اكتشف باحثون لأول مرة مجموعة من البصمات، التي خلّفها انفجار النجوم الأولى في الكون. وتشمل تلك البصمات التوقيعات الكيميائية لثلاث غيوم غازية بعيدة، يتطابق تركيبها الكيميائي مع التوقعات بشأن الانفجارات النجمية الأولى.
وبحسب الدراسة المنشورة في دورية "أستروفيزيكال"، تُقرّب هذه النتائج العلماء خطوة واحدة من فهم طبيعة النجوم الأولى، التي تشكلت بعد الانفجار الكبير.
تجدر الإشارة إلى أن أول الانفجارات النجمية حدثت بعد فترة وجيزة من تشكّل النجوم الأولى في الكون. ويصعب تحديد الجدول الزمني الدقيق لأول "مستعر أعظم" Nova (انفجار نووي ينتج عن جذب نجم قزم أبيض لغاز الهيدروجين إلى سطحه)، لكن يُعتقد أنها حدثت بعد نحو 100 إلى 300 مليون سنة من الانفجار الكبير.
وكانت النجوم الأولى تتكون بالكامل تقريباً من الهيدروجين والهيليوم، مع القليل جداً من العناصر الثقيلة. وكانت هذه النجوم أكبر بكثير من النجوم العادية المنتشرة اليوم، وتشير بعض التقديرات إلى أن أصغرها كان أكبر بمئات المرات من كتلة الشمس.
وعندما استنفدت هذه النجوم الضخمة وقودها، ولم تعد قادرة على تحمل الاندماج النووي في نواتها، تعرّضت لانهيار وانفجار كارثي، ما أدى إلى إطلاق كميات هائلة من الطاقة وخلق عناصر ثقيلة دُمجت لاحقاً في النجوم والكواكب الجديدة.
ولعبت انفجارات النجوم الأولى دوراً مهماً في تشكيل الكون المبكر، كما أثّرت في تكوين وتطوّر المجرات، ووفرت الطاقة والعناصر الثقيلة اللازمة لتطوير الحياة كما نعرفها.
وبعد انفجار النجوم، تتكون السحب الغازية، والمعروفة أيضاً باسم غيوم الغاز البدائية، وهي بعض من أقدم الأشياء وأكثرها نقاءً في الكون. ويُعتقد أن هذه الغيوم هي بقايا النجوم الأولى التي تشكّلت بعد وقت قصير من الانفجار العظيم.
ونظراً لأن النجوم الأولى كانت تتكون بالكامل تقريباً من الهيدروجين والهيليوم، مع القليل جداً من العناصر الأثقل، فإن سحب الغاز التي تشكّلت من بقاياها يجب أن تكون أيضاً نقية تقريباً، مع مستويات منخفضة جداً من العناصر الثقيلة.
ملاحظات السحب الغازية القديمة، كشفت أن بعضها يحتوي بالفعل على مستويات منخفضة جداً من العناصر الثقيلة، بما يتوافق مع كونها بدائية في طبيعتها.
وتقع هذه الغيوم عادة على مسافات كبيرة منا، ويصعب اكتشافها ودراستها بسبب ضعفها وبعدها.
"التلسكوب الكبير"
وفي الدراسة، استخدم الباحثون بيانات مأخوذة من ESO'S VLT، وهو تلسكوب أرضي كبير جداً يقع في صحراء "أتاكاما" شمال تشيلي، التي تُعد واحدة من أكثر الأماكن جفافاً وظلاماً على وجه الأرض.
و"التلسكوب الكبير جداً" (VERY LARGE TELESCOPE VLT)، هو مجموعة من 4 تلسكوبات ضوئية مشكّلة على هيئة مصفوف، بناه ويقوم بتشغيله المرصد الأوروبي الجنوبي (ESO).
ويُعد ذلك التلسكوب الأرضي أكثر التلسكوبات تقدماً وإنتاجاً في العالم، وهو مزود بمجموعة من أحدث الأدوات التي تمكن علماء الفلك من مراقبة الكون بتفاصيل غير مسبوقة.
اعتماداً على كتلة النجوم المبكرة وطاقة انفجاراتها، أطلقت هذه الانفجارات الأولى عناصر كيميائية مختلفة مثل الكربون والأكسجين والماغنيسيوم، الموجودة في الطبقات الخارجية للنجوم.
لكن بعض هذه الانفجارات لم تكن نشطة بما يكفي لطرد العناصر الثقيلة مثل الحديد، الذي يوجد فقط في قلب النجوم.
وللبحث عن العلامة الواضحة لهذه النجوم الأولى التي انفجرت على شكل "مستعرات أعظم"، بحث الفريق عن غيوم غازية بعيدة فقيرة بالحديد، لكنها غنية بالعناصر الأخرى.
وتمكنوا من العثور عليها، حيث وجدوا 3 غيوم بعيدة في بدايات الكون تحتوي على القليل جداً من الحديد، ولكن الكثير من الكربون وعناصر أخرى، ما يُعد بصمة انفجارات النجوم الأولى. وتكونت تلك الغيوم عندما كان الكون يبلغ عمره أقل من 10إلى 15% فقط من عمره الحالي.
ويُعد نجاح الباحثين في تحديد البصمة الكيميائية لتلك الغيمة، أمراً هاماً للغاية في محاولات فهم الكون المبكر، وتكوين النجوم والمجرات الأولى، وأصل العناصر الثقيلة الضرورية للحياة كما نعرفها.
ويمكن أن تساعد دراسة هذه الأجسام أيضاً، في اختبار نماذج تطوّر الكون، والانفجار الكبير وتحسينها.
اقرأ أيضاً: