادم مباشر كما في أفلام الخيال العلمي، فالمسافات بين النجوم شاسعة جداً، لدرجة تجعل احتمال اصطدام نجمين ببعضهما ضئيلاً للغاية.

ومع ذلك، فإن جاذبية كل من المجرتين ستبدأ في سحب النجوم والغازات والغبار باتجاه بعضهما البعض، ما سيؤدي إلى تشوه كبير في شكل الأذرع الحلزونية، وظهور "ذيول مدّية" طويلة من النجوم والغاز، تمتد بعيداً في الفضاء.

في النهاية، وبعد مئات ملايين السنين من التفاعل، ستندمج المجرتان في "ميجا-مجرة" ضخمة بيضاوية الشكل، يُطلق عليها العلماء اسماً غير رسمي؛ ميلكوميدا (Milkomeda)، في دمج ساخر بين "Milky Way" و"Andromeda".

لكن كيف سيبدو المشهد من الأرض، أو بالأحرى من موقع كوكب الأرض المفترض بعد 4 مليارات سنة؟

ستكون السماء ليلاً مشهداً سريالياً لا يُصدّق، فقبل الاصطدام النهائي، ستملأ أندروميدا السماء تدريجياً، متضخمة مع مرور الزمن حتى تصبح أكبر من القمر الكامل بأضعاف، تضيء السماء بضوءها الناعم. وبعد بداية الاندماج، ستتحول السماء إلى لوحة فوضوية من النجوم والغبار والمجرات المتشابكة.

وإذا كان كوكب الأرض لا يزال موجوداً في ذلك الوقت، فإن ساكنيه سيشهدون عرضاً سماوياً هو الأجمل على الإطلاق، لكنه يشير أيضاً إلى نهاية الهوية المستقلة لمجرة درب التبانة.

أما على المستوى المحلي، فلا داعي للذعر، فرغم ضخامة الحدث، فإن من غير المتوقع أن تتعرض النجوم أو الكواكب للتدمير، إذ أن شمسنا قد تكون قد دخلت طور "العملاق الأحمر" بحلول ذلك الوقت، ما يعني أن الأرض ربما لم تعد صالحة للحياة أصلاً.

ومع ذلك، فإن الاندماج لن يتسبب في إبادة كونية، بل في إعادة تشكيل هائلة لتوزيع النجوم داخل المجرة الجديدة. والنظام الشمسي، إذا بقي متماسكاً، قد يُدفع إلى موقع مختلف تماماً داخل المجرة الجديدة، بعيداً عن مركز الحدث.

بعبارة أخرى، درب التبانة كما نعرفها الآن، بكل هدوئها ونظامها وقرصها الحلزوني المألوف، ستصبح يوماً ما مجرد فصل قديم في تاريخ مجري أكثر ضخامة، جزء من ملحمة كونية لا تزال تُكتب ببطء، نجماً بعد نجم، ومليار سنة بعد مليار.

تصنيفات

قصص قد تهمك