هبطت المركبة الهندية "تشاندرايان-3"، الأربعاء، على القطب الجنوبي غير المستكشف للقمر، والذي يُعتقد أنه مصدر محتمل للمياه والأكسجين، بعد أيام من تحطم مسبار روسي في المنطقة نفسها.
وربحت الهند سباقاً مع روسيا، لتصبح أول دولة تهبط بمركبة فضائية على منطقة لم تُستكشف على الجانب البعيد من القمر، وهو إنجاز من شأنه أن يعزز مكانتها كقوة فضائية رئيسية وسط اهتمام عالمي متجدد باستكشاف القمر.
وأطلقت الهند مركبة فضائية آلية تحمل مركبة إنزال ومركبة الجوالة، في يوليو، تحت اسم "تشاندرايان-3" (Chandrayaan-3)، التي تعني "مركبة القمر" باللغة الهندية.
وكانت هذه هي المرة الثانية، التي تحاول فيها الهند الهبوط على سطح القمر، وكانت المحاولة الأولى عام 2019، حين نجحت مهمة "تشاندرايان-2" في وضع مركبة في المدار لكن المركبة الرئيسية تحطمت آنذاك.
وجاء نجاح هبوط المركبة الفضائية "تشاندرايان-3"، التابعة لمنظمة أبحاث الفضاء الهندية، على القطب الجنوبي للقمر، بعد أقل من أسبوع على فشل مهمة مركبة الفضاء الروسية "لونا-25" التي تحطمت على سطح القمر.
تحطم المركبة الروسية
وهذا الأسبوع، كان من المقرر أن تهبط مركبتان فضائيتان من روسيا والهند على القطب الجنوبي غير المكتشف للقمر، قبل إعلان موسكو، الأحد، تحطم مركبتها.
وأعلنت وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس" تحطم مركبة الفضاء "لونا 25" على سطح القمر، قبل ساعات قليلة من موعد هبوطها الذي كان مقرراً، الاثنين، على القطب الجنوبي للقمر.
وأوضحت الوكالة أن المركبة اصطدمت بالقمر بعد أن دارت في مدار غير متحكم فيه، مشيرة إلى أنها كانت تهدف إلى استكشاف القطب الجنوبي في الجزء البعيد من القمر، وهي منطقة يعتقد العلماء أنها تحتوي على مياه متجمدة ومعادن نفيسة.
وقالت "روسكوسموس" في بيان: "تحركت المركبة إلى مدار لا يمكن التنبؤ به، وانقطع وجودها نتيجة اصطدامها بسطح القمر".
ودخلت "لونا-25" مدار القمر، الأربعاء، لتصبح أول مركبة فضاء روسية تحقق ذلك منذ 1976، في أول مهمة روسية إلى القمر منذ ما يقرب من 50 عاماً.
وبالنسبة لموسكو، كانت العودة إلى القمر، لو نجحت، مؤشراً على براعتها التكنولوجية المستمرة في مواجهة عقوبات عالمية كاسحة فرضت عليها في أعقاب غزو أوكرانيا، العام الماضي.
وأفادت وكالة الفضاء الروسية "روسكوسموس"، السبت، بحدوث "وضع غير طبيعي" في مركبة الفضاء الروسية "لونا-25" خلال مناورة استعدادها للانتقال إلى مدار ما قبل الهبوط.
وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن وقت سفر الهند إلى القمر أطول بنحو 40 يوماً من وقت سفر المركبة الروسية بسبب الحمولة الثقيلة لمركبتها، وتخزين الوقود المحدود مقارنةً بنظيرتها الروسية.
وقد أرسلت الهند مركبتها الفضائية على مسار دائري حول الأرض والقمر، للاستفادة من الجاذبية والتوفير في الوقود.
سباق إلى القمر
يأتي ذلك في الوقت الذي تأمل قائمة متزايدة من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة والصين وإسرائيل واليابان في ترسيخ وجودها على أقرب جرم سماوي للأرض، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".
فمن المنتظر أن تطلق اليابان مركبة فضائية صغيرة إلى القمر، في محاولة لاختبار تقنيات هبوط دقيقة يمكن استخدامها في مهمات مستقبلية.
وحاولت شركات خاصة من إسرائيل واليابان تحقيق هذا الإنجاز، لكنها فشلت في إرسال مركبات فضائية في السنوات الأخيرة.
ونجحت الصين في الهبوط على القمر عام 2019، ومرة أخرى في عام 2020 وتسعى لإرسال رواد فضاء إلى هناك بحلول عام 2030.
وفي الولايات المتحدة، تعمل وكالة الفضاء (ناسا) على حملتها القمرية الخاصة من خلال برنامج "أرتميس"، الذي يهدف إلى إنشاء بنية تحتية على القمر وحوله على المدى الطويل، وتخطط لإطلاق رحلة فضائية بشرية حول القمر أواخر عام 2024.
وترى صحيفة "واشنطن بوست" أن مهمتي استكشاف القمر الهندية والروسية، تعد جزءاً من سلسلة من الأنشطة القمرية المتوقعة خلال السنوات المقبلة، إذ ينقسم استكشاف الفضاء بشكل متزايد إلى معسكرين.
ووقعت الهند والعديد من الدول الأخرى على المبادئ المدعومة من الولايات المتحدة لاستكشاف الفضاء، بينما تخطط روسيا للعمل مع الصين بشأن خططها لإنشاء محطة أبحاث على القمر. ويمنع قانون الولايات المتحدة وكالة "ناسا" من التعاون مع الصين في استكشاف الفضاء.
ونقلت الصحيفة عن ديفيد ألكسندر، أستاذ الفيزياء وعلم الفلك بجامعة "رايس" ومدير معهد الفضاء التابع لها، قوله: "لقد عاد القمر إلى جدول أعمال الجميع كموقع لوجود بشري مستدام في الفضاء، وكأرض اختبار للبعثات المستقبلية".
وأوضح ألكسندر أن القطب الجنوبي للقمر، على وجه الخصوص، هو منطقة اهتمام شديد لعلماء الفضاء بسبب وجود جليد مائي في الحفر، ما قد يساعد في دعم مستوطنة بشرية في المستقبل.
وقالت وكالة "ناسا" في عام 2018 إن أجهزتها المحمولة على متن أول مهمة قمر هندية ساعدت في تأكيد وجود الجليد.
"حرب باردة" جديدة
وربما يكون القمر جرماً ميتاً وقاحلاً، لكنه الآن من أكثر البقاع سخونة في النظام الشمسي، ما يجذب اهتمام عدة بلدان في جميع أنحاء العالم، تحرص على إظهار براعتها التكنولوجية ومساعدة البشرية في فهم أقرب جار سماوي.
ووفقاً لـ"واشنطن بوست"، فإن هذا السباق إلى القمر يُعيد إلى الأذهان التنافس إبان الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، على الرغم من اختلافه كثيراً في نطاقه وهدفه، ومع العديد من المنافسين الآخرين.
وفي الوقت الراهن، لا يتمثل الهدف في إثبات تفوق نظام سياسي ما على نظام آخر، بل سباق إلى موقع فعلي، وهو القطب الجنوبي للقمر، حيث توجد المياه على شكل جليد في حفر مظلمة بشكل دائم.
عنصر محوري
ولوجود الماء تبعات بالنسبة لقوى الفضاء الكبرى، إذ يحتمل أن يسمح ذلك بإطالة الإقامة المؤقتة للبشر على القمر، ما يمكنهم من استخراج الموارد الموجودة هناك.
والقدرة على الوصول إلى هذا الجليد تعد أمراً حيوياً لأي مستوطنة بشرية، ليس فقط لأن الماء هو العامل الرئيسي لاستمرار الحياة، لكن لأن مكوناته، الهيدروجين والأكسجين، يمكن استخدامها كوقود للصواريخ، ما يجعل القمر محطة وقود في الفضاء، ونقطة انطلاق إلى مناطق أخرى من النظام الشمسي.
ونقلت "واشنطن بوست" عن الرئيس السابق لإدارة المهام العلمية في "ناسا" توماس زوربوشن قوله إنه مع قيام الولايات المتحدة بوضع استراتيجية "أرتميس"، "جعلنا القمر جزءاً مهماً من الاستراتيجية، ومن خلال القيام بذلك، أعتقد أن العالم بأسره أصغى".
وأضاف: "ما نراه حقاً أن بيئة القمر أصبحت وجهة وضرورة وطنية للعديد من البلدان. ولست مندهشاً من وجود مثل هذا الاهتمام".
وقدرت وكالة "ناسا" أنه على مدار العقد المقبل، فإن النشاط البشري على القمر وبالقرب منه "سيكون مساوياً أو يتجاوز كل ما حدث في هذه المنطقة منذ بدء عصر الفضاء عام 1957"، وفق بيان أصدره البيت الأبيض أواخر العام الماضي.
اقرأ أيضاً: