لا أحد يعرف على وجه الدقة سبب الإصابة بأمراض التنكس العصبي. تقول بعض الأبحاث إن تراكم مجموعة من البروتينات السامة في الدماغ -كبروتينات تاو- تعوق التواصل بين شبكات الخلايا العصبية في المخ ما يُسبب الإصابة بطيف واسع من تلك الأمراض. كما تشير أبحاث أخرى إلى تضافر العوامل الجينية والبيئية في تطور تلك الأمراض.
والآن يكشف بحث حديث نُشرت نتائجه في دورية "Molecular Psychiatry عن علاقة بروتين دقيق تم اكتشافه حديثاً بزيادة خطر الإصابة بمرض الزهايمر، وهو أحد أمراض التنكس العصبي الأكثر شيوعاً.
وتقول الدراسة إن اكتشاف ذلك البروتين، والتعرف على دوره المحتمل في زيادة مخاطر الإصابة بالزهايمر سيؤدي لتوسيع الأهداف الجينية المعروفة للمرض، وتقديم طريقة محتملة جديدة للعلاج.
بروتين لم يُدرس من قبل
ومثل جميع الأمراض التنكسية، لا يُعرف السبب الدقيق خلف الإصابة بالزهايمر، إلا أن حوالي 15٪ من الحالات تحدث بسبب الوراثة.
ويلاحظ عند المرضى أيضاً تراكم كبير في رواسب بروتينات غير قابلة للذوبان تُسمى "بيتا أميلويد" وتجمعات من بروتينات "تاو" السامة التي تقتل الخلايا العصبية علاوة على ملاحظة لويحات عصبية تبدو عليها علامات الشيخوخة الدماغية والالتهاب العصبي الحاد.
في الدراسة الجديدة، لاحظ الباحثون أيضاً وجود أثر لبروتين لم يتم دراسته من قبل على الإطلاق.
وذلك البروتين، المسمى SHMOOSE، عبارة عن "بروتين دقيق" يتم ترميزه بواسطة جين تم اكتشافه حديثًا داخل الميتوكوندريا المنتجة للطاقة في الخلية.
وعملية الترميز هي التي تحدد من خلالها الجينات المشفرة للبروتين تسلسل الأحماض الأمينية وترتيبها، وتشكل تلك العملية اللبنات الأساسية للبروتينات.
وتُعد البروتينات مسؤولة عن تنظيم كل وظيفة للخلية تقريباً. وبالتالي فإن أيّ طفرة داخل الجينات يُمكن أن تُحدث خللاً خطيراً في تكوين البروتين وبالتالي خللاً في وظيفته.
خطر كبير وانتشار مرتفع
ويقول الباحثون إن طفرة داخل هذا الجين الذي يُرمّز البروتين الدقيق SHMOOSE تؤدي لتعطيل نشاطه وترتبط بخطر الإصابة بمرض الزهايمر بنسبة 20-50٪ عبر أربع مجموعات مختلفة.
ووفقاً للباحثين، فإن ما يقرب من ربع الأشخاص من أصل أوروبي لديهم النسخة المعدلة من البروتين، وهو ما يُفسر الانتشار الكبير لذلك المرض في القارة الأوروبية.
ويقول الباحثون أن كلاً من الخطر الكبير والانتشار المرتفع لهذه الطفرة غير المعروفة سابقاً يميزها عن البروتينات الأخرى المشاركة في مرض الزهايمر.
ومن ضمن أحد العوامل المرتبطة بارتفاع الخطر لدى مرضى الزهايمر هو الطفرة في بروتين يُسمى APEO4 وهو بروتين شحمي ينقل الكوليسترول عبر مجرى الدم.
ولدى معظم المُصابين بالزهايمر طفرة في ذلك البروتين. ويقول الباحثون إنه أكثر عوامل الخطر الجينية المعروفة للمرض.
إمكانيات علاجية
لكن وبصرف النظر عن الطفرة في ذلك البروتين الشحمي، لم يتم تحديد سوى عدد صغير فقط من الطفرات الجينية الأخرى المُسببة للمرض.
وحتى الطفرات التي تم تحديدها تُزيد بشكل طفيف من المخاطر بنسبة أقل من 10٪ على عكس الطفرة في البروتين المكتشف حديثاً والمنتشرة بشكل واسع عن الأوربيين.
ونظراً لأن البروتين الدقيق يقارب حجم جزيء الأنسولين، فيمكن إعطاؤه بسهولة، ما يزيد من إمكاناته العلاجية.
ويفتح هذا الاكتشاف اتجاهات جديدة ومثيرة لتطوير علاجات تعتمد على الطب الدقيق لمرض الزهايمر، مع التركيز على بروتين SHMOOSE كمنطقة مستهدفة.
وإعطاء نظائر لذلك البروتين الدقيق في الأفراد الذين يحملون الطفرة وينتجون البروتين الطافر قد يثبت أنه مفيد ليس في علاج الزهايمر فحسب، ولكن في الأمراض التنكسية العصبية وأمراض الشيخوخة الأخرى.
ميتوكوندريا الخلايا
ومن أجل تنفيذ هذه الدراسة استخدم الباحثون من جامعة "جنوب كاليفورنيا" الأميركية تقنيات البيانات الضخمة لتحديد الاختلافات الجينية في الحمض النووي للميتوكوندريا المرتبطة بمخاطر المرض.
بعد أن كشفت التحليلات عن طفرة جينية زادت من خطر الإصابة بمرض الزهايمر، وضمور الدماغ، وخلل استقلاب الطاقة، اكتشف الباحثون الجين المتحور المشفر للبروتين الدقيق SHMOOSE وبدأ في دراسة أشكاله الطافرة والافتراضية.
وذكر الباحثون أن ذلك البروتين الدقيق هو أول بروتين مشفر بالميتوكوندريا يتم اكتشافه باستخدام كل من الأجسام المضادة وقياس الطيف الكتلي.
ويبدو أن البروتين الدقيق يعدل إشارات الطاقة والتمثيل الغذائي في الجهاز العصبي المركزي. وقد تم العثور عليه في الميتوكوندريا من الخلايا العصبية وفي السائل الدماغي الشوكي كما أنه يرتبط بالعلامات الحيوية لمرض الزهايمر.
وأظهرت مجموعة متنوعة من تجارب زراعة الخلايا والتجارب على الحيوانات أن ذلك البروتين الدقيق المُطفر يغير استقلاب الطاقة في الدماغ جزئياً عن طريق تأثيره على الغشاء الداخلي للميتوكوندريا.
دمج العلوم
تسلط النتائج الضوء على أهمية هذا المجال الجديد نسبياً والمتعلق بدراسة البروتينات الدقيقة.
ولعقود من الزمان، درس العلماء في الغالب أكثر من 20000 جينة كبيرة تُرمّز البروتينات الكبيرة. ومع ذلك، فقد سلطت التكنولوجيا الجديدة الضوء على مئات الآلاف من الجينات المحتملة التي تقوم بتشفير البروتينات الدقيقة الأصغر.
ولأن مجال البروتينات الدقيقة لا يزال جديداً جداً. فلا يزال الباحثون لا يعرفون حتى الآن عدد جينات البروتينات الدقيقة التي تعمل على تشفير وترميّز تلك البروتينات.
وتُعد تكلفة دراسة البروتينات الدقيقة؛ الواحد تلو الآخر من قائمة تضم الآلاف منها، باهظة الثمن وغير فعالة.
لكن يُظهر النهج الذي استخدمته الباحثون في تلك الدراسة قوة وفعالية عملية دمج البيانات الجينية الكبيرة مع التقنيات الجزيئية والكيميائية الحيوية لاكتشاف البروتينات الدقيقة الوظيفية.
اقرأ أيضاً: