مخلَّفات الفضاء.. بصمة إنسانية في العالم الخارجي

time reading iconدقائق القراءة - 6
صاروخ من طراز "SpaceX Falcon 9" بالقرب من نجم بعد انطلاقه من مجمع الإطلاق "39A" في مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا في 23 أبريل 2021 - AFP
صاروخ من طراز "SpaceX Falcon 9" بالقرب من نجم بعد انطلاقه من مجمع الإطلاق "39A" في مركز كينيدي للفضاء في فلوريدا في 23 أبريل 2021 - AFP
القاهرة-آلاء عثمان

ارتطمت بقايا صاروخ تائهة، تزن 3 أطنان بالوجه المُظلم للقمر، فيما يُعتقد أنه لم يتسبب في أضرار تُذكر، فيما لا يزال مصدر بقايا الصاروخ الهائمة غير مؤكد، إذ يزدحم الفضاء بملايين الشظايا والمخلفات الناتجة عن المهمات الفضائية.

وتمثل بعض المخلفات خطراً على المركبات الفضائية وطواقمها متى صادفتها في رحلتها المدارية اللانهائية، فيما يحذر المتخصصون مع ارتفاع أعداد الأقمار الصناعية حول الأرض، من زيادة الأخطار الناتجة عن انتشار مخلفات الفضاء خصوصاً مع غياب التعاون الدولي للسيطرة على هذه الظاهرة. 

"بقايا صاروخ"

في البداية، ذهب البعض إلى أن كتلة المخلفات التي ارتطمت بالقمر تعود في الأصل إلى صاروخ من طراز "فالكون" أنتجته شركة "سبيس إكس" الأميركية، وتم إطلاقه عام 2015.

لكن الأنظار توجهت أخيراً للصين، إذ يُرجح موقع "ذا فيرج" المتخصص في التقنية، أن المخلفات تعود لمهمة الفضاء الصينية "Chang'e 5-T1" التي استهدفت اختبار تكنولوجيا جمع عينات من سطح القمر عام 2014. 

من جانبها، نفت الصين صلتها بالمخلفات الهائمة خلال مؤتمر صحافي للمتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية في 21 فبراير الماضي.

كما أكد المسؤول الصيني سقوط المرحلة العليا من صاروخ المهمة عبر الغلاف الجوي بشكل آمن، وذلك في ضوء ما وصفه بـ"التزام الصين تجاه الحفاظ على الاستدامة طويلة الأجل لأنشطة الفضاء الخارجي". 

مخلَّفات فضائية

تدور حول الأرض آلاف الأجسام متباينة الأحجام التي يُطلق عليها "مخلَّفات فضائية"، بعضها طبيعي يتشكل عبر انفصال صخور من المذنبات أو الكويكبات نتيجة لجاذبية الأرض، وبعضها الآخر ينتج عن العمليات الفضائية المستمرة منذ خمسينيات القرن الماضي، حسبما أوضح رئيس قسم الفلك في المعهد القومي للبحوث الفلكية والجيوفيزيقية، أشرف شاكر. 

ووفقاً لشاكر، باتت المدارات حول الأرض أخيراً تُشبه خلية النحل، إذ تعمد الشركات الخاصة والحكومات إلى إرسال الأقمار الصناعية للفضاء بصورة متزايدة، وبشكل علني وسري.

وأوضح أن "بعض الأقمار تُفقد السيطرة عليها، كما أن بعضها يتوقف عن العمل، فيتحول لمخلَّفات فضائية، إذ إن عملية إعادة الجسم إلى الأرض مكلفة للغاية، وتتطلب تكنولوجيا خاصة لا تمتلكها أغلبية الدول". 

ولفت شاكر إلى أنه في بعض الأحيان، تصعب معرفة أصل هذه المخلَّفات، خصوصاً مع محاولة بعض الجهات "التبرؤ منها ونفي علاقتها بالمخلفات الفضائية، وذلك خشية تحمل مسوؤليات إذا تسببت المخلفات في أضرار على سطح الأرض".

"صندوق البيتزا"

ولا تشكل مخلفات الفضاء خطورة على سطح الأرض فقط في حال اختراقها للمجال الجوي، وإنما أيضاً قد تهدد حيوات طواقم المركبات الفضائية، فعلى الرغم من أن بعض قطع الحُطام صغيرة الحجم إلا أن سرعة ارتطامها بالمركبات الفضائية أو المهمات الروبوتية قد تؤدي إلى أضرار بالغة.

وقدرت وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" سرعة الأجسام في المدارات الأرضية المنخفضة بنحو 17 ألفاً و700 ميل في الساعة الواحدة، لذا أحياناً ما تعتمد المركبات على إرشادات لتقييم مدى خطورة الأجسام المارة حولها، وقد تلجأ للمناورة الملاحية.

وتعتمد محطة الفضاء الدولية على نموذج يُعرف باسم "صندوق البيتزا" الذي يرسم مربعاً وهمياً تقع المحطة في مركزه، وعندما تُشير التنبوءات إلى قتراب جسم من مُحيط المربع بشكل مثير للقلق، تبدأ دورة العمل لوضع خُطة للتصرف.

أحجام المخلفات

ووفقاً لأحدث إحصائيات وكالة الفضاء الأوروبية، تزدحم المدارات حول الأرض بملايين القطع من الحطام، بينها 29 ألفاً و860 قطعة مرصودة من قبل شبكات مراقبة الفضاء وموثقة في إرشادات تابعة للوكالة.  

ولا يتجاوز حجم بعض أجزاء الحطام حجم رقاقة طلاء جاف منفصلة عن سطح أحد الصواريخ، ويقدر بعضها بنحو مليمتر واحد إلى سنتيميتر، فيما يزيد حجم بعض القطع على 10 سنتيميترات.

سياحة الفضاء 

ويرى شاكر أنَّ سياحة الفضاء التي بدأت تخطو تجاه النجاح التجاري، قد تؤدي إلى زيادة انتشار مخلَّفات الفضاء البشرية.

وقال: "الآن تكلَّف التذكرة على متن رحلات السياحة الفضائية ملايين الدولارت.. في المستقبل قد تتحول تلك الرحلات إلى نزهات رخيصة، ما يعني زيادة انتشار مخلفات الفضاء وأخطارها".

ويتوقف الحد من هذه الظاهرة كما يقول رئيس قسم الفلك على التعاون الدولي، عبر وضع ضوابط قانونية، مشدداً في هذا الصدد على أن "قوانين الفضاء ما تزال غير ملزمة على النحو الكافي، إذ إن شركات عدة حول العالم تتسابق للاستثمار في الفضاء وإطلاق أقمار الإنترنت كرجل الأعمال إيلون ماسك، ويبدو أن العالم لن يتحد حقاً سوى في حال حدوث كارثة في موقع حساس".

محاسبة المتسبب

وأوضح رئيس المجلس المصري لبحوث الفضاء سابقاً، علي صادق، أن هناك ضوابط تم إقرارها دولياً تستهدف تنظيم إنزال مخلفات الفضاء إلى الأرض.

وأشار إلى أن وقوع أخطاء في الفضاء الخارجي كارتطام جسم بآخر تترتب عليه "مسؤولية مُطلقة" قانونياً، ما يعني أن الدولة أو الطرف صاحب المركبة المتسببة في الأزمة تقع عليه مسؤولية حتى في حال انعدام شبهة إهمال. 

وأضاف: "في حالة الصاروخ الصيني، يجب أن نلاحظ أن الاصطدام حدث بسطح القمر الطبيعي، والذي لا يقع في سيادة أي دولة بموجب معاهدة الفضاء، بل هو ملك للبشرية، أما إذا تسبب الارتطام مستقبلاً في أضرار مثل أقمار صناعية تابعة لدول، فإنه يتعين محاسبة المتسبب". 

اقرأ أيضاً: