علماء ينجحون في إنشاء محاكاة دقيقة لمجرة درب التبانة بالذكاء الاصطناعي

time reading iconدقائق القراءة - 6
صورة غير مؤرخة لشريط ساطع من توهج أشعة جاما المنتشر على طول مركز الخريطة، والذي يمثل المستوى المركزي لمجرة درب التبانة - REUTERS
صورة غير مؤرخة لشريط ساطع من توهج أشعة جاما المنتشر على طول مركز الخريطة، والذي يمثل المستوى المركزي لمجرة درب التبانة - REUTERS
القاهرة -محمد منصور

تمكن علماء فلك من إنشاء محاكاة شديدة الدقة لمجرة درب التبانة، تظهر أكثر من 100 مليار نجم كل منها بشكل منفصل، وتمتد متابعة سلوكها على مدى 10 آلاف سنة.

نفذ الباحثون المحاكاة عبر الدمج بين الذكاء الاصطناعي والمحاكاة الفيزيائية الرقمية، ما أنتج نموذجاً أسرع 100 مرة وأكثر تفصيلاً 100 مرة من أحدث النماذج السابقة، ما اعتبره العلماء تقدماً نوعياً عند تقاطع الفيزياء الفلكية والحوسبة فائقة الأداء والذكاء الاصطناعي، مع إمكانية توظيف هذه المنهجية في مجالات علمية أخرى مثل المناخ والطقس.

وأفادت الدراسة التي نوقشت خلال المؤتمر الدولي للحوسبة الفائقة، ونشرتها دورية Riken بأن علماء الفلك يحاولون منذ سنوات محاكاة مجرة درب التبانة على مستوى النجوم الفردية من أجل اختبار النظريات المتعلقة بتشكل المجرات وبنيتها وتطور النجوم وفق ما ترصده التلسكوبات عملياً، إلا أن النماذج التقليدية ظلت تعجز عن ذلك بسبب اعتمادها على حسابات معقدة تشمل الجاذبية والموائع وانفجارات المستعرات العظمى وتخليق العناصر، وهي ظواهر تحدث في نطاقات زمنية ومكانية متباعدة بشكل كبير، ما يجعل الحسابات التقليدية غير قادرة على الوصول إلى هذا المستوى من الدقة.

وأوضحت الدراسة أن جميع المحاولات السابقة لمحاكاة المجرات الضخمة مثل درب التبانة كانت مضطرة لخفض مستوى الدقة إلى حد تمثيل كتلة تعادل مليار شمس كحد أعلى، في حين تحتوي المجرة فعلياً على ما يزيد عن 100 مليار نجم، وهو ما جعل كل "جسيم" في النموذج السابق يمثل عنقوداً نجمياً ضخماً يضم نحو 100 شمس، وهو ما يجعل ما يحدث للنجوم الفردية مجرد متوسطات حسابية لا تعبر بدقة عن الظواهر الفعلية داخل المجرة، تاركة القدرة على رصد الأحداث الدقيقة مقتصرة على نطاق واسع ومنخفض الدقة.

توصلت الدراسة إلى أن المشكلة الأساسية التي كانت تواجه العلماء تتعلق بالزمن الحسابي بين كل خطوة في المحاكاة، إذ إن متابعة التغيرات السريعة التي تحدث في مستوى النجوم الفردية - كالتطور السريع لانفجارات المستعرات العظمى - تتطلب تسجيل لقطات زمنية متقاربة جداً للمجرة، غير أن تقليل الفاصل الزمني بين خطوات المحاكاة يستلزم قدرة حوسبة غير مسبوقة، وهو ما جعل تطوير نموذج يشمل مليارات النجوم خلال فترة زمنية طويلة أمراً يستحيل تنفيذه بالنماذج التقليدية.

وأشارت الدراسة إلى أنه في حال استخدام أفضل نموذج فيزيائي تقليدي لمحاكاة درب التبانة بحسب النجوم الفردية، لكان الأمر احتاج إلى 315 ساعة من التشغيل مقابل كل مليون سنة من الزمن الكوني داخل المحاكاة، وهو ما يعني أن محاكاة مليار سنة من تطور المجرة كانت تستغرق أكثر من 36 عاما من الزمن الواقعي، حتى مع الاعتماد على أكبر الحواسيب الفائقة، فضلاً عن استهلاك طاقة هائل لا يمكن تحمله، إضافة إلى أن زيادة عدد الأنوية الحاسوبية لا يوفر الحل بالضرورة، لأن كفاءة الأداء تتراجع مع تضخم عدد الأنوية المستخدمة.

وتعامل العلماء مع هذا التحدي من خلال اتباع مقاربة جديدة تعتمد على تطوير نموذج بديل قائم على التعلم العميق يعمل بالتوازي مع المحاكاة الفيزيائية، وتم تدريب الذكاء الاصطناعي على محاكاة عالية الدقة لانفجار مستعر أعظم، ليتعلم كيفية تمدد الغاز في محيطه خلال 100 ألف سنة بعد الانفجار، دون سحب موارد تشغيل من بقية النموذج المتعلق بالمجرة ككل، ما سمح بتسريع الحسابات دون التضحية بالدقة العلمية.

وبرهنت الدراسة على أن إدماج الذكاء الاصطناعي مع النموذج الفيزيائي أتاح للمحاكاة أن تمثل ديناميكيات المجرة على نطاق شامل وفي الوقت نفسه الظواهر الدقيقة مثل تطور انفجارات المستعرات العظمى، وأجريت مقارنة مخرجات النموذج مع اختبارات واسعة النطاق باستخدام الحاسوب الفائق "فوجاكو" التابع لمركز ريكين للعلوم النظرية والرياضية متعددة التخصصات في اليابان، ونظام الحوسبة "ميابي" في جامعة طوكيو، وهو ما أثبت صحة ودقة نتائج النظام الجديد.

ولا تحقق المنهجية الجديدة دقة على مستوى النجوم الفردية داخل المجرات الكبرى التي تضم أكثر من 100 مليار نجم فحسب، بل تقلص الزمن اللازم لمحاكاة مليون سنة إلى 2.78 ساعة فقط، ما يعني أن محاكاة مليار سنة كونية - والتي كان يفترض أن تستغرق 36 عاماً - أصبحت قابلة للإنجاز خلال نحو 115 يوماً فقط، وهو ما يجعل دراسة تطور المجرات على مدى الزمن الكوني أمراً واقعياً للمرة الأولى.

وأكد الباحثون أن دمج الذكاء الاصطناعي مع الحوسبة فائقة الأداء يمثل تحولاً جذرياً في كيفية تعامل العلوم الحسابية مع الظواهر متعددة المقاييس ومتعددة الفيزياء، إذ تثبت الدراسة أن المحاكاة المعززة بالذكاء الاصطناعي لم تعد مجرد أداة للتعرف على الأنماط بل أصبحت وسيلة حقيقية لاكتشافات علمية جديدة تساعد البشر على تتبع كيفية نشوء العناصر التي شكلت الحياة ذاتها داخل مجرتنا.

تصنيفات

قصص قد تهمك