انقسمت آراء العلماء على مدار عقود، بشأن تحديد أسباب انقراض الديناصورات ومعظم الأنواع الأخرى ضمن موجة الانقراض الخامس في نهاية العصر الطباشيري قبل نحو 66 مليون سنة، فيما رجحت دراسة حديثة كفة البراكين، بأنها هي المحرك الرئيسي لانقراض الديناصورات.
ويقول علماء إن النيازك التي ضربت كوكب الأرض آنذاك، كانت سبباً رئيساً للانقراض الذي أعاد تشكيل سطح الأرض، فيما يرجح آخرون أن الانفجارات البركانية كانت على الأرجح هي سبب حدوث الانقراض الخامس.
وتُقدم النتائج للدراسة التي نُشرت في دورية الأكاديمية الأميركية للعلوم، الدليل الكمي الأكثر إقناعاً على العلاقة بين الانفجارات البركانية الكبرى والانقراض الخامس، وتؤكد على أن تلك العملية "ليست مجرد صدفة".
"غمضة عين جيولوجية"
هناك مصطلح يُعرف باسم الأقاليم النارية الكبيرة "LIP"، يُشير إلى تراكم كبير للغاية للصخور النارية، بما في ذلك تدفقات الحمم البركانية ورواسب التفرا (نواتج البراكين)، التي تنشأ عندما تنتقل الصهارة عبر القشرة نحو السطح.
ويُعزى تكوين تلك الأقاليم إلى العمليات المرتبطة بتحرك الصفائح الأرضية المتباينة، ويتزامن تكوين بعض الأقاليم مع الانقراض الجماعي والتغيرات المناخية السريعة التي حدثت في الأرض خلال 500 مليون عام، ما أدى إلى نشوء فرضيات عدة بشأن العلاقات السببية بينها وبين أحداث الانقراض.
وقام الباحثون في تلك الدراسة بفحص الأماكن لتحديد العلاقة بينها وبين الانقراضات الكبرى السابقة.
ويقول الباحثون إن 4 من حالات الانقراض الجماعي الخمس متزامنة مع نوع من التدفق البركاني الذي يُسمى "فيضان البازلت"، حيث تغمر الانفجارات مناطق شاسعة، بما في ذلك قارة بأكملها، بالحمم البركانية في "غمضة عين جيولوجية".. والتي تُقدر بمليون عام فقط.
وتترك الانفجارات وراءها بصمات أصابع عملاقة كدليل، وهي مناطق واسعة من الصخور النارية الشبيهة بالخطوات (المتصلبة من الحمم البركانية المتفجرة) التي يسميها الجيولوجيون الأقاليم النارية الكبيرة.
ولكي يتم احتساب تلك المناطق على أنها "كبيرة" يجب أن تحوي المقاطعة النارية 100 ألف كيلومتر مكعب على الأقل من الصهارة. ولمعرفة مدى ضخامة تلك الكمية، نتج عن ثوران بركان جبل سانت هيلين عام 1980 أقل من كيلومتر مكعب واحد من الصهارة.
ويقول الباحثون إن معظم البراكين الممثلة في الدراسة اندلعت بمقدار مليون مرة من الحمم البركانية.
"الفخاخ السيبيرية"
واعتمد فريق البحث على 3 مجموعات بيانات راسخة في النطاق الزمني الجيولوجي، وعلم الأحياء القديمة، والأقاليم النارية الكبيرة لفحص العلاقة الزمنية بين الانقراض الجماعي والمقاطعات النارية الكبيرة.
ويقول الباحثون إن سلسلة من الانفجارات البركانية اندلعت في المنطقة التي تُعرف حالياً باسم سيبيريا، تسببت في حدوث أكثر حالات الانقراض الجماعي تدميراً منذ حوالي 252 مليون سنة، ما أدى إلى إطلاق نبضة عملاقة من ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وخنق كل أشكال الحياة تقريباً.
وتشهد على ذلك "الفخاخ السيبيرية" وهي منطقة كبيرة من الصخور البركانية بحجم أستراليا تقريباً، وفقاً للدراسة.
كما هزت الانفجارات البركانية شبه القارة الهندية في وقت قريب من "موت الديناصورات العظيم"، ما أدى إلى ظهور ما يُعرف اليوم باسم هضبة ديكان. ووفقاً للدراسة، لإغن تأثير تلك الانفجارات، مثل ضربة النيزك، كان من الممكن أن يكون لها تأثيرات عالمية بعيدة المدى، حيث غطت نواتجها الغلاف الجوي بالغبار والأبخرة السامة، وخنقت الديناصورات وأشكال الحياة الأخرى، إضافة إلى كونها تسببت في تغيير المناخ على نطاقات زمنية طويلة.
من ناحية أخرى، يقول الباحثون، إن النظريات المؤيدة للانقراض بفعل اصطدام الكويكب تتوقف على نيزك "تشيكسولوب" الذي سقط في شبه جزيرة يوكاتان المكسيكية في نفس الوقت الذي انقرضت فيه الديناصورات.
ويُشير الباحثون إلى أن كل النظريات الأخرى التي حاولت تفسير سبب قتل الديناصورات، بما في ذلك النشاط البركاني، التي تم إهمالها عندما تم اكتشاف فوهة اصطدام "تشيكسولوب".
وفي الدراسة، قارن الباحثون أفضل التقديرات المتاحة للانفجارات البركانية "فيضان البازلت" مع فترات انقراض الأنواع في النطاق الزمني الجيولوجي، بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الانقراضات الجماعية الخمسة، ليجدوا أن الاتفاق مع فترات الانقراض كان أكبر بكثير من الصدفة العشوائية.
الضربة المزدوجة
وفي حين أنه من الصعب تحديد ما إذا كان انفجار بركاني معين قد تسبب في انقراض جماعي معين، فإن النتائج تجعل من الصعب تجاهل دور البراكين في الانقراض.
وبدلاً من النظر في الحجم المطلق للانفجارات، فحص فريق البحث معدلات إطلاق الحمم البركانية ليجدوا أن الأحداث البركانية ذات أعلى معدلات ثوران بركاني تسببت بالفعل في حدوث أكبر قدر من الدمار، ما أدى إلى انقراضات أكثر شدة حتى حالات الانقراض الجماعي.
وقام الباحثون أيضاً بفحص احتمالية الانقراض بسبب اصطدام نيزك بحجم "تشيكسولوب" بالأرض. ليجدوا أن تلك المؤثرات لا يُمكن أن تُسبب انقراضاً كبيراً.
ويقول الباحثون إن معدل ثوران بركان "ديكان" في الهند يشير إلى أن المسرح مهيء للانقراض على نطاق واسع حتى بدون النيزك، وأن تأثير النيزك كان كالضربة المزدوجة التي دقت بصوت عال ناقوس موت الديناصورات.
اقرأ أيضاً: