باحثون يتوصلون إلى أداة جديدة تساعد الذكاء الاصطناعي على ابتكار مواد فريدة

time reading iconدقائق القراءة - 7
صورة أنتجتها الشرق بالذكاء الاصطناعي لعالم يجري أبحاثاً باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. 22 يناير 2024 - Midjourney
صورة أنتجتها الشرق بالذكاء الاصطناعي لعالم يجري أبحاثاً باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي. 22 يناير 2024 - Midjourney
القاهرة -محمد منصور

توصل باحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا إلى أداة جديدة تسمى "SCIGEN"، تهدف إلى توجيه نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية نحو إنشاء مواد ذات خصائص فريدة وغير مألوفة، خاصة المواد الكمومية التي تعد حجر الزاوية في تطبيقات متقدمة مثل الحوسبة الكمومية.

وأفادت الدراسة التي نشرتها دورية nature materials، بأن هذه الأداة تتجاوز التحديات التي تواجهها النماذج الحالية، والتي تميل إلى توليد مواد مستقرة، بدلاً من المواد ذات الخصائص الاستثنائية التي يحتاج إليها العلماء لتحقيق اختراقات علمية.

وعلى الرغم من التقدم الهائل في نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية، التي ساهمت في تصميم عشرات الملايين من المواد الجديدة، إلا أنها تواجه صعوبات كبيرة في توليد مواد ذات خصائص كمومية غريبة مثل الموصلية الفائقة، أو الحالات المغناطيسية الفريدة.

ويعود هذا القصور إلى أن هذه النماذج مصممة أساساً لإنتاج مواد مستقرة، وهو ما يتعارض مع الحاجة إلى مواد ذات هياكل غير تقليدية لتوليد الخصائص الكمومية. 

السوائل المغزلية الكمومية

قال المؤلف الرئيسي للدراسة، مينجدا لي، الباحث في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، إن التقدم في علم المواد لا يتطلب 10 ملايين مادة جديدة، بل مادة واحدة جيدة جداً يمكنها أن تحدث ثورة ".

وأوضح: "على سبيل المثال، وبعد عقد من البحث في المواد المسماة السوائل المغزلية الكمومية التي ربما تحدث ثورة في الحوسبة الكمومية، تم التعرف على عشرات المرشحات فقط، وهذا البطء يعيق التقدم التكنولوجي، إذ يقل عدد المواد التي يمكن أن تكون أساسًا للاختراقات".

والسوائل المغزلية الكمومية حالة فريدة من حالات المادة تنشأ عندما تفشل اللفّات المغناطيسية للإلكترونات (السبينات) في الترتيب بشكل ثابت حتى عند درجات حرارة قريبة من الصفر المطلق، فتظل في حالة تقلب وحركة مستمرة أشبه بـ"سائل" بدلاً من أن تتجمد في نمط مغناطيسي منتظم كما هو الحال في المواد المغناطيسية التقليدية. 

وربما تحدث المواد التي تُظهر سلوك السوائل المغزلية الكمومية ثورة في مجال العلوم الكمية لأنها تفتح نافذة على فيزياء جديدة يمكن استغلالها عملياً في الحوسبة الكمية والاتصالات الآمنة، ففي هذه الحالة الغريبة من المادة، تتولد جسيمات تمتلك خصائص تسمح بتخزين المعلومات الكمية ومعالجتها بطريقة أكثر استقراراً من الكيوبتات التقليدية، ما يعني إمكانية بناء حواسيب كمية مقاومة للأخطاء.

ولحل هذه المشكلة، طور الباحثون في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أداة SCIGEN وهي عبارة عن كود برمجي يسمح للمستخدمين بإعطاء نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدية قواعد تصميم محددة يجب اتباعها. 

وتعمل SCIGEN على توجيه النماذج التوليدية، خاصة نماذج الانتشار لضمان توافق المواد التي يجري توليدها مع هياكل هندسية محددة معروفة بقدرتها على توليد خصائص كمومية فريدة.

ويقول الباحثون إن SCIGEN إطار علمي - حاسوبي يجمع بين الذكاء الاصطناعي والنمذجة الفيزيائية من أجل تصميم مواد متقدمة لا يمكن اكتشافها بالصدفة، بل تولد بشكل موجّه ومدروس باستخدام النماذج التوليدية، خاصة نماذج الانتشار التي باتت رائدة في إنتاج بيانات معقدة ودقيقة تشبه الواقع. 

التجريب العشوائي

وما يميز SCIGEN هو أنه لا يترك عملية التوليد مفتوحة دون قيود، بل يفرض على هذه النماذج التزاماً بهياكل هندسية معينة أثبتت التجارب أنها قادرة على منح المواد خصائص كمومية استثنائية، مثل الموصلية الفائقة أو السلوك المغناطيسي الفريد أو التحكم في حركة الإلكترونات على نحو غير مألوف.

وتكمن أهمية هذه الأداة في أنها تقلص فجوة التجريب العشوائي في المختبرات، إذ كان الباحثون يحتاجون في السابق إلى سنوات طويلة لاكتشاف مادة واحدة لها خواص غير تقليدية، أما باستخدام SCIGEN، فيمكن للباحث أن يوجه النماذج لتوليد آلاف البنى البلورية والذرات المرتبة بما يتوافق مع معايير هندسية دقيقة، ثم يختار منها المواد المرشحة الأكثر وعداً، وهذا يعني تسريع الابتكار في مجالات حساسة مثل الإلكترونيات الكمية، والطاقة النظيفة، والمواد الخارقة بل وحتى تطبيقات الفضاء.

وأشار الباحثون إلى أن المنفعة الكبرى تكمن في أن هذه التقنية تجعل الذكاء الاصطناعي شريكاً نشطاً في الاكتشاف العلمي، لا مجرد أداة حسابية، فهي تمثل نقلة نوعية من "التجريب ثم الملاحظة" إلى "التوجيه ثم التوليد"، إذ يتقاطع العلم مع الخوارزميات لتخطي حدود المعرفة التقليدية "وبذلك يمكن القول إن SCIGEN ليست مجرد أداة للبحث، بل منصة تفتح الباب أمام جيل جديد من المواد المصممة بدقة لتخدم أهدافاً استراتيجية في العلوم والصناعة على حد سواء، بحسب مؤلف الدراسة.

ولاختبار فاعلية SCIGEN، استخدم الباحثون نموذج الذكاء الاصطناعي وزودوه بالأداة لتوليد مواد ذات شبكات أرخميدية، وهي هياكل معروفة بارتباطها بظواهر كمومية مثل السوائل المغزلية الكمومية و"النطاقات المسطحة" التي تحاكي خصائص العناصر الأرضية النادرة، كما أن بعض هذه الشبكات تحتوي على مسام كبيرة ربما تكون مفيدة في تطبيقات مثل احتجاز الكربون.

وبفضل SCIGEN، تمكن النموذج من توليد أكثر من 10 ملايين مادة مرشحة بشبكات أرخميدية. بعد فحصها من حيث الاستقرار، نجا مليون مادة منها، وباستخدام الحواسيب العملاقة في مختبر "أوك ريدج" الوطني، قام الباحثون بمحاكاة مفصلة لـ 26000 مادة من هذه العينة، ووجدوا أن 41% منها تُظهر خصائص مغناطيسية.

مركبين جديدين

من بين هذه العينة، تمكن الباحثون من تصنيع مركبين لم يسبق اكتشافهما من قبل وهما TiPdBi و TiPbSb، وأظهرت التجارب اللاحقة أن خصائص هذين المركبين تتوافق إلى حد كبير مع تنبؤات النموذج، ما يؤكد فعالية الأداة في توجيه الذكاء الاصطناعي نحو الاكتشافات العلمية.

ويتوقع الباحثون أن تسرع SCIGEN بشكل كبير من وتيرة البحث عن مواد جديدة للحوسبة الكمومية، ففي الوقت الذي كان فيه التقدم التجريبي بطيئاً للغاية، توفر هذه الأداة للباحثين مئات أو آلاف المرشحات الجديدة للعمل عليها.

وأكد المؤلف المشارك في الدراسة، روبرت كافا، أن العديد من مواد السوائل المغزلية الكمومية تتطلب هياكل هندسية معينة، مثل الشبكات المثلثية وإذا كانت المادة تفي بهذه الشروط، فإنها تثير حماس الباحثين.

ولكن على الرغم من أن التجارب العملية لا تزال حاسمة لتقييم المواد التي يولدها الذكاء الاصطناعي، إلا أن SCIGEN تفتح الباب أمام توليد مجموعة واسعة من المواد الواعدة.

ويتطلع الباحثون في المستقبل إلى دمج المزيد من قواعد التصميم في الأداة، بما في ذلك القيود الكيميائية والوظيفية، لتعزيز قدرتها على توليد مواد ذات خصائص محددة ومؤثرة.

تصنيفات

قصص قد تهمك