ماء ومعادن نادرة.. لماذا تتسابق الدول للوصول إلى موارد القمر؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
منظر القمر من العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. 25 أغسطس 2023 - AFP
منظر القمر من العاصمة الأرجنتينية بوينس آيرس. 25 أغسطس 2023 - AFP
القاهرة- محمد منصور

تتسابق الدول ووكالات الفضاء للحصول على موارد القمر، إذ أعلنت وكالة الفضاء الأميركية (ناسا) عام 2017، برنامجها "آرتميس" الهادف لتأسيس وجود مستدام على سطح القمر كنقطة انطلاق للبعثات المستقبلية إلى المريخ وما بعده.

ويشمل البرنامج مجموعة من المهام والتقنيات وعمليات التعاون التي تمهد الطريق للجيل المقبل من استكشاف الفضاء، علاوة على استكشاف الموارد القمرية التي يُمكن استغلالها أو التنقيب عنها.

وعقب إعلان "ناسا"، دخلت العديد من الدول في صراع محموم للوصول إلى القمر، حيث نجحت الهند في تحقيق إنجاز تاريخي، بعدما تمكنت من الهبوط على القطب القمري الجنوبي، وهو ما جعلها رابع دولة، بعد الولايات المتحدة والصين وروسيا تحط بنجاح على سطح القمر.

والأسبوع الماضي، هبطت المركبة الهندية "تشاندرايان-3"، على القطب الجنوبي للقمر، الذي يُعتقد أنه مصدر محتمل للمياه والأكسجين، وذلك بعد أيام من تحطم مسبار روسي في المنطقة نفسها. 

وخلال السنوات الأخيرة، أصبح القمر مستودعاً محتملاً للموارد الطبيعية، والتي يُمكن أن تشكل مستقبل استكشاف الفضاء وتوليد الطاقة والحياة خارج كوكب الأرض.

وأشارت وكالة "ناسا" أيضاً إلى أن القمر يحتوي على "موارد غير مُستغلة تُقدر بمئات المليارات من الدولارات".. فما هي تلك الموارد؟ وهل يُمكن بالفعل استغلالها بالشكل الأمثل؟

تأتي موارد القمر في صورتين، أولهما هي الطاقة، وثانيهما المعادن، إلى جانب أبسط أنواع الطاقة التي يُمكن استغلالها وهي الطاقة الشمسية.

إشعاع ثابت

ونظراً إلى أن القمر يدور حول محوره ببطء شديد (مرة واحدة كل 708 ساعات تقريباً)، يستمر ضوء النهار على القمر نحو أسبوعين، يليه ما يقرب من أسبوعين مظلماً، بينما يضيء قطبا القمر بشكل مستمر على الأغلب.

البيانات العلمية المستمدة من مهمات رسم الخرائط المدارية، تشير إلى أن الكثير من المناطق المحيطة بقطبي القمر يصلها الإشعاع الشمسي بشكل شبه مستمر.

ومن خلال تحديد موقع منشأة لمعالجة الموارد القمرية بالقرب من القطب، ستتيح للعلماء والباحثين الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة الشمسية العمل بشكل مستمر تقريباً.

ويبلغ ميل محور دوران القمر 1.5 درجة (محور الأرض 22.5 درجة)، لذا فإن الشمس تكون دائماً بالقرب من الأفق، وتلامس أشعتها السطح، لذلك لا توجد تقلبات كبيرة في درجات الحرارة تسبب خللاً في الإنشاءات المزمع بنائها لتوليد الطاقة الشمسية، حيث تظل المناطق المضاءة بأشعة الشمس شبه الدائمة بالقرب من القطبين عند حدود -50 درجة مئوية.

وفي القطب الجنوبي للقمر، وهي المنطقة التي تُعد هدفاً للبعثات القادمة، تتعرض الفوهات البركانية لإضاءة شمسية شبه ثابتة، إلا أن الجزء الداخلي من الفوهات لا تصله أشعة الشمس، ويحتفظ بكميات كبيرة من الجليد المائي في باطنها.

ومن خلال وضع منشأة لمعالجة الموارد القمرية بالقرب من القطب الجنوبي، ستسمح الطاقة الكهربائية المولدة بالطاقة الشمسية بالتشغيل المستمر تقريباً بالقرب من مصادر الماء المتجمد.

مفاعلات نووية محدودة

في عام 2018، أعلنت "ناسا" ابتكار مفاعل خفيف الوزن وصغير الحجم قادر على توليد من واحد إلى 10 كيلووات من الطاقة الكهربائية، ما سيوفر طاقة لاستخدام بعض المواد الموجودة بوفرة على سطح القمر، ومن ضمن تلك الموارد الهيليوم-3.

والهيليوم 3 نظير أخف وغير مشع للهيليوم، وهو عنصر نادر الوجود على الأرض، وتشير الأبحاث إلى أنه يبشر بالحصول على طاقة نظيفة وغير محدودة تقريباً من خلال الاندماج النووي. 

وعلى عكس عمليات الانشطار النووي التقليدية المستخدمة حالياً، فإن الاندماج النووي، الذي يتضمن الهيليوم-3، يوفر العديد من المزايا، حيث تطلق تفاعلات الاندماج كمية لا تصدق من الطاقة، بينما تنتج الحد الأدنى من النفايات، ولا تشكل أي خطر لحدوث انصهار كارثي، كما يحدث في المفاعلات النووية.

ويعتقد أن القمر غني بعنصر الهيليوم-3، وذلك بفضل تعرضه المستمر للرياح الشمسية التي تحمل هذا النظير من الشمس، إضافة إلى افتقار القمر إلى الغلاف الجوي والمجال المغناطيسي. ومن المحتمل أن تكون التربة القمرية، بمثابة مصدر قيّم لهذا العنصر.

وفي حين أن الفوائد المحتملة لتسخير عنصر الهيليوم 3 كبيرة، إلا أنه يجب التغلب على تحديات عدة لجعل هذه الرؤية حقيقة، خصوصاً أنها تتطلب بعض تقنيات الاندماج الحالية، مثل درجات حرارة عالية، وضغوط مرتفعة للغاية للحفاظ على تفاعل الاندماج. ويمثل ذلك تحدياً علمياً وهندسياً كبيراً، للتمكن من خلق هذه الظروف والحفاظ عليها بطريقة محكمة وعملية.

ماء على القمر

ويوجد الجليد المائي في مناطق باردة متفرقة على سطح القمر بتركيزات متنوعة، حيث وجد العلماء أدلة طيفية على وجود طبقة رقيقة للغاية من جزيئات الماء عند أعلى خطوط العرض على القمر. وهذه المياه في حالة حركة، إذ أن ضوء الشمس يُذيب الجليد ويدفع المياه في تيارات نحو أماكن أكثر برودة. وهكذا، مع مرور الوقت، هناك إضافة صافية للمياه إلى المناطق القطبية.

كما تم اكتشاف بخار الماء فوق القطب الجنوبي للقمر، ووجدت مركبات الرصد أيضاً، أدلة على وجود رواسب مياه نقية تقريباً يبلغ سمكها عدة أمتار داخل بعض الحفر المظلمة، والمظللة بالقرب من القطبين. 

وتشير هذه النتائج إلى وجود عشرات المليارات من الأطنان المترية من المياه، ويُعد الماء المنتج الأكثر فائدة الذي يمكننا إنتاجه في الفضاء. وهو يدعم حياة الإنسان، سواء للشرب أو التنفس (عندما ينفصل إلى مكونه الهيدروجين والأكسجين).

كما أنه يشكل درعاً ممتازاً للإشعاع، ويوفر مواد الحماية الأكثر كفاءة التي نعرفها. كما يعد الماء أيضاً وسيلة لتخزين الطاقة، حيث يمكن تكسيره إلى الغازات المكونة له عن طريق التحليل الكهربائي من الطاقة الشمسية أثناء النهار، ثم إعادة دمجه في الماء ليلاً لتوليد الطاقة الكهربائية.

ويمكن معالجة الماء وتحويله إلى هيدروجين سائل ووقود أكسجين لإعادة تزويد المركبات الفضائية بالوقود على سطح القمر.

استخدام الموارد

ويعتقد أن المناطق القمرية تحتوي على آثار لعناصر أرضية نادرة ومعادن ثمينة مثل معدن البلاتين، والتي تعتبر مكونات حاسمة في الإلكترونيات الحديثة، وتقنيات الطاقة المتجددة، والتطبيقات الصناعية المختلفة. كما يسهم الوصول إلى هذه الموارد في تقليل الاعتماد على المصادر الأرضية، وهو أمر يعزز الإدارة المستدامة للموارد ويُعرف باسم "استخدام الموارد من الموقع".

ويحتوي القمر أيضاً على معدن الهيماتيت، الذي يتكوّن من أكسيد الحديد، وصخور البازلت الغنية بخام الحديد أيضاً. إلا أن عملية استخراج الحديد تتطلب قدراً كبيراً من الطاقة يتعذر وجودها على القمر.

وتشمل المعادن الموجودة في تربة القمر عنصر المغنسيوم، والكالسيوم، بالإضافة إلى السليكون، والألومنيوم، والتيتانيوم.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات