"التحيز" و"نقص المعرفة" أبرز أسباب المواقف المتشددة تجاه العلم

time reading iconدقائق القراءة - 7
عملية جمع هيكل عظمي متحجر لديناصور داخل متحف مانشستر في بريطانيا. 19 يناير 2023  - AFP
عملية جمع هيكل عظمي متحجر لديناصور داخل متحف مانشستر في بريطانيا. 19 يناير 2023 - AFP
القاهرة -محمد منصور

هل قابلت يوماً أحد المؤمنين بأن الأرض مُسطحة، أو آخر يُنكر نظرية التطور، أو صادفك منشوراً يدعى أن وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لم تهبط يوماً على القمر؟ في المقابل، هل واجهت النموذج العكسي الذي يميل للدفاع عن العلم بضراوة؟

هذه الآراء التي يحتدم الجدل بشأنها أحياناً كانت محور تركيز الباحثين على مدار سنوات طويلة لدراسة تلك المشكلة، ونُشرت عشرات الدراسات العلمية لوصف الأسباب التي تقود البعض لتبني مواقف متشددة تجاه العلم، كان آخرها ورقة علمية منشورة في دورية "بلوس بيولوجي".

الدراسة الجديدة استندت إلى مسح لأكثر من ألفي شخص بالغ في بريطانيا، تضمن أسئلة عن الموقف تجاه العلم ومدى ثقة الأشخاص في فهمهم الخاص، وتوصلت إلى أن الأشخاص أصحاب المواقف المتشددة، يميلون إلى الاعتقاد بأنهم يفهمون العلم بشكل كامل، بينما يكون المحايدون أقل ثقة.

ثقة زائدة

مدير مركز "ميلنر" للتطور وأستاذ علم الوراثة التطوري بجامعة "باث" البريطانية لورانس هيرست، المؤلف المشارك في تلك الدراسة، قال لـ"الشرق" إنه "كلما زادت المعرفة كلما اقترن ذلك بموقف إيجابي تجاه العلم".

ولفت هيرست إلى أنه "من غير المعروف لماذا يُكوِّن البعض آراءً ومواقف متشددة تجاه العلوم، فيما يكون البعض الآخر أكثر حيادية".

وركز الفريق في مسحه على العلوم الوراثية، إذ أن هناك الكثير من الادعاءات حول فوائد علم الوراثة الحديث "مبالغ فيها إلى حد كبير"، حيث جرى طرح أسئلة على المشاركين بشأن مدى اعتقادهم في فهم هذا العلم.

من بين الأسئلة التي شملتها الدراسة، سأل الفريق العلمي المُشاركين حول تقييم فهمهم لمصطلحات علمية مثل الحمض النووي، وطُلِب منهم تسجيل رقم "صفر" إذا كانوا لا يعرفون، أو تسجيل رقم "1" إذ كانوا يعرفون.

بعد ذلك، أجرى الفريق مناقشة مع المشاركين حول المصطلحات التي قالوا إنهم يفهمونها، ومدى ثقتهم في فهمهم بشكل عام.

واكتشف الفريق أن أولئك الذين يتخذون مواقف متشددة، سواء كانوا داعمين بقوة أو مناهضين بشدة للعلم، لديهم ثقة عالية جداً في فهمهم، في حين أن أولئك الذين يجيبون بشكل محايد لا يفعلون ذلك.

وهذا يعنى أن أصحاب المواقف القوية، المؤيدة أو المعارضة، لديهم ثقة قوية بالنفس فيما يتعلق بمعرفتهم بالعلوم.

"لا تتسق تلك الثقة بطبيعة الحال مع المعرفة، فبعضهم يثقون في أنفسهم رغم كونهم على خطأ"، بحسب ما يقول هيرست.

العلاقة مع التدين والسياسة

وذكر المؤلف المشارك في الدراسة أن الباحثين وجدوا أن "التدين" ارتبط إلى حد ما بتكوين رأي متطرف تجاه العلوم، مشيراً إلى أن "بعض المتدينين أظهروا مواقف أكثر سلبية تجاه العلم".

بالنسبة للموقف السياسي، وجد الباحثون ميلاً ضعيفاً لعدد أكبر من الأشخاص اليساريين للحصول على آراء أقوى (سواء كانت إيجابية أو سلبية). كما اكتشفوا أيضاً أن أصحاب الطيف السياسي اليميني يميلون لتكوين وجهات النظر السلبية.

هناك العديد من الأدلة العلمية التي تشير إلى أهمية بناء الثقة بين العلماء والعامة. يقول هيرست: "يبدو أن بناء الثقة، بدلاً من إخبار الناس عن العلوم فقط، يساعد في تبني الناس لآراء أكثر اعتدالاً".

وعلى الرغم من أن الدراسة لم تفحص تأثير المواقف المتشددة، سلبية كانت أو إيجابية، تجاه العلم إلا أن هيرست يُحذر من تبني تلك المواقف التي يُمكن أن تؤثر بشدة على العلم.

"بعض الأشخاص يعتقدون أن المحاصيل المعدلة وراثياً تحتوي على جينات ضارة يُمكن أن تنتقل لهم عن طريق تناول الطعام وهو أمر يستحيل حدوثه"، هذا ما يؤكده هيرست، مشيراً إلى أن تبني تلك المواقف "يُمكن أن يساهم في الضغط من أجل إيقاف الأبحاث في نقطة معينة".

لا يرغب هيرست  في أن يتفق الجميع حول العلم "فالاختلاف صحي بكل تأكيد" على حد قوله، إلا أنه يأمل أن يناقش الناس العلماء قبل اتخاذ مواقف بناءً على ثقتهم في فهمهم، وأتم: "لن تتوقف الجاذبية عن العمل أبداً أو تغير المناخ عن الحدوث لأنك تعتقد أن هذا لن يحدث".

العوامل المؤثرة

وأظهرت دراسات علمية سابقة أن هناك العديد من العوامل التي يمكن أن تسهم في تبني الأشخاص مواقف متشددة متباينة للغاية تجاه العلم المدعوم جيداً.

"التحيز التأكيدي"، أحد هذه العوامل الذي يعبر عن ميل الناس إلى البحث عن المعلومات التي تؤكد معتقداتهم الحالية وتجاهل تلك التي تتعارض معها. يمكن أن يؤدي هذا إلى رفض الناس للعلم المدعوم جيداً الذي يتعارض مع معتقداتهم.

كما يؤدي نقص المعرفة العلمية إلى تبني المواقف المتشددة، فكثير من الناس ليس لديهم فهم جيد للعملية العلمية وكيفية تقييم الأدلة العلمية وهذا يمكن أن يجعل من الصعب عليهم فهم وتقدير العلوم المدعمة بالأدلة الجيدة.

كما أن العوامل السياسية والاجتماعية قد تساهم أيضاً في تبني المواقف المتشددة، حيث أن البعض قد يكون الناس أكثر عرضة لرفض العلم المدعوم جيداً الذي يتعارض مع آراء مجموعته السياسية أو الاجتماعية.

العواطف أيضاً قد تلعب دوراً، إذ أنه من المرجح أن يؤمن الناس بشيء يتماشى مع عواطفهم، حتى لو كان يفتقر إلى الأدلة العلمية.

وتُعد الثقة في السلطة أحد العوامل المؤثرة أيضاً، حيث أن الناس قد تقبل المعلومات العلمية إذا كانت تأتي من سلطة يثقون بها، ويرفضون المعلومات العلمية التي تأتي من سلطة لا يثقون بها.

اقرأ أيضاً: