دراسة تحذر: تآكل السواحل في ليبيا يعرض الآثار لخطر داهم

time reading iconدقائق القراءة - 8
موقع صبراتة الأثري المدرج في قائمة التراث العالمي والواقع على ساحل مدينة برقة شرقي في ليبيا. مارس 2009 - AFP
موقع صبراتة الأثري المدرج في قائمة التراث العالمي والواقع على ساحل مدينة برقة شرقي في ليبيا. مارس 2009 - AFP
القاهرة-محمد منصور

تتعرض المواقع الأثرية على طول الساحل الليبي لخطر التلف أو الضياع بسبب زيادة تآكل السواحل، وفقًا لدراسة نُشرت في دورية "بلوس وان PLOS ONE". 

ويمثل تآكل الساحل في برقة، شرق ليبيا، مشكلة كبيرة لعلم الآثار وإدارة التراث. 

فهذه المنطقة موطن لإرث ثقافي وتاريخي غني؛ إذ يحتوي ساحل برقة على العديد من المواقع الأثرية الهامة ومواقع التراث الثقافي، يعود بعضها إلى العصور اليونانية والرومانية القديمة.  

وتشمل المواقع المتأثرة بتآكل الساحل المدن القديمة والتحصينات والمعابد والمقابر، فضلاً عن المباني الحديثة التي بُنيت في العهد العثماني والإسلامي.  

وبسبب آثار تغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر، فإن ساحل برقة يتآكل بسرعة كبيرة، مما يتسبب في أضرار جسيمة لهذه المواقع الهامة.  

تآكل السواحل

ويقول الباحث في علوم الآثار البحرية المهددة بجامعة "أولستر" الأيرلندية كيران ويستلي إن تآكل السواحل يُمثل كارثة واسعة النطاق حول الموانئ القديمة لتوكرة وأبولونيا وبطليميس في شرق ليبيا.

وأضاف في حديث لـ"الشرق" أن تلك الملاحظة "ليست جديدة" إلا أنهم في الدراسة تمكنوا من رسم خريطة "لمعرفة بالضبط أين يقع التآكل الأكثر خطورة، ومدى سرعة حدوثه وكيف يمكن أن يؤثر على هذه المواقع الأثرية في المستقبل". 

و"أبولونيا" الليبية هي مدينة قديمة تقع على الساحل الشرقي لليبيا، بالقرب من مدينة سوسة الحديثة، وأسسها المستعمرون اليونانيون في القرن السابع قبل الميلاد.

واليوم، تعد أطلال أبولونيا القديمة وجهة سياحية شهيرة وموقعاً أثرياً مهماً، حيث يمكن للزوار استكشاف بقايا المدينة، بما في ذلك أغورا (السوق) والمعابد والمباني العامة، بالإضافة إلى المدرج والمقابر المحفوظة.

أما "بطليميس" فهي مدينة قديمة تقع أيضاً في شرق ليبيا، وأسستها الحاكم اليوناني بطليموس الثالث في القرن الثالث قبل الميلاد، وكانت عاصمة لممتلكات المملكة البطلمية في برقة، وأصبحت أطلالها الآن موقعاً أثرياً مهماً، يضم بقايا رائعة مثل معبد أبولو والمسرح الروماني. 

أما "توكرة" فتقع بين مدينتي بنغازي من الشرق ودرنة من الغرب، وكانت مدينة رومانية بارزة تُعرف باسم توكرة ماجنا، وكانت مركزاً مهماً للزراعة والتجارة في المنطقة، وتضم العديد من الكنائس والأديرة القديمة وغيرها من الآثار الرومانية القديمة.

معدلات متزايدة من التعرية

ويمكن أن يؤدي التآكل إلى تدمير أو إتلاف الهياكل القديمة القريبة من البحر بسرعة كبيرة "على سبيل المثال أثناء عاصفة واحدة يمكن أن تقطع أيضاً المنحدرات خلف الشاطئ، وبالتالي تكشف عن الهياكل الأثرية المدفونة وبمجرد انكشافها، تكون عرضة لمزيد من التعرية التي يمكن أن تلحق الضرر بها أو تزيلها بشكل كامل". 

ويحتوي ساحل برقة شرق ليبيا، الممتد من خليج سرت إلى الحدود المصرية الليبية الحالية، على آثار تحكي تاريخاً طويلاً من النشاط البشري الذي يعود إلى العصر الحجري القديم، كما يستضيف العديد من المواقع الأثرية المهمة والتي غالباً ما تكون غير مدروسة بدقة. 

ويتعرض الساحل لمعدلات عالية من التآكل مما يهدد بإلحاق الضرر أو حتى محو العديد من هذه المواقع المهمة.  

وجمعت هذه الدراسة بين السجلات التاريخية والحديثة للساحل باستخدام الصور الجوية والأقمار الصناعية والمراقبة الميدانية لتقييم أنماط التعرية الساحلية بالقرب من المواقع الأثرية الهامة.  

بالقرب من المواقع التي تمت دراستها؛ حدد الباحثون تآكلاً واسعاً للشواطئ ومعدلات متزايدة من التعرية في السنوات الأخيرة، والتي من المحتمل أن تكون مرتبطة بالأنشطة البشرية مثل استخراج الرمال والتحضر. 

كما تظهر النتائج أن المعدلات الحالية لتآكل السواحل هي بالفعل مشكلة رئيسية لهذه المواقع ومن المرجح أن تزداد في المستقبل مع المزيد من الأنشطة البشرية وارتفاع مستويات سطح البحر بسبب تغير المناخ، مما يعرض هذه المواقع لخطر الضرر التدريجي وفقدان القيمة. معلومات تاريخية. 

استجابة فورية

ويقول الباحث في علوم الآثار البحرية المهددة بجامعة "أولستر" الأيرلندية كيران ويستلي إن الاستجابة لنتائج تلك الدراسة يجب أن تكون "فورية"، حيث يرى أنها تحث علماء الآثار على تسجيل أكبر قدر ممكن من المعلومات حول المواقع "قبل أن تضيع بسبب التعرية". 

ويشدد على الحاجة الماسة لزيادة الوعي البيئي بين المجتمعات المحلية لأن بعض المشاكل من المحتمل أن تكون ناجمة عن أنشطة مثل تعدين الرمال. 

لكن؛ هل هناك عوامل تؤدي إلى تفاقم مشكلة الانجراف الساحلي في هذه المنطقة؟ 

يقول "ويستلي" في إجابته على تساؤل "الشرق" إن الدراسة لا تقدم إجابة قاطعة لذلك التساؤل "لكننا نفترض أن الأنشطة مثل استخراج رمال الشواطئ، أو التحضر، أو بناء السدود في الوديان، تؤدي في الوقت الحالي إلى تفاقم المشكلة". 

فعندما يزيل البشر الرمال من الشواطئ، تُصبح الشواطئ "دون وقاية" فتصل الأمواج بسهولة أكبر إلى الأراضي المعرضة للخطر خلف الشواطئ وتسبب تآكلًا متسارعاً.  

ظاهرة عالمية

كما أن ارتفاع مستوى سطح البحر الناجم عن تغير المناخ سيؤدي أيضاً إلى تفاقم التعرية، حيث تزداد المشكلة سوءاً إذا تسارع ارتفاع مستوى سطح البحر (والذي يُتوقع حدوثه إذا استمرت انبعاثات غازات الاحتباس الحراري في الارتفاع). 

ويرى "ويستلي" أن تآكل السواحل مشكلة كبيرة في شرق ليبيا، لكنه يؤكد أن تلك المشكلة تظهر أيضاً "في جميع أنحاء العالم" إذ أن هناك العديد من المواقع الأثرية على الساحل معرضة للخطر الآن، "ومن المحتمل أن يتعرض مزيد من المواقع للخطر في المستقبل نتيجة لتغير المناخ وارتفاع مستوى سطح البحر". 

ويحذر من عدة عواقب لفقدان هذه المواقع "فهناك المعلومات العلمية الموجودة في المواقع الأثرية والتي لا يمكن الاستغناء عنها". كما ستضيع أيضاً القيمة الاجتماعية والاقتصادية للمواقع.  

فالمواقع الرئيسية التي يحدث فيها التآكل "يمكن أن تدعم الأنشطة السياحية والاقتصاد المحلي". 

كما أن هناك أيضاً الارتباط الثقافي بهذه المواقع، وفي بعض الحالات "قد يكون للمجتمعات المحلية ارتباط ثقافي قوي بموقع معين، كاعتباره مكاناً مقدساً أو جزءاً جوهرياً من تراثهم". 

ويأمل الباحثون أن تسلط الورقة الجديدة الضوء على الحاجة الماسة لدعم الليبيين في التخفيف من الأضرار التي لحقت بهذه المواقع التراثية المهددة بالدمار والتي لا يمكن تعويضها. 

اقرأ أيضاً:

تصنيفات