توصلت دراسة جديدة نُشرت في المجلة الطبية البريطانية، إلى أن سنوات الحروب والصراعات في العراق أدّت إلى ارتفاع "كارثي" في مقاومة المضادات الحيوية، محذرة من امتداد هذه التداعيات من المنطقة العربية بالكامل إلى باقي العالم.
وقال الباحثون إنه من المحتمل أن يكون سبب ارتفاع مقاومة المضادات الحيوية في العراق ناجماً عن مزيج من البنية التحتية المدمرة للرعاية الصحية، ونقص الأدوية، والموارد المحدودة، والمستويات العالية من التلوث بالمعادن الثقيلة، وسوء الصرف الصحي.
ولفتوا إلى أن الصراعات المعاصرة، التي تشهدها المناطق الحضرية والصناعية، تترك خلفها العديد من المشكلات، فالمعادن الثقيلة المستخدمة في الأسلحة لا تزال موجودة في البيئة، إذ تحتوي المتفجرات على كميات هائلة من عنصري الرصاص والزئبق.
ويشكل العراق مثالاً على هذا الإهمال، كونه شهد سلسلة من الصراعات منذ الثمانينيات تزامنت مع ظهور وانتشار مسببات الأمراض بأنماط محددة من مقاومة المضادات الحيوية.
وتشمل هذه الصراعات الحرب العراقية- الإيرانية (1980-1988)، وحرب الخليج الأولى عام 1991، والعقوبات الاقتصادية في أعقاب الغزو العراقي للكويت (1990-2003)، والغزو الأميركي (2003) بما في ذلك فترة من العنف العسكري امتدت من (2005-2007) والصراع مع تنظيم "داعش" في العراق وسوريا بين عامي 2014 و2017.
فعالية المضادات
وطيلة العقود الماضية، اعتقد الباحثون أن مقاومة الميكروبات للمضادات الحيوية تنجم عن الإفراط في استخدامها دون داع، إلّا أن الدراسات الجديدة أثبتت أن هناك العديد من العوامل الأخرى التي يُمكن أن تساهم في تطوير بكتيريا أو ميكروبات تقاوم المضادات الحيوية.
ومن هذه العوامل التلوث بالمعادن الثقيلة أو استخدام المطهرات التي تحتوي على مركبات الأمونيوم الرباعية، والتي تستخدم على نطاق واسع في قطاع الرعاية الصحية، وثبت أن العديد من أنواع البكتيريا طورت مقاومة لمكافحة سمية المعادن الثقيلة.
وتتسبب الحروب في انهيار ضوابط الصرف الصحي، وتفكيك البنى التحتية للرعاية الصحية، وإقامة المستشفيات الميدانية المرتجلة التي غالباً ما تعاني من نقص الموارد، ما يجعل المقاتلين والمدنيين يُصابون بمجموعة من مسببات الأمراض الضارة في ظل وجود موارد محدودة للتعافي بشكل صحيح.
10 ملايين وفاة
ومع زيادة فترة الصراع، تكتسب الميكروبات قدرة على مقاومة تركيزات المعادن الثقيلة السامة، والمضادات الحيوية التي تُستخدم بكثرة لمنع تلوث الجروح الناجمة عن المعارك.
ومن المحتمل أن تلعب البنية التحتية المدمرة للرعاية الصحية، والعلاجات غير الملائمة بالمضادات الحيوية، والموارد المحدودة، والتلوث الشديد بالمعادن الثقيلة في البشر والبيئة، دوراً في الارتفاع الكارثي لمقاومة مضادات الميكروبات في العراق مع تهديد بامتداد تلك المقاومة إقليمياً وعالمياً.
وتتزايد مقاومة المضادات الحيوية عالمياً بمعدل ينذر بالخطر، وفي حال ترك المشكلة دون حل، فمن المتوقع أن تتسبب في وفاة أكثر من 10 ملايين شخص سنوياً بحلول عام 2050.
ويقول الباحثون إن هناك حاجة ماسة لفهم التأثير المباشر وغير المباشر للنزاع المسلح في صعود مقاومة مضادات الميكروبات، إذا أراد العالم إيقافه ومنع ملايين الوفيات التي لا داعي لها، مؤكدين أن فهم الروابط بين مقاومة مضادات الميكروبات والنزاعات أمر ضروري للاستجابة العالمية لمقاومة مضادات الميكروبات، لافتين إلى أن الحروب ساهمت في تطوير مقاومة المضادات الحيوية منذ الأربعينيات، إلا أنها لم تحظ باهتمام كبير.