علماء يتوصلون لسر قدرة بعض العناكب على عدم التجمد في الشتاء

تنتج نوعاً من البروتينات يمنع بلورات الثلج من النمو أو التمدد

time reading iconدقائق القراءة - 5
عناكب كلوبيونا Clubiona قادرة على العمل بنشاط خلال الشتاء، صورة تعبيرية - naturespot
عناكب كلوبيونا Clubiona قادرة على العمل بنشاط خلال الشتاء، صورة تعبيرية - naturespot
القاهرة -محمد منصور

توصلت دراسة حديثة إلى سر قدرة العناكب من نوع كلوبيونا Clubiona على العمل بنشاط خلال فصل الشتاء، رغم البرودة القارسة التي تتعطل فيها معظم الكائنات الصغيرة. 

وكلوبيونا من أكثر العناكب انتشاراً في البيئات الزراعية، وتتميز بقدرتها اللافتة على البقاء نشطة خلال فصل الشتاء، في وقت تتوقف فيه معظم المفصليات عن الحركة بسبب انخفاض الحرارة.

وتعيش هذه العناكب عادة في البساتين وبين أوراق الأشجار، حيث تكافح الآفات بفاعلية، ما يجعلها عنصراً مهما في التوازن البيئي ومكافحة الحشرات الضارة دون اللجوء للمبيدات.

بروتينات مضادة للتجمد

وتمتلك تلك العناكب ميزة فريدة تتمثل في إنتاج بروتينات مضادة للتجمد ترتبط ببلورات الثلج وتمنع نموها، وهو ما يحميها من التجمد ويحافظ على نشاطها في درجات حرارة تحت الصفر، وتظهر هذه القدرة مستوى عالياً من التكيف التطوري، ما يجعل هذه العناكب نموذجاً مثيراً للاهتمام للباحثين الذين يدرسون طرق البقاء في البيئات القاسية.

وأفادت الدراسة التي نشرتها دورية The FEBS Journal، بأن العناكب الشتوية تنجح في النجاة من التجمد بفضل أنواع خاصة من البروتينات المضادة للتجمد التي تنتجها أجسامها.

والبروتينات المضادة للتجمد جزيئات بيولوجية معقدة تمتلك قدرة خارقة على حماية الكائنات الحية من التجمد في البيئات شديدة البرودة، وتعمل هذه البروتينات بطريقة دقيقة وفعالة، إذ ترتبط ببلورات الثلج الصغيرة فور تشكلها داخل سوائل الجسم، ثم تمنعها من النمو أو التمدد، ما يحول دون وصول الجسم إلى مرحلة التجمد الكامل التي تدمر الخلايا والأنسجة.

وتتميز البروتينات المضادة للتجمد بأنها لا تذيب الجليد، بل تتحكم بشكل ذكي في بنيته. فبمجرد ارتباطها بسطح البلورات، تغير شكلها وتمنعها من التحول إلى بلورات كبيرة حادة وقاتلة، وبهذه الآلية، تحافظ الكائنات على سيولة السوائل الداخلية حتى عندما تكون الحرارة أقل من الصفر بدرجات عديدة. 

بروتينات خاصة.. من الأسماك للحشرات

تختلف هذه البروتينات من نوع لآخر، فبعضها ينتج في الأسماك القطبية، وبعضها لدى الحشرات، والآن بات معروفاً أن عناكب كلوبيونا تمتلك نسختها الخاصة.

وأوضحت الدراسة أن البروتينات التي تنتجها هذه العناكب تشبه في وظيفتها بروتينات التجمد الموجودة لدى الخنافس والعث، لكنها مختلفة عنها تطورياً، أي أنها نتجت عن تطور متقارب وليس عن أصل جيني واحد.

وكشف تحليل هذه البروتينات بتقنية مطياف الكتلة أن لها بنية فريدة تساعدها على الارتباط بقوة بكريستالات الثلج، ما يمنح العناكب قدرة مذهلة على البقاء نشطة طوال الشتاء.

واستخدم الباحثون تقنية مطياف الكتلة لفحص هذه البروتينات على المستوى الجزيئي، ما أتاح التعرف بدقة على خصائصها البنيوية وكيفية أدائها لوظيفتها الحيوية.

وتبين للباحثين أن بروتينات التجمد لدى عناكب كلوبيونا تتشابه في خواصها مع البروتينات المضادة للتجمد التي سبق دراستها في الخنافس وبعض أنواع العث، لكنها في الوقت نفسه مختلفة تطورياً ولا تنحدر من أصل مشترك مع تلك الكائنات.

وأوضحت الدراسة أن هذا النمط من التشابه رغم الاختلاف التطوري يعرف باسم التطور المتقارب، وهو ظاهرة ينتهي فيها عدد من الكائنات إلى حلول بيولوجية متشابهة رغم عدم وجود صلة وراثية مباشرة بينها.

دور أساسي في الزراعة

ذكرت الدراسة أن هذه القدرة الفريدة لدى العناكب تلعب دوراً أساسياً في الزراعة متعددة المواسم، إذ تستمر هذه العناكب في افتراس الآفات حتى في درجات حرارة منخفضة تعجز فيها معظم الحشرات المفترسة عن الحركة أو البقاء، ويعني ذلك أن وجودها يسهم بدرجة كبيرة في تقليل الحاجة إلى المبيدات الحشرية داخل البساتين، ليس فقط عبر مكافحة الآفات مباشرة، بل أيضاً عبر المساعدة في الحد من ظهور سلالات مقاومة للمبيدات نتيجة الإفراط في استخدامها.

الباحث الرئيسي في الدراسة، بيتر ديفيز، الباحث في جامعة كوينز بمدينة أونتاريو في كندا، قال إن فهم هذه البروتينات يفتح آفاقاً جديدة للاستفادة من العناكب الشتوية في النظم الزراعية.

وأضاف أن القدرة على الاستمرار في أداء وظيفة بيئية مهمة في ظروف البرد القارس تمنح هذه الكائنات قيمة أكبر مما هو معروف عنها، إذ يمكن البناء على نتائج الدراسة لاستكشاف طرق جديدة تتيح توظيف هذه القدرة الطبيعية في برامج المكافحة الحيوية للآفات، وبصورة تقلل الاعتماد على المبيدات.

وأكدت الدراسة أن استمرار البحث في هذه البروتينات ربما يساعد على فهم أوسع لآليات التكيف مع البرد في كائنات أخرى، كما يفتح الباب أمام تطبيقات حيوية وتقنية في مجالات التخزين والتجميد والحماية من البرودة. 

تصنيفات

قصص قد تهمك