دراسة: الإضاءة الليلية تؤدي لزيادة انبعاثات الكربون وتهدد الكوكب

الضوء يزيد النشاط الحيوي للنباتات والحيوانات ويسبب اضطرابات النوم وإجهاد العين

time reading iconدقائق القراءة - 6
أضواء ساطعة وألعاب نارية خلال احتفالات ليلة رأس السنة الجديدة في سيدني، أستراليا، 31 ديسمبر 2024 - Reuters
أضواء ساطعة وألعاب نارية خلال احتفالات ليلة رأس السنة الجديدة في سيدني، أستراليا، 31 ديسمبر 2024 - Reuters
القاهرة -محمد منصور

أفادت دراسة حديثة بأن التلوث الضوئي الناتج عن الإضاءة الاصطناعية ليلاً بات يشكل تهديداً صامتاً لكوكب الأرض.

وأوضحت الدراسة أن هذا النوع من التلوث يزيد من انبعاثات الكربون من النباتات والحيوانات في مختلف القارات، دون أن يقابل ذلك أي ارتفاع في كمية الكربون التي تمتصها هذه الكائنات.

عُرضت الدراسة، التي أجراها فريق من جامعة "كرانفيلد" البريطانية، ونشرتها دورية Nature Climate Change، خلال مؤتمر المناخ "كوب 30" المنعقد في البرازيل.

وتوصلت الدراسة، التي اعتمدت على بيانات أقمار اصطناعية، و86 موقعاً لمراقبة تدفقات الكربون في أميركا الشمالية وأوروبا، إلى أن تأثيرات الإضاءة الصناعية ليلاً، تمتد على نطاق قاري، حيث تغير أنماط انبعاث وامتصاص الكربون، بما يؤثر سلباً على استقرار الأنظمة البيئية.

وأوضحت المؤلفة الرئيسية للدراسة، أليس جونستون، المحاضرة الأولى في علم بيانات البيئة بجامعة كرانفيلد في بريطانيا، أن التلوث الضوئي يعد من أكثر التغيرات البيئية وضوحاً التي أحدثها الإنسان، إلا أن آثاره لا تزال خفية في معظمها.

وأضافت أن "هذه الظاهرة آخذة في الانتشار، وهي تغير طريقة عمل النظم البيئية، وتعطل تدفق الطاقة، وسلوك الحيوانات، وأنماط حياتها وموائلها الطبيعية. وباختصار، فإن الليالي الأكثر سطوعاً تعني مزيداً من انبعاثات الكربون".

المؤلف المشارك في الدراسة، جيم هاريس، أستاذ تكنولوجيا البيئة، قال إن نحو ربع سطح اليابسة على الأرض يتعرض اليوم لمستوى من الإضاءة الاصطناعية ليلاً.

وكشفت الدراسة أن الضوء الاصطناعي يعد أحد الملوثات الأسرع نمواً على وجه الأرض، إذ تزيد شدته وانتشاره على سطح اليابسة بنحو 2% سنوياً.

وأكد الباحثون أن هذا العامل، على الرغم من أهميته المتزايدة، لا يدرج في معظم النماذج المناخية وتقييمات التغير البيئي العالمية، داعين إلى ضرورة اعتباره عاملاً مناخياً مؤثراً إلى جانب تغير استخدامات الأراضي وغيرها من محفزات دورة الكربون.

الاحترار العالمي وتغير المناخ

وحث فريق البحث على إدراج التلوث الضوئي ضمن حسابات تغير المناخ المستقبلية، إذ أظهرت البيانات أن الضوء الاصطناعي لا يقتصر تأثيره على الجمال الليلي، أو سلوك الطيور والخفافيش فحسب، بل يمتد إلى قلب التوازن الكربوني الذي تعتمد عليه الحياة على الأرض.

أوضحت الدراسة أن تراجع تخزين الكربون في الأنظمة الطبيعية، كالغابات والتربة والمسطحات الخضراء، يعني أن تلك الأنظمة لم تعد تؤدي دورها الحيوي بوصفها "مصارف للكربون"، وهو ما يضاعف الضغوط المناخية، ويزيد من وتيرة الاحترار العالمي.

وأكدت الدكتورة جونستون أن خطورة التلوث الضوئي تكمن في أنه "تغير بيئي مرئي للعين، لكنه غير محسوب في السياسات المناخية"، موضحة أن المجتمعات البشرية اعتادت التعامل مع قضايا الانبعاثات، والتصحر، وتدهور الغابات، لكنها قلما نظرت إلى الضوء الاصطناعي بوصفه مسبباً لتغيير دورة الكربون في الطبيعة.

مصابيح قابلة للتعتيم

أشارت الباحثة إلى أن تلوث الضوء يمثل في الوقت نفسه أحد أسهل الملوثات القابلة للمعالجة، بخلاف الملوثات الكيماوية، أو الانبعاثات الغازية التي تحتاج إلى عقود من الجهود والسياسات الدولية.

وقالت: "على عكس تغير المناخ، يمكننا الحد من التلوث الضوئي تقريباً بين ليلة وضحاها من خلال تحسين تصميم الإضاءة، واعتماد أنظمة أكثر ذكاءً وكفاءة".

ودعت جونستون إلى استخدام مصابيح قابلة للتعتيم، موجهة الاتجاه، وحساسة للطيف الضوئي بحيث تقلل من الإشعاع غير الضروري في الفضاء المحيط، معتبرة أن هذه التقنيات تمثل حلاً فورياً وقابلاً للتطبيق على نطاق واسع.

وأوضح فريق البحث أن قطاع الإضاءة مسؤول عن نحو 15% من استهلاك الكهرباء العالمي، وأن خفض التلوث الضوئي لا يحسن فقط من كفاءة الطاقة، بل يسهم في حماية صحة الإنسان والبيئة معاً؛ إذ تشير أدلة متزايدة إلى ارتباط الإضاءة الزائدة ليلاً باضطرابات النوم، وإجهاد العين، والتأثير في إيقاع الساعة البيولوجية.

وأفاد الباحثون بأن معالجة التلوث الضوئي تمثل "فرصة نادرة لتحقيق فوز ثلاثي" يشمل البيئة وكفاءة الطاقة ورفاه الإنسان في آن واحد، موضحين أن هذا النوع من الإجراءات السريعة والمجدية يمكن أن يحدث أثراً فورياً في تقليل الضغط المناخي العالمي في حال تبنيه بشكل جماعي.

وأشارت الدراسة إلى أن تأثير التلوث الضوئي يمتد حتى إلى الكائنات الدقيقة في التربة، إذ يؤدي الضوء الاصطناعي إلى تغيير أنماط نشاطها الليلي، ما يزيد من استهلاك الأكسجين، وانبعاث ثاني أكسيد الكربون.

أوضح الباحثون أن زيادة شدة الإضاءة ليلاً لا تؤثر فقط على النباتات والحيوانات، بل تعيد تشكيل التفاعلات البيئية بين الأنواع المختلفة، فتغير سلوكيات التلقيح، والنشاط الليلي للحشرات، ما ينعكس سلباً على سلاسل الغذاء الطبيعية.

وأكدت جونستون أن الخطوة التالية يجب أن تركز على دمج بيانات الإضاءة الليلية ضمن عمليات المراقبة البيئية والبرامج المناخية الوطنية، لافتة إلى أن الأدوات والأقمار الاصطناعية الحديثة تتيح اليوم قياس الضوء بدقة عالية.

تصنيفات

قصص قد تهمك