توصلت دراسة حديثة إلى فهم عملية المشي عند الإنسان وتطورها خلال ملايين السنوات، عبر فحص الأذن الداخلية للرئيسيات القديمة المنقرضة.
واستخدم فريق من العلماء في الدراسة التي نُشرت في دورية "ذا انوفيشين The Innovation"، فحوصات مقطعية ثلاثية الأبعاد للأذن الداخلية العظمية لجمجمة نوع من الرئيسيات القديمة، والتي تُعرف باسم "لوفينجبيثيكوس" (Lufengpithecus).
وعاش Lufengpithecus خلال عصر الميوسين، منذ ما بين 23 و5 ملايين سنة.
وعثر العلماء على هذه الرئيسيات في المقام الأول في شرق آسيا، في منطقة تعرف الآن بمقاطعة يونان في جنوب غرب الصين؛ ويُعتقد أنه يرتبط ارتباطاً وثيقاً بأسلاف القردة العليا الحديثة، وأيضاً بالبشر.
وتمتلك هذه الرئيسيات مجموعة من السمات التشريحية التي تشير إلى مزيج من الحركة الشجرية والأرضية، بما في ذلك الأذرع الطويلة المناسبة للتسلق وعظام الأطراف القوية نسبياً.
وركزت معظم الدراسات السابقة التي بحثت تطور الرئيسيات، على عظام الأطراف والكتفين والحوض والعمود الفقري وارتباطاتها بمجموعة السلوكيات الحركية التي شوهدت في القردة والبشر الأحياء، لكن الباحثين في الدراسة الجديدة استخدموا منهجاً مبتكراً يركز على دراسة الأذن الداخلية؛ وتحديداً القنوات الداخلية نصف الدائرية.
وأوضحت الدراسة أن القنوات نصف الدائرية، الموجودة في الجمجمة بين الدماغ والأذن الخارجية، ضرورية لإحساس الإنسان بالتوازن والموقع عندما يتحرك، كما أنها توفر عنصراً أساسياً في الحركة ربما لا يعرفه معظم الناس، فضلاً عن أن شكل القنوات نصف الدائرية له علاقة بكيفية تحرك الثدييات، بما في ذلك القردة والبشر، في بيئتها.
فحص الجمجمة والأذن لكشف كيفية الحركة
وباستخدام تقنيات التصوير الحديثة، درس العلماء التفاصيل التشريحية للقنوات نصف الدائرية للكشف عن الكيفية التي تحرك بها "لوفينجبيثيكوس" ومقارنتها بالقردة الحديثة.
وباستخدام الشجرة التطورية للقردة لتحليل ومقارنة حجم وشكل القنوات نصف الدائرية والسمات ذات الصلة بالأذن الداخلية، حدد الباحثون عدة نقاط رئيسية في التاريخ التطوري لحركة القرود.
ومن هذه المقارنة، يعتقد الباحثون أن 3 مراحل أدت إلى تطور المشي على قدمين لدى الإنسان، تمثلت المرحلة الأولى في تحرك القرود بين الأشجار بأسلوب مشابه لكيفية تأرجح قردة "الجيبون" بين الأشجار حالياً؛ إذ تعتمد تلك القردة على يديها للتوازن في غالب الأمر؛ وتستخدم الأقدام للتأرجح وإعطائها دفعات تُمكنها من التحرك بين الأغصان.
وفي المرحلة الثانية؛ استخدم آخر سلف مشترك لكل من القردة والبشر مزيجاً من التسلق، والمشي على 4 أطراف أثناء وجوده على الأرض، واستخدام طرفين فقط في الأشجار للتجول، وفق الدراسة.
وفي وقت لاحق، انحرفت السلالة البشرية عن الرئيسيات مع اكتساب القدرة على المشي على قدمين، كما ظهر في حفرية "أسترالوبيثكس" وهو سلف بشري مبكر من أفريقيا.
وذكرت الدراسة أن "التنوع الملحوظ في الأنماط الحركية الموجودة في القردة الأحفورية وأقاربها الأحياء كان جانباً مهماً من نجاح الرئيسيات لملايين السنين في أوراسيا وإفريقيا، مشيرة إلى أنه بعد ذلك طورت سلالة متخصصة من القرود الإفريقية في وقت لاحق نمطاً فريداً من الحركة على قدمين أدى في النهاية إلى ظهور البشر".
ويعتقد العلماء أن التغيرات المناخية ربما كانت حافزاً بيئياً مهماً لكيفية تطور القردة وطرق مشيها، فقبل نحو 3.2 مليون سنة؛ بدأت الصفائح الجليدية بالتشكل في نصف الكرة الشمالي، وبدأت درجات الحرارة في الانخفاض.
ويقول الباحثون إن هذه التغيرات البيئية مع زيادة طفيفة في انحناء عظام الأذن الداخلية.