علماء آثار يكشفون عن أول حالة مضغ "نبات له تأثيرات نفسية" في التاريخ

دراسة تكشف عن تعاطي "جوزة التنبول" قبل 4000 سنة في تايلندا

time reading iconدقائق القراءة - 5
مكونات التنبول الحديث الذي يضم أوراق بيتل بايبر وجوز الأريكا ومعجون الحجر الجيري والتبغ وخيوط لحاء السنغالية كاتيشو ويظهر السائل الأحمر الناتج بعد المضغ - frontiersin.org
مكونات التنبول الحديث الذي يضم أوراق بيتل بايبر وجوز الأريكا ومعجون الحجر الجيري والتبغ وخيوط لحاء السنغالية كاتيشو ويظهر السائل الأحمر الناتج بعد المضغ - frontiersin.org
القاهرة -محمد منصور

كشف علماء آثار عن أول دليل بيولوجي مباشر على مضغ نبات له تأثير نفسي في التاريخ، بعدما توصلوا إلى أقدم دليل مباشر على مضغ جوزة التنبول في جنوب شرق آسيا، مستندين إلى تحليل كيميائي لطبقة البلاك المتكلّسة على أسنان بشرية تعود إلى نحو 4000 سنة، عُثر عليها في موقع "نونج راتشوات" الأثري وسط تايلندا.

وجوزة التنبول عبارة عن خليط من بذور الفوفل (نبات الحضض الهندي)، وأوراق التنبول، والجير المطفأ، وتمنح من يمضغها شعورًا بالنشاط والبهجة والاسترخاء، وعلى الرغم من تراجع استخدامها في العصر الحديث، إلا أن هذا التقليد ظلّ جزءًا لا يتجزأ من الطقوس الاجتماعية والثقافية في جنوب شرق آسيا لآلاف السنين.

وأكدت الدراسة أن البشر لجأوا إلى النباتات ذات التأثير المنشط والمبهج في وقت أبكر بكثير مما كان يُعتقد، ما يعيد رسم ملامح العلاقة العميقة بين الإنسان والنباتات النفسية منذ فجر الحضارات.

ورغم وجود دلائل تاريخية على استخدام "جوزة التنبول"؛ إلا أن علماء الآثار واجهوا مشكلة لفترة طويلة، تتمثل في أن الكثير من متعاطي هذه المادة في العصور القديمة لم يكن يظهر على أسنانهم التلوّن المعتاد الناتج عن الاستخدام المزمن، ما ترك شكوكًا بشأن مدى انتشار هذه الممارسة. 

إلا أن الدراسة المنشورة في دورية "فرونتير إن آنفيرونمنت أركولوجي" استطاعت تحديد مشتقات نباتية داخل جير أسنان أحد المدفونين في نونج راتشوات تعود إلى 4000 سنة، وهو ما يمثل أقدم دليل مباشر على مضغ التنبول في المنطقة".

ويقول الباحثون إن الدراسة كشفت عن أمر "ظل مجهولاً تمامًا" وتتبعت سلوكاً بشرياً ظلّ مختفيًا نحو 4000 سنة، رغم غياب أي أثر أثري تقليدي له.

وخلال الدراسة أخذ الفريق 36 عينة من جير الأسنان من 6 أفراد دُفنوا في الموقع، الذي تم التنقيب فيه منذ عام 2003 وكشف عن 156 قبرًا بشريًا، ووجدوا أن أحد الأفراد (المدفون رقم 11) يحمل في ضرسه الطاحن آثارًا واضحة لمركبَي "أريكلين" و"أريكايدين"، وهما مركّبان عضويان لهما تأثير نفسي، يوجدان في جوزة التنبول، وأحيانًا في القهوة والشاي والتبغ.

ولضمان دقة التحليل، ابتكر الباحثون عينات مختبرية مماثلة لعملية المضغ الحقيقية، باستخدام جوز التنبول وأوراق الفلفل ومعجون الجير، وحتى لعاب بشري، ما أتاح محاكاة التفاعلات البيوكيميائية بدقة.

وحلل الباحثون الطبقة الجيرية المتكلسة عن طريق جمع عينات دقيقة من الرواسب الصلبة المتراكمة على أسنان الهياكل العظمية المكتشفة، باستخدام أدوات معقمة لتفادي التلوث، ثم أخضعوا العينات لعملية تنظيف أولي لإزالة الشوائب السطحية دون التأثير على المركبات الدقيقة بداخلها.

بعد ذلك، عالج الباحثون العينة في المختبر بمحاليل كيميائية معيّنة تفكك البنية المعدنية للطبقة الجيرية، ما يسمح باستخلاص الجزيئات العضوية العالقة فيها مثل البروتينات، وبقايا الطعام، والمركبات النباتية ثم استخدموا تقنيات تحليلية متقدمة (LC) للكشف عن آثار مركبات كيميائية معينة، منها مركبات نفسية التأثير.

وأتاحت هذه التقنية للباحثين تتبّع ممارسات بشرية قديمة مثل استهلاك النباتات المخدّرة أو الأدوية التقليدية، حتى في غياب الأدلة المادية التقليدية، ما يفتح نافذة نادرة على تفاصيل الحياة اليومية والتقاليد الثقافية التي لم تُسجَّل في أي مصدر مكتوب.

لكن لماذا لم تُصب الأسنان بتلونات واضحة كما هو شائع اليوم؟

يشير فريق البحث إلى عدة فرضيات، منها أن طرق المضغ ربما كانت مختلفة، أو أن تنظيف الأسنان بعد الاستعمال كان منتشرًا، أو أن عوامل بيئية لاحقة طمست آثار التلوّن مع مرور الزمن.

ويقول الباحثون إن الدليل على مضغ جوزة التنبول لم يرتبط بأي دلائل على وضع اجتماعي مميز للمدفون رقم 11، رغم وجود خرزات حجرية في قبره ربما تفتح بابًا لتساؤلات بشأن مكانته.

ويأمل الباحثون في توسيع البحث ليشمل مزيدًا من المدفونين في الموقع، ما قد يرسم صورة أوضح لتاريخ هذه الممارسة. 

ويرى الباحثون أن منهجية تحليل جير الأسنان ربما يفتح نافذة على أنماط حياة لا تترك خلفها أثرًا ماديًا تقليديًا، ما قد يعزز الفهم للعلاقات بين البشر والنباتات منذ آلاف السنين".

ولا تقتصر أهمية البحث على التاريخ فقط، بل تمتد إلى الحاضر؛ إذ يقول الباحثون إن "المجتمعات لطالما استخدمت النباتات ذات التأثير النفسي ضمن منظومة متكاملة من المعرفة والعلاج والروحانية، وعلى الأوساط العلمية الحديثة أن تنظر لهذه التقاليد كإرث ثقافي حي، لا كمجرد سلوك استهلاكي".

تصنيفات

قصص قد تهمك