حذّر مجموعة من العلماء من حدوث تحوّل كبير في أنظمة الأرض بسبب الانبعاثات الكربونية، وسط مخاوف من أن العالم يسير على "مسار كارثي" حال تجاوز خمس عتبات طبيعية، فيما يشبه "تأثير الدومينو" في أنظمة دعم الحياة.
وقال الباحث في علوم نُظم الأرض بجامعة "إكستر" البريطانية تيم لينتون، خلال مؤتمر صحافي حضرته "الشرق" على هامش فعاليات مؤتمر الأطراف للمناخ "COP 28" بدبي، إن نقاط التحوّل "من أخطر التهديدات التي تواجه البشرية عبر تاريخها".
وأوضح لينتون أن نقطة التحول هي تلك النقطة التي يحدث عندها تغير بسيط؛ لكنه يؤدي في الوقت نفسه إلى تحول كبير غير قابل للإرجاع، لافتاً إلى أن العمل كالمعتاد "لم يعد أمراً مجدياً على الإطلاق".
فيما قالت الباحثة في جامعة "أوسلو" النرويجية مانجانا ميكورت خلال المؤتمر، إن العالم لم يعد بحاجة إلى الوصول إلى الحياد الكربوني "إذ نحتاج الآن إلى الوصول إلى الكربون السالب"، وهو ما يعني سحب تركيزات الانبعاثات من الغلاف الجوي دون ضخ انبعاثات جديدة.
5 عتبات طبيعية
ووفقاً لتقرير نقاط التحوّل العالمية، وهو أول تقرير من نوعه، هناك 5 عتبات طبيعية مهمة معرضة بالفعل للتجاوز، وربما يتم الوصول إلى ثلاث عتبات أخرى في ثلاثينيات القرن الحالي إذا ارتفعت حرارة العالم بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق درجات حرارة ما قبل حقبة الثورة الصناعية.
ونقاط التحوّل الرئيسية الخمس التي نقترب من عبورها؛ هي فقدان الغطاء الجليدي في جرينلاند، وزوال الغطاء الجليدي في غرب القطب الجنوبي، وموت الشعاب المرجانية الاستوائية، والذوبان المفاجئ لمناطق واسعة من التربة الصقيعية في القطب الشمالي، وذوبان الجليد في القطب الشمالي، علاوة على تباطؤ تيار المحيط المعروف باسم دوامة شمال الأطلسي تحت القطبية.
على سبيل المثال، ربما يؤدي انهيار دوامة شمال الأطلسي إلى جانب الاحترار العالمي إلى فقدان نصف المساحة العالمية لزراعة القمح والذرة. وسيكون الضرر الكامل الناجم عن نقاط التحول السلبية أكبر بكثير من تأثيرها الأولي.
وستتعاقب الآثار من خلال النظم الاجتماعية والاقتصادية، ويمكن أن تتجاوز قدرة بعض البلدان على التكيف.
ويظهر تقرير نقاط التحول السلبية أن التهديد الذي تشكله الأزمة المناخية والبيئية أشد بكثير مما هو مفهوم بشكل عام وهو بحجم لم تواجهه البشرية من قبل.
وفي الوقت الحالي، وبحسب "لينتون"، لا توجد حوكمة عالمية كافية على نطاق التهديدات التي تفرضها نقاط التحول السلبية.
"مسار كارثي"
وقال التقرير إن العالم يسير على ما وصفه بـ"مسار كارثي"؛ إذ يمكن أن يؤدي عبور نقطة تحول ضارة إلى إطلاق نقاط أخرى، ما يتسبب في "تأثير الدومينو" المتمثل في التغيير المتسارع وغير القابل للإدارة في أنظمة دعم الحياة لدينا. وينبغي أن يصبح منع عبور تلك النقاط الهدف الأساسي لإطار جديد للحوكمة العالمية.
إلا أن التقرير يعود، ويؤكد أن الوقاية ممكنة "فقط إذا تم تحويل المجتمعات والأنظمة الاقتصادية للحد بسرعة من الانبعاثات واستعادة الطبيعة".
وبحسب التقرير، لم يعد النهج الحالي للتغيير التدريجي الخطي الذي يفضله العديد من صانعي القرار خياراً، إذ تحتاج مؤسسات الحوكمة القائمة ونهج صنع القرار إلى التكيف لتيسير التغيير التحويلي.
ومن الأمور الحاسمة لتحقيق هذا التغيير التحويلي فرض نقاط التحول الإيجابية، حيث تصبح التغييرات المرغوبة في المجتمع ذاتية الدفع. ويمكن للإجراءات المتضافرة أن تهيئ الظروف المواتية لإحداث تحول سريع وواسع النطاق.
تشمل الأمثلة الحديثة على نقاط التحول الإيجابية الزيادات الهائلة في استخدام الكهرباء المتجددة، والوصول العالمي لحركات العدالة البيئية، وتسريع طرح السيارات الكهربائية.
ولفت التقرير إلى أنه حتى مع اتخاذ إجراءات عالمية عاجلة "قد تكون بعض نقاط التحوّل في نظام الأرض أمراً لا مفر منه"، لكن "لا يزال التخفيف من المخاطر ممكناً عن طريق الحد من الضعف".
ويقول بعض العلماء إن أهداف الانبعاثات لعام 2030 تضع الكوكب على المسار الصحيح لارتفاع درجة الحرارة إلى 2.5 درجة مئوية بحلول نهاية القرن، على الرغم من الوعود التي قطعتها الدول في قمة سابقة بمحاولة الحد من الحرارة إلى 1.5 درجة مئوية.
استراتيجية معالجة شاملة
وحدد التقرير استراتيجية شاملة لمعالجة نقاط التحول في نظام الأرض، والتخفيف من تأثير تغير المناخ، مؤكداً على ضرورة تقليل انبعاثات الوقود الأحفوري في جميع أنحاء العالم قبل عام 2050، والحاجة إلى تحولات سريعة في ممارسات استخدام الأراضي نحو الاستعادة البيئية.
وإدراكاً لحتمية حدوث بعض نقاط التحول في نظام الأرض، يقول التقرير إن تعزيز التكيف، وحوكمة الخسائر، والأضرار أمور هامة لمعالجة أثار التحول.
واقترح التقرير دمج اعتبارات نقاط التحول لنظام الأرض في التقييم العالمي، والمراجعات المستقبلية للمساهمات المحددة وطنياً لتقييم التقدم ودمج استراتيجيات الوقاية والإدارة وتعزيز نقاط التحول الإيجابية، علاوة على الحاجة إلى عمل منسق عبر مختلف القطاعات لإحداث تغييرات إيجابية، مع التركيز على مجالات مثل القطاعات ذات الانبعاثات العالية لبدء سلسلة من التطورات الإيجابية.
وطالب معدو التقرير بتنسيق قمة عالمية من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، لمعالجة استراتيجيات الإدارة لإدارة نقاط التحول في نظام الأرض، وتعزيز التنسيق بين الحكومات والصناعات والمجتمع المدني علاوة على الاستثمار في تحسين المعرفة العلمية، ومراقبة نقاط التحول، وتعزيز عملية المشاركة بين العلوم والسياسات.
ودعوا إلى إعداد تقرير خاص للفريق الحكومي الدولي المعني بتغير المناخ بشأن النقاط الحرجة لتسهيل العمل على أساس النتائج العلمية.