"أوسيريس ريكس".. مهمة "الدفاع الكوكبي" التي جلبت عينات "بينو" للأرض

إنجاز تاريخي استغرق نحو 7 سنوات يستهدف حماية الأرض من أخطار الكويكبات

time reading iconدقائق القراءة - 9
كبسولة تحتوي على عينة تم جمعها من الكويكب بينو بواسطة مركبة الفضاء OSIRIS-REx التابعة لناسا بعد وقت قصير من هبوطها في ولاية يوتا الأميركية. 24 سبتمبر 2023 - Reuters
كبسولة تحتوي على عينة تم جمعها من الكويكب بينو بواسطة مركبة الفضاء OSIRIS-REx التابعة لناسا بعد وقت قصير من هبوطها في ولاية يوتا الأميركية. 24 سبتمبر 2023 - Reuters
القاهرة-محمد منصور

في إنجاز تاريخي، نجحت المركبة الفضائية "أوسيريس ريكس" في جلب عينات من كويكب يُسمى "بينو" والعودة للأرض بعد رحلة استغرقت نحو 7 سنوات كاملة. 

لكن جلب العينات ليست المهمة الوحيدة لتلك المركبة، فمن ضمن مهامها تقديم نظرة ثاقبة على النظام الشمسي المبكر، وحماية الأرض من أخطار الكويكبات.

تبدأ قصة تلك المهمة مع إطلاقها في 8 سبتمبر 2016، وحين وصلت المركبة الفضائية التابعة لوكالة الفضاء الأميركية إلى هدفها، كويكب بينو، بدأت على الفور مجموعة ضخمة من الفحوصات استغرقت عامين تقريباً، فحصت خلالها كل متر مربع من هذه الكتلة القديمة من الركام والتي خلفها عملية تكوين نظامنا الشمسي.

الكويكب بينو

تم اكتشاف بينو في 11 سبتمبر 1999، من خلال مشروع لينكولن لأبحاث الكويكبات القريبة من الأرض، وهو تعاون بين القوات الجوية للولايات المتحدة ووكالة ناسا ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. 

ويصنف ذلك الكويكب على أنه جسم قريب من الأرض من نوع "أبولو" مما يعني أن مداره يعبر مدار الأرض، وهو صغير نسبياً، حيث يقدر قطره بحوالي 492 متراً، أي بحجم جبل صغير تقريباً. 

ويمتلك ذلك الكويكب شكلاً مميزاً، وغالباً ما يوصف بأنه يشبه قمة دوارة أو كومة من الأنقاض. يُعتقد أنه عبارة عن مجموعة من الصخور المتماسكة معاً بواسطة الجاذبية، كما أنه يُصنف على أنه كويكب كربوني، مما يشير إلى أنه يحتوي على مواد غنية بالكربون، بما في ذلك الجزيئات العضوية والمعادن المائية، ما يجعله ذو أهمية خاصة للعلماء، لأن مثل هذه الكويكبات قد تحمل أدلة حول أصول الحياة على الأرض. 

ويتبع "بينو" مداراً بيضاوياً يجعله قريباً من مدار الأرض، ويكمل دورته حول الشمس كل 1.2 سنة تقريباً. 

احتمالات ضئيلة.. وخطيرة 

لذا، فقرب الكويكب من الأرض وديناميكيات مداره يجعله جسماً يحتمل أن يكون خطيراً، مع احتمال ضئيل للتأثير على كوكبنا في المستقبل البعيد، مما يجعل دراسته أمراً مهماً لتقييم مخاطر الارتطام المحتملة بالأجسام القريبة من الأرض، ففهم الخصائص المدارية لهذا الكويكب أمراً بالغ الأهمية لجهود الدفاع الكوكبي. 

وعلى الرغم من الحجم الصغير نسبياً لهذا الكويكب، إلّا أنه يظل كبيراً بما يكفي للوصول إلى سطح الأرض، فلن يحترق مثلما تحترق العديد من الأجسام الفضائية الصغيرة في غلافنا الجوي.  

وإذا اصطدم بالأرض، فسوف يتسبب "بينو" في أضرار واسعة النطاق. ويتوقع خبراء الكويكبات في مركز دراسات الأجسام القريبة من الأرض في مختبر الدفع النفاث التابع لناسا في كاليفورنيا، أن يقترب بينو بدرجة كافية من الأرض خلال القرن المقبل ليشكل فرصة واحدة من 2700 للتأثير عليه بين عامي 2175 و2196. 

وبعبارة أخرى، وبحسب ما ورد على موقع وكالة ناسا، فهذه الاحتمالات تعني أن هناك احتمالًا بنسبة 99.963٪ أن الكويكب لن يصطدم بالأرض. ومع ذلك، يريد علماء الفلك أن يعرفوا بالضبط مكان وجود بينو في جميع الأوقات. 

وقدّر علماء الفلك المسار المستقبلي للكويكب بعد مراقبته عدة مرات منذ اكتشافه في عام 1999، بعد أن وجهوا تلسكوباتهم نحو الكويكب في كل مرة يقترب فيها بدرجة كافية من الأرض، كل ست سنوات تقريبا، لاستنتاج خواصه، كالشكل، ومعدل الدوران والمسار. 

وقد قدّر العلماء مسار بينو حول الشمس في المستقبل البعيد. وتعتمد تنبؤاتهم على الملاحظات الأرضية والحسابات الرياضية التي تفسر دفع جاذبية بينو بواسطة الشمس والقمر والكواكب والكويكبات الأخرى، بالإضافة إلى العوامل غير الجاذبية. 

وبالنظر إلى هذه المعلمات، يمكن لعلماء الفلك التنبؤ بالتواريخ الأربعة التالية، سبتمبر 2054، 2060، 2080 و2135 والتي سيصل فيها بينو إلى مسافة 7.5 مليون كيلومتر أو 0.05 وحدة فلكية من الأرض، وهي المسافة القريبة بما فيه الكفاية بحيث تؤدي جاذبية الأرض إلى عمل اضطراب في المسار المداري لبينو قليلاً أثناء مروره.  

ونتيجة لذلك، فإن عدم اليقين بشأن مكان وجود الكويكب في كل مرة يدور حول الشمس سوف يتزايد، مما يجعل التنبؤات حول مدار بينو المستقبلي ضبابية بشكل متزايد بعد عام 2060. 

وفي عام 2060، سيمر بينو بالأرض على مسافة تبلغ ضعف المسافة من هنا إلى القمر، لكنه يمكن أن يمر في أي نقطة في نافذة يبلغ طولها 30 كيلومتراً. وعلى الرغم من أن ذلك الاختلاف يبدو بسيطاً جداً إلّا أن الموضع داخل تلك النافذة سوف يتضخم بشكل كبير في المدارات المستقبلية ويجعل من الصعب بشكل متزايد التنبؤ بمسار بينو. 
 
ونتيجة لذلك، عندما يعود هذا الكويكب بالقرب من الأرض في عام 2080، فإن أفضل نافذة يمكننا الحصول عليها لمكان وجوده يبلغ عرضها حوالي 14000 كيلومتر. وبحلول عام 2135 فإن نافذة التحليق الخاصة به ستزداد اتساعا لتصل إلى نحو 160 ألف كيلومتر. 

تأثير ياركوفسكي

تتأثر توقعات مسار الكويكب "بينو" أيضاً بظاهرة تُعكر صفو العلماء وهي "تأثير ياركوفسكي"، الذي أطلق على اسم المهندس الروسي إيفان ياركوفسكي واقترحه لأول مرة في عام 1900.

وهو قوة خفية يمكن أن تؤثر على حركة الأجرام السماوية الصغيرة، مثل الكويكبات والنيازك، في النظام الشمسي. وينشأ بسبب التفاعل بين ضوء الشمس ودوران هذه الأجسام.  

فعندما يمتص جسم سماوي صغير، مثل الكويكب، ضوء الشمس على سطحه، فإنه يسخن. أثناء دوران الجسم، تسخن أجزاء مختلفة من سطحه وتبرد بمعدلات مختلفة، ويصدر السطح الساخن للجسم إشعاعاً حرارياً عندما يبرد، لكن انبعاث الحرارة هذا ليس منتظماً عبر سطح الجسم. 

وبما أن الجسم يصدر إشعاعاً حرارياً بطريقة غير منتظمة، فإنه يضفي أيضا قوة دفع صغيرة، ولكنها مستمرة، على نفسه. يكون هذا الدفع في الاتجاه بعيداً عن الجانب الذي يسخن أكثر وباتجاه الجانب الذي يبرد بشكل أسرع. 

وعلى مدى فترات طويلة من الزمن، يمكن لهذا الدفع الصغير أن يتسبب في تغيير مدار الجسم بشكل ملحوظ، ويمكن أن يؤدي ذلك إلى انحراف الجسم نحو الشمس أو الابتعاد عنها، اعتماداً على اتجاه الدفع. 

وفي حالة بينو، حسب علماء الفلك أن تأثير ياركوفسكي يؤدي إلى تحويل مداره بحوالي 284 متراً سنوياً نحو الشمس منذ عام 1999. وفي الواقع، ساعد في إيصال بينو إلى الجزء الذي نعيش فيه من النظام الشمسي. 

ويقول العلماء إنه، وبعد الرصد المتوقع للكويكب في عام 2135، لن يُمكنهم تحديد اتجاه الكويكب بشكل دقيق. لذا، جمعت المهمة "أوسيريس ريكس" معلومات حول الحفر الموجودة على سطح الكويكب، لمعرفة الطريقة التي تتشتت بها الحرارة أثناء الإشعاع الحراري. كما ساعدت أيضا تلك المهمة العلماء على رسم خرائط لصخور سطح "بينو" في محاولة لرفع كفاءة التنبؤات الخاصة بمسار الكوكب بشكل أفضل قد يصل إلى 60 ضعف كفاءة التنبؤ الحالية. 

عينات التربة

في 20 أكتوبر 2020، نفذت "أوسيريس ريكس" مناورة "اللمس والانطلاق" والتي لمست خلالها المركبة الفضائية سطح "بينو" لفترة وجيزة لجمع المواد السطحية.  

ونجح الذراع الآلي للمركبة الفضائية، والمعروف باسم TAGSAM (آلية الحصول على عينات اللمس والذهاب)، في جمع عينة من الثرى من الكويكب، بعد أن أتصل بسطح "بينو" لمدة 5 ثوان فقط، أطلق خلالها دفعة من غاز النيتروجين لتحرك الصخور والمواد السطحية والتقاطها في رأس جهاز أخذ العينات. 

وكان لدى الذراع ما يكفي من النيتروجين للسماح بثلاث محاولات لأخذ العينات، وجمع ما بين 60 إلى 2000 جرام منها.  
 
ولجمع تلك العينة والقيام بمهمات الرصد الأخرى، تم تجهيز المركبة الفضائية بمجموعة من الأدوات العلمية، بما في ذلك الكاميرات وأجهزة قياس الطيف ومقياس الارتفاع بالليزر، لتجمع البيانات حول سطح بينو وتكوينه وخصائصه المدارية.  

وبمجرد استرداد العينة، تم نقلها إلى منشأة آمنة ومتخصصة جرى تجهيزها بالأدوات والأدوات اللازمة للتعامل مع المواد الموجودة خارج كوكب الأرض وتحليلها، مع أخد الاحتياطات اللازمة لمنع تلوثها وحماية سلامتها. 

وسيتم تقسيم العينة إلى أجزاء متعددة للسماح بمجموعة واسعة من التحقيقات العلمية، بما في ذلك الفحص المجهري، والتحليل الطيفي، وقياس الطيف الكتلي. وتساعد هذه الطرق في تحديد الخصائص الفيزيائية والكيميائية والمعدنية للمادة. 

وتشمل أحد الأهداف الرئيسية البحث عن الماء والمواد العضوية في العينة. إذ يمكن أن يوفر وجود المركبات العضوية نظرة ثاقبة حول إمكانية نشأة الحياة في أماكن أخرى من النظام الشمسي أو معرفة أصل الحياة على الأرض. 

تصنيفات

قصص قد تهمك