تتعرّض البحيرات عموماً، والساحلية على وجه الخصوص في تونس للجفاف، وارتفاع الحرارة، الأمر الذي يعرّض للخطر نظاماً بيئياً حساساً، ويُربك أسراباً هائلة من الطيور المهاجرة التي تستخدم الأراضي الرطبة كمحطات على طريق هجرتها بين إفريقيا وأوروبا.
وأصبحت بحيرة "أريانة" على مشارف العاصمة تونس، مساحة متشققة من الطين الجاف، تحيط الرمال حالياً بجزرها الصغيرة التي اعتادت الطيور أن تعشش فيها، وأصبحت الآن خالية من الحياة بعد جفاف منذ أشهر، وموجة شديدة الحرارة.
حتى بحيرة "السيجومي" القريبة، حيث كانت المياه دائماً متوفرة بشكل أكثر، أضحت نصف فارغة، وتلقي أسراب طيور الفلامنجو مسحة وردية شاحبة عبر بقعة من الأراضي الرطبة، بينما ترتفع أحياء تونس على تل خلفها.
"كارثة بيئية"
وقالت راضية حداد الخبيرة في التربية البيئية والناشطة البيئية التي تزور البحيرة منذ عام 2012، لوكالة "رويترز": "هذا العام، يمكنك أن تشعر أن هناك كارثة بيئية بسبب الجفاف. إنها المرة الأولى التي أرى فيها بحيرة السيجومي تجف بهذه الطريقة".
وتقع تونس على البحر المتوسط في مواجهة جزيرة صقلية الإيطالية، وهي على طريق الهجرة الرئيسي لمئات الأنواع من الطيور، وتعد أراضيها الرطبة الشاسعة ملاذاً للطيور الخواضة (ذات المناقير والأعناق الطويلة التي تخوض في الماء)، التي تهاجر شمالاً عبر الصحراء أو جنوباً من القطب الشمالي وشمال أوروبا.
وتجاوزت درجة الحرارة في تونس الشهر الماضي 49 درجة مئوية في يوم شديد الحرارة، في علامة على فصول صيف أكثر سخونة، رافقتها خلال السنوات الأخيرة فصول شتاء أكثر جفافاً مع تغير المناخ في شمال إفريقيا.
وتحيط بحيرة "السيجومي" وعشرات البحيرات الكبيرة، والبحيرات الداخلية بالساحل التونسي خلف شواطئ ذهبية طويلة، يقصدها سياح أوروبيون في الصيف.
بحيرة فارغة
وحتى حلول عاصفة ممطرة نادرة في يونيو الماضي، كانت بحيرة "السيجومي" فارغة في معظمها. وتخاطر الطيور الخواضة، والطيور الأخرى التي تعشش وسط القصب والماء والطين بفقدان موئلها الموسمي المعتاد.
وبينما تقف على أرض جافة متشققة، حيث اعتادت الطيور وضع بيضها على جزر صغيرة في البحيرة، أضافت راضية حداد: "فترة الجفاف الطويلة لهذا العام أثرت بشكل كبير على العديد من النظم البيئية وخاصة الأراضي الرطبة بشكل عام، وليس فقط بحيرة السيجومي على وجه التحديد".
ومضت قائلة: "قمنا هذه السنة بعملية مسح... بينت عدم تسجيل عملية تعشيش، فمن المفروض هذه المنطقة تسمى جزر صغيرة فهي منطقة تعشيش بالنسبة للطيور، لكن هذه السنة ليس هناك منسوب مياه وبذلك ليس هناك عملية التعشيش".
جفاف غير مسبوق
من جانبه، قال المنسق العلمي لجمعية "أحباء الطيور" هشام أزفزاف، إنه لم يرَ مثل هذا الجفاف في الأراضي الرطبة خلال مراقبته المستمرة لها منذ 20 عاماً.
ومع ذلك، وبينما يعد هذا الصيف سيئاً بشكل خاص، فإنه يسير وفق توجه أو نمط أطول زمنياً، له بالفعل تأثير واضح على الطيور.
وأضاف أزفزاف: "لاحظنا في السنوات الأخيرة أن هناك عدة أنواع التي لم تعد تأتي في الشتاء إلى تونس منهم طائر الإوز، الذي كان يأتي من قبل، أي نحو 30 ألف إوزة تأتي في الشتاء في الحديقة الوطنية بإشكل، لكن الآن نحن نسجل نحو 400 إلى 600 إوزة".
وأوضح أن تغيّر المناخ، ليس الخطر الوحيد على الأراضي الرطبة في تونس. فالمدن والبلدات تنمو قرب حواف البحيرات، كما تُلقى الأنقاض والنفايات غالباً في المياه أو قربها.
ورغم ذلك، فإن البحيرات والأراضي الرطبة الأخرى مهمة أيضاً للسكان، حيث تنظم درجة الحرارة المحلية في أثناء الموجات الحارة، وتساعد في تجنب الفيضانات الخطيرة بامتصاصها مياه الأمطار التي تهطل بسبب عواصف مفاجئة.
اقرأ أيضاً: