
استيقظ العالم، الاثنين، على خبر انقطاع في شبكة الكهرباء التي تُغذي منشأة "نطنز" النووية الإيرانية، والتي تُعد قلب البرنامج النووي الإيراني، إذ تجرى فيها عمليات تخصيب اليورانيوم، في محاولة، تصفها الدول الموقعة على الاتفاق النووي والولايات المتحدة، بخطوة على طريق إنتاج رؤوس نووية.
تقع منشأة "نطنز" على بعد حوالي 30 كيلومتراً شمال غربي المدينة التي تحمل الاسم نفسه. وتحتوي على الآلاف من أجهزة الطرد المركزي التي تستخدم في تخصيب اليورانيوم. فما هي تلك الأجهزة؟ وكيف يتم تخصيب اليورانيوم؟
إنتاج السلاح النووي
تستطيع معظم دول العالم تصميم وتشغيل أجهزة الطرد المركزي الغازية المستخدمة في عمليات تخصيب اليورانيوم. تلك القدرة تخلق فرصاً خطيرة لانتشار الأسلحة النووية التي قد تُهدد السلم العالمي. فهناك طريقتان لإنتاج الأسلحة النووية؛ إما استخدام اليورانيوم عالي التخصيب HEU أو استخدام البلوتونيوم.
في الماضي؛ كان إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب تحدياً تقنياً وعلمياً كبيراً. كما أن البلوتونيوم لا يوجد في الطبيعة بشكل نقي، ويجب إنتاجه في مفاعل نووي، وعلى الرغم من أن عملية فصل البلوتونيوم كيميائياً صعبة للغاية، إلا أنها ظلت من الناحية العملية أسهل من إنتاج اليورانيوم عالي التخصيب، غير أن إنتاج قنبلة البلوتونيوم أكثر تعقيداً بكثير من إنتاج قنبلة اليورانيوم البسيطة.
وكانت تقنيات صناعة القنابل النووية حكراً في الماضي على الدول الكبرى فقط، فكلا الخيارين يحتوي على عقبات. فالحصول على يورانيوم عالي التخصيب يعد أمراً صعباً، فيما يعد بناء قنبلة تعتمد على البلوتونيوم أمراً مستحيلاً إلا عند الدول التي تملك أسرار التصميم المعقد لقنابل البلوتونيوم.
نظيران مختلفان
أجهزة الطرد المركزي الغازية حلت تلك المشكلة. إذ تستطيع الأجهزة تسهيل تخصيب اليورانيوم، الذي يُمكن استخدامه في تصميم قنبلة بسيطة التكوين، ما يجعل الطريق مفتوحاً لإنتاج سلاح نووي، وربما يكون هذا الأمر ما تفعله إيران في منشأة "نطنز" النووية.
حسب المفاهيم الكلاسيكية، تتكون ذرات العناصر الكيميائية من إلكترونات (سالبة الشحنة) وبروتونات (موجبة الشحنة) ونيوترونات (متعادلة الشحنة). تقع البروتونات والنيوترونات داخل نواة الذرة، فيما تدور الإلكترونات حولها. يُسمى عدد البروتونات (موجبة الشحنة والذي يساوي عدد الإلكترونات) بالعدد الذري، فيما يُسمى مجموع عدد البروتونات والنيوترونات بالعدد الكتلي.
يتكون اليورانيوم الطبيعي من نظيرين، لكلا النظيرين العدد الذري نفسه، إلا أنهما يختلفان في العدد الكتلي. يعنى ذلك أن أحد النظائر (يو-238) الذي يبلغ عدد نيوتروناته 146 "أثقل" من النظير الآخر (يو-235) والذي يبلغ عدد نيوتروناته 143.
لا يوجد (يو-235) في اليورانيوم الطبيعي إلا بنسبة أقل من 1%، ولأن تصنيع القنابل النووية يحتاج إلى النظير الخفيف، يتم إجراء عمليات فصل النظائر عن بعضها البعض، تُعرف تلك العملية باسم "التخصيب" والتي يُقصد بها زيادة نسبة اليورانيوم (-235) في المادة الانشطارية التي تُشغل المفاعلات النووية وتُشكل قلب صناعة القنابل النووية أيضاً.
في حالة الرغبة في تشغيل المفاعلات النووية فقط؛ يجب رفع تركيز (يو-235) من 1% إلى حوالي 5%. أما في حالة صناعة القنابل النووية فيجب أن يبلغ تركيز ذلك النظير حوالي 90%.
الانتشار الغازي والطرد المركزي
في يناير 2013، قال العالم النووي الإيراني فريدون عباسي، إن تخصيب اليورانيوم بنسبة 5% مستمر في نطنز، مشيراً أن إيران ستواصل التخصيب لنسبة 20% "لتلبية احتياجاتنا". فكيف تمكنت إيران من وضع خطة التخصيب؟
في وقت مبكر من العصر النووي، كان تخصيب اليورانيوم يتم بطريقة تُسمى "الانتشار الغازي", وهي غير فعالة بطبيعتها، فتركيز (يو-235) الناجم عن تلك الطريقة، والذي تم تحقيقه في خطوة واحدة من العملية صغير جداً، لذا يجب تمرير المادة عبر آلاف الخطوات.
ونتيجة لذلك، فإن محطات الانتشار الغازي ضخمة ومكلفة. بعد كل خطوة من العملية، يجب إعادة ضبط ضغط سداسي فلوريد اليورانيوم (مركب اليورانيوم الغازي المستخدم كمصدر طاقة لمحطة الانتشار)، ما يجعل تلك المحطات مستهلكة هائلة للطاقة الكهربائية.
وليس من قبيل المصادفة أن أول محطة للانتشار الغازي خلال الحرب العالمية الثانية (مشروع مانهاتن) كانت تقع في وسط مشروع الطاقة الكهرومائية الواسع بوادي تينيسي، وهو المكان الوحيد في الولايات المتحدة الذي يمكن أن يوفر طاقة كهربائية كافية.
وبسبب صعوبة وتكلفة بناء وتشغيل محطات الانتشار الغازي، فإن الدول الغنية فقط والمتقدمة تكنولوجياً كانت قادرة على تخصيب اليورانيوم، سواء للمفاعلات النووية أو الأسلحة النووية.
ثم جاءت تقنية أجهزة الطرد المركزي الغازية عالية السرعة لتغير هذه الصورة.
حل المشكلة
يعود تاريخ أجهزة الطرد المركزي للغاز إلى ما قبل الحرب العالمية الثانية، لكن مجموعة من المشكلات الفنية أوقفت تطبيقها الصناعي. ومع ذلك، فقد أدى التقدم التقني المطرد إلى تحسين الأداء تدريجياً وخفض تكلفة أجهزة الطرد المركزي. كما أصبحت المواد عالية القوة التي تتحمل الضغوط العالية أكثر انتشاراً، ما سمح لمزيد من الدول بإنتاج أجزاء أجهزة الطرد المركزي.
واليوم، تعد أجهزة الطرد المركزي أفضل طريقة لتخصيب اليورانيوم، وعلى الرغم من أن بعض محطات الانتشار الغازي لا تزال تعمل، إلا أنه وفي عام 2007، تم تخصيب 72% من جميع عمليات التخصيب عن طريق محطات الطرد المركزي و28 % فقط عن طريق الانتشار الغازي.
تمثل أجهزة الطرد المركزي خطراً متزايداً لانتشار السلاح النووي، فالآلات نفسها التي تنتج وقود اليورانيوم المنخفض التخصيب لمفاعل نووي يمكنها إنتاج يورانيوم عالي التخصيب مناسب للأسلحة النووية.
كما أن محطة طرد مركزي متواضعة، بحجم واحد لتزويد محطة طاقة نووية واحدة بالوقود، يمكن أن تنتج ما يكفي من اليورانيوم عالي التخصيب لحوالي 20 قنبلة في السنة.
مبدأ علمي بسيط
ويكمن الاختلاف بين مصنع التخصيب العسكري والمدني في كيفية توصيل الآلات معاً في سلاسل متتالية. هذا يعني أنه يمكن تحويل منشأة نووية سلمية إلى مصنع أسلحة.
ولا تحتاج المنشآت التي تستخدم أجهزة الطرد المركزي إلى طاقة كبيرة، إذ تستهلك نحو 10% من الطاقة التي تستهلكها محطات الانتشار الغازي، كما أنها صغيرة الحجم ويسهل إخفاؤها، كما يمكن إخفاؤها تحت الأرض أو حتى إنشاؤها داخل منشأة للصناعات المعدنية الخفيفة.
تتكون أجهزة الطرد المركزي من محركات عالية السرعة تقوم بتدوير أسطوانة توضع داخلها مادة اليورانيوم. تعتمد تلك العملية على مبدأ علمي بسيط؛ فأثناء عملية الدوران السريعة، تتراكم المادة الأثقل في القاع، فيما تصعد المادة الأخف للأعلى. بتلك الطريقة يُمكن جمع اليورانيوم 235 من أعلى الأسطوانة واستخدامه، سواء في عمليات توليد الطاقة أو صناعة السلاح النووي.