تمكن علماء الفلك لأول مرة من رصد كوكب يُعاني من "اضمحلال مداري" ويقترب من نجمه تدريجياً بشكل خطير سيؤدي به في نهاية المطاف إلى الاصطدام بنجمه، ليطمس داخله بشكل كامل، في ما قد يعطي لمحة عن النهاية المحتملة لكوكب الأرض بعد مليارات السنين.
والاضمحلال المداري هو انخفاض تدريجي في المسافة بين جسمين مداريين؛ مثل كوكب وقمره، أو كوكب ونجم.
واكتشف علماء الفلك كوكب "Kepler-1658b" باستخدام تلسكوب كيبلر الفضائي، ومن الغريب أن ذلك الكوكب كان أول كوكب خارج المجموعة الشمسية يرصده كيبلر على الإطلاق في عام 2009، ورغم ذلك، فقد استغرق الأمر ما يزيد على عقد من الزمان لتأكيد وجوده.
ويطلق العلماء على ذلك الكوكب أيضاً اسم "المشتري الساخن"، وهو الاسم المستعار الذي يطلق على الكواكب الخارجية التي تتساوى مع كتلة المشتري وحجمه، لكن في مدارات شديدة التقارب حول نجومها المضيفة.
ويقع ذلك الكوكب على مسافة 7 ملايين كيلومتر من نجمه المُضيف؛ وهي مسافة لا تزيد على ثمن المسافة بين شمسنا وأقرب كوكب يدور حوله، عطارد.
وأشارت الدراسة، التي نشرتها مجلة "The Astrophysical Journal Letters"، إلى أن هذا "المشتري الساخن" يدور حول نجمه في أقل من 4 أيام.
وقال المعد الرئيسي للدراسة شرياس فيسابراجادا، من مركز هارفارد سميثسونيان للفيزياء الفلكية، إنه "بهذا المعدل سيصطدم الكوكب بنجمه في أقل من 3 ملايين سنة"، وفقاً لما نقلته عنه "فرانس برس".
ويُشكّل قياس الانحلال المداري للكواكب الخارجية تحدياً للباحثين لأن العملية بطيئة للغاية وتدريجية.
اصطدام حتمي
تنتهي عملية الاضمحلال المداري باصطدام الجسمين ببعضهما البعض وفناء الجسم الأصغر، صاحب الكتلة الأدنى، داخل الجسم الآخر.
ويقدم هذا الاكتشاف نظرة جديدة للعملية الطويلة الأمد لاضمحلال مدار الكواكب من خلال توفير أول نظرة لنظام في هذه المرحلة المتأخرة من تلك العملية.
ويعتقد العلماء أن مصير ذلك الكوكب ينتظر العديد من الكواكب الأخرى ويمكن أن يكون أيضاً هو مصير كوكب الأرض، بعد مليارات السنين من الآن مع تقدم شمسنا في العمر.
واكتشف العلماء سابقاً دليلاً على وجود كواكب خارجية تتجه نحو نجومها المحتضرة، أي النجوم التي تُعاني من نفاد وقودها الهيدروجيني وفي طورها الأخير قبل أن تتحول لعملاق أحمر وتنهار.
إلا أن تلك هي المرة الأولى على الإطلاق التي يرصد فيها العلماء اضمحلالاً مدارياً لكوكب يدور حول نجم متطور.
وتقول الدراسة إن النجوم المتطورة فعالة جداً في إضعاف طاقة مدارات كواكبها.
مد وجزر
في حالة ذلك الكوكب، ووفقاً للدراسة الجديدة؛ تتناقص الفترة المدارية الخاصة به، بمعدل ضئيل يبلغ حوالي 131 مللي ثانية (جزء من الألف من الثانية) في السنة، مع وجود مدار أقصر يشير إلى أن الكوكب قد اقترب من نجمه.
وتطلب الكشف عن هذا التراجع سنوات عدة من المراقبة الدقيقة، فعلى مدى السنوات الـ13 الماضية، انخفض مدار الكوكب بشكل طفيف ولكن بشكل مطرد.
ويعود السبب الجذري للانحلال المداري الذي عانى منه ذلك الكوكب لظاهرة المد والجزر؛ وهي الظاهرة نفسها المسؤولة عن الارتفاع والانخفاض اليومي في محيطات الأرض.
ويتقلص مدار "Kepler-1658b" بلا هوادة تحت تأثير الجاذبية التي يمارسها النجم، على غرار الجاذبية التي يمارسها القمر على نقاط مختلفة على الأرض.
ويحدث المد والجزر من خلال تفاعلات الجاذبية بين جسمين دائريين، مثلما يحدث بين عالمنا والقمر أو "Kepler-1658b" ونجمه.
وتشوه جاذبية الأجسام بعضها البعض، وعندما تستجيب الأجسام لهذه التغييرات، يتم إطلاق طاقة.
واعتماداً على المسافات بين الأجسام المعنية وأحجامها ومعدلات دورانها، يمكن أن تؤدي تفاعلات المد والجزر هذه إلى دفع الأجسام بعيداً عن بعضها البعض، كحالة الأرض والقمر الذي يبتعد ببطء إلى الخارج، أو إلى الداخل، كما هو الحال مع "Kepler-1658b"ونجمه.
ولا يزال هناك الكثير من الغموض المحيط بتلك الديناميات، لا سيما في سيناريوهات الكواكب النجمية.
لذا؛ يُمكن أن تكون الدراسة الإضافية لنظام كوكب "Kepler-1658b" مفيدة.
غرابة جوهرية
تطور نجم الكوكب محل الدراسة إلى نقطة في دورة حياته النجمية حيث بدأ في التوسع، تماماً كما هو متوقع من شمسنا، ودخل فيما يسميه علماء الفلك المرحلة الفرعية.
ويجب أن تؤدي البنية الداخلية للنجوم المتطورة بسهولة أكبر إلى تبديد طاقة المد والجزر، المأخوذة من مدارات الكواكب المُستضافة مقارنة بالنجوم غير المتطورة مثل شمسنا ويؤدي هذا إلى تسريع عملية الاضمحلال المداري.
وتساعد النتائج أيضاً في تفسير الغرابة الجوهرية حول "Kepler-1658b"، والذي يبدو أكثر إشراقاً وسخونة من المتوقع.
ويقول الفريق البحثي، إن تفاعلات المد والجزر التي تقلص مدار الكوكب قد تؤدي أيضاً إلى إنتاج طاقة إضافية داخل الكوكب نفسه.
ويقول العلماء إن هناك موقفاً مشابهاً لما يحدث على ذلك الكوكب في مجموعتنا الشمسية، إذ إن قمر كوكب المشتري "آيو" هو أحد أكثر الأجسام البركانية في المجموعة الشمسية، ويبدو أن المد والجزر الناجم عن كتلة كوكب المشتري الضخمة يذيب أحشاء ذلك القمر، ما يؤدي لخروج الصخور المنصهرة على سطح القمر الجهنمي الشهير، مكونة رواسب كبريتية صفراء وحمماً حمراء مُرعبة.
ويقول العلماء إن "Kepler-1658b" سيعمل كمختبر فضائي يُساعد في فهم تلك الظواهر بشكل أفضل في السنوات المقبلة.
اقرأ أيضاً: