اكتشف باحثون نهراً جديداً بطول 460 كيلومتراً تحت الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي، يُعد أطول من نهر "التايمز" الإنجليزي، يؤثر على تدفق وذوبان الجليد، ما قد يؤدي إلى تسريع فقدانه، وبخاصة مع تأثيرات ارتفاع درجة الحرارة نتيجة التغير المُناخي.
واكتشف الباحثون ذلك النهر باستخدام مجموعة من المسوحات الرادارية المحمولة جواً، والتي تسمح للباحثين بالبحث تحت الجليد، ونمذجة هيدرولوجيا الغطاء الجليدي.
وركز الفريق على منطقة يتعذر الوصول إليها إلى حد كبير ولم يتم دراستها جيداً، وتشمل الجليد من كل من صفائح الجليد في شرق وغرب أنتاركتيكا، وتصل إلى خليج من المحيط المتجمد الجنوبي يسمى بـ"بحر ودل".
وأوضحت الدراسة المنشورة في دورية "نيتشر جيوساينس" بالتفصيل كيفية تدفق المياه في قاعدة الغطاء الجليدي في القطب الجنوبي داخل منطقة بحجم ألمانيا وفرنسا مجتمعتين، إذ يُظهر الاكتشاف أن قاعدة الغطاء الجليدي بها تدفق مائي أكثر نشاطاً مما كان يُعتقد سابقاً، ما قد يجعلها أكثر عرضة للتغيرات في المناخ.
ويمكن أن يظهر الماء تحت الصفائح الجليدية بطريقتين رئيسيتين، إما من المياه الذائبة السطحية المتدفقة عبر الصدوع العميقة، أو بالذوبان في القاعدة، بسبب الحرارة الطبيعية للأرض والاحتكاك مع تحرك الجليد فوق الأرض.
ومع ذلك، فإن الصفائح الجليدية حول القطبين الشمالي والجنوبي لها خصائص مختلفة، ففي جرينلاند، يشهد السطح ذوباناً قوياً خلال أشهر الصيف، حيث تتدفق كميات هائلة من المياه عبر شقوق عميقة تسمى "الطواحين الجليدية".
وتلك الطواحين عبارة عن شقوق عمودية دائرية تُشبه الآبار، ويتولد داخلها تدفق مائي تتسرب من خلاله كميات ضخمة من السوائل إلى أسفل الجليد.
لكن الأمر يختلف في القارة القطبية الجنوبية، حيث لا يذوب جليد السطح بكميات كافية لإنتاج الطواحين الجليدية. كان يُعتقد أن هذا يعني وجود ماء قليل نسبياً في قاعدة الصفائح الجليدية في أنتاركتيكا، لكن الاكتشاف الجديد يقلب هذه الفكرة.
فهناك ما يكفي من المياه من الذوبان الأساسي وحده لإنشاء أنظمة نهرية ضخمة تحت جليد يبلغ سمكه كيلومترات.
العثور على "الحلقة المفقودة"
من جانبه، قال الباحث في "معهد جرانثام" في "إمبريال كوليدج لندن" مارتن سيجيرت: "عندما اكتشفنا لأول مرة بحيرات تحت جليد أنتاركتيكا قبل عقدين من الزمن، اعتقدنا أنها معزولة عن بعضها البعض. الآن بدأنا نفهم أن هناك أنظمة كاملة في الأسفل".
وبحسب الدراسة فإن تلك الأنظمة مترابطة بشبكات نهرية شاسعة، مثل الأنهار السطحية المرتبطة ببحيرات المنبع، كما لو أنها تجري دون وجود آلاف الأمتار من الجليد فوقها.
والمنطقة التي يجري فيها ذلك النهر، تحتوي على كمية من الجليد تكفي لرفع مستوى سطح البحر بمقدار 4.3 متر في جميع أنحاء العالم، ويمكن لنظام النهر المكتشف حديثاً أن يؤثر بشدة على هذه العملية.
الباحثة الرئيسية الدكتورة كريستين داو من جامعة واترلو الكندية، قالت إن إمكانية عدم اكتشاف مثل هذا النظام الضخم حتى الآن تعد "شهادة على مقدار ما نجهله عن القارة القطبية الجنوبية".
وسجلت قياسات الأقمار الاصطناعية فقدان الجليد في القطب الجنوبي، ومقدار كتلة الثلج الذائبة، لكن العلماء لم يعرفوا السبب الدقيق. وقد يكون اكتشاف هذا النهر بمثابة العثور على الحلقة المفقودة في نماذج فقدان الجليد.
فنماذج التنبؤ بفقدان الكتلة الجليدية في القطب الجنوبي فشلت في تحديد السبب وراء انهيار النظام الجليدي هناك؛ خاصة مع وجود صيف بارد للغاية لا يُبرر فقدان الكتلة التي يتم رصد فقدها كل عام من الجليد.
الجليد والاحترار المناخي
لكن احتساب تأثير أنظمة الأنهار هذه، يُمكن أن يقلب المعادلة ويحسن من النتائج التنبؤية، كما يُمكن أن يكشف عن كيفية تفاعل الجليد في المستقبل في ظل ظاهرة الاحترار العالمي المتزايدة، ومقدار هذا الارتفاع في مستويات سطح البحر العالمية.
على سبيل المثال، يظهر النهر المكتشف حديثاً في البحر تحت الجرف الجليدي العائم، تأثير المياه العذبة الدافئة والتي تندفع نحو قاع الجرف الجليدي، على إذابته من الأسفل.
وقال المؤلف المشارك الدكتور نيل روس من "جامعة نيوكاسل"، إن الدراسات السابقة نظرت في التفاعل بين حواف الصفائح الجليدية ومياه المحيط، لتحديد شكل ذوبان الجليد.
إلا أن اكتشاف نهر يصل طوله إلى مئات الكيلومترات داخل اليابسة، يظهر أنه لا يمكننا فهم ذوبان الجليد بالكامل دون النظر في النظام بأكمله، والمكون من الغطاء الجليدي والمحيطات والمياه العذبة.
وبحسب الدراسة، يجب أن يؤخذ في الاعتبار وجود أنهار كبيرة تحت الجليد عند التنبؤ بالعواقب المحتملة لتغير المناخ في المنطقة.
فمثلاً، إذا كان الصيف دافئاً بدرجة كافية لإحداث ذوبان كافٍ للسطح بحيث يصل الماء إلى قاعدة الغطاء الجليدي، فقد يكون له تأثيرات كبيرة على أنظمة الأنهار، ما قد ينقل القارة القطبية الجنوبية إلى حالة شبيهة بجرينلاند، حيث يكون فقدان الجليد أسرع بكثير.
هناك أيضاً حلقات تغذية مرتدة محتملة من شأنها أن تسرع فقدان الجليد، فإذا بدأ الجليد في التدفق بشكل أسرع مع تراكم الماء في القاعدة، فسيؤدي ذلك إلى زيادة الاحتكاك، حيث يجري الجليد فوق الأرض الجافة، ما قد يزيد من كمية الذوبان الأساسي والمياه المنتجة.
اقرأ أيضاً: