الروبوتات الحيوية تخلق تحديات أخلاقية فريدة

time reading iconدقائق القراءة - 9
البروفيسور هيو هير رئيس مجموعة أبحاث الميكاترونيات الحيوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وسط عرض لأطراف صناعية في ماساتشوستس، الولايات المتحدة، 17 أبريل 2014 - REUTERS
البروفيسور هيو هير رئيس مجموعة أبحاث الميكاترونيات الحيوية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وسط عرض لأطراف صناعية في ماساتشوستس، الولايات المتحدة، 17 أبريل 2014 - REUTERS
القاهرة-محمد منصور

يُمثّل تطوير الروبوتات الحيوية قفزة كبيرة في مجال "البيولوجيا التركيبية" والروبوتات، فعلى عكس الروبوتات التقليدية المصنوعة من مواد غير عضوية، تستفيد الروبوتات من الخصائص الجوهرية للأنسجة البيولوجية، ما يسمح بتصنيع آلات أكثر قدرة على التكيف والمرونة.

وعلى الرغم من أن الدمج بين البيولوجيا والتكنولوجيا لديه القدرة على إحداث ثورة في مختلف الصناعات، إلا أنه يتطلب معالجة بعض التحديات الأكثر إلحاحاً التي تواجه البشرية.

ومع تقدُّم الروبوتات الحيوية المبتكرة، المكونة من خلايا حية، في القدرات والتطبيقات المحتملة، من الضروري وضْع لوائح قوية والمشاركة في النقاش العام للتغلب على التعقيدات والآثار المترتبة على هذه التكنولوجيا الرائدة.

ويدعو باحثون في دراسة جديدة منشورة بدورية وقائع الجمعية الأميركية للعلوم، لتطوير مجموعة من القواعد الأخلاقية للروبوتات الحيوية الهجينة.

وحدد فريق متعدد التخصصات القضايا الأخلاقية الفريدة التي تطرحها هذه التكنولوجيا، ويقولون إن الجمع بين المواد الحية والكائنات الحية مع المكونات الروبوتية الاصطناعية يبدو وكأنه شيء من الخيال العلمي "ولكن هذا المجال الناشئ يتقدم بسرعة".

الروبوتات الهجينة

ويمكن للروبوتات الحيوية الهجينة التي تستخدم العضلات الحية أن "تزحف، وتسبح، وتقبض، وتضخ، وتستشعر محيطها"، كما أن أجهزة الاستشعار المصنوعة من الخلايا الحسية أدت لتحسين الاستشعار الكيميائي، وتم استخدام الخلايا العصبية الحية للتحكم في الروبوتات المتنقلة.

وقال رافائيل ميستري من جامعة ساوثهامبتون البريطانية، والمتخصص في التقنيات الناشئة والمؤلف الرئيسي المشارك لهذه الورقة البحثية إن "التحديات في الإشراف على الروبوتات الحيوية الهجينة لا تختلف عن تلك التي نواجهها في تنظيم الأجهزة الطبية الحيوية، والخلايا الجذعية، وغيرها من التقنيات التخريبية".

وأضاف ميستري: "ولكن على عكس التقنيات الميكانيكية أو الرقمية البحتة، تمزج الروبوتات الحيوية الهجينة بين المكونات البيولوجية والاصطناعية بطرق غير مسبوقة. وهذا يُمثّل فوائد محتملة وفريدة من نوعها، ولكنه يُمثّل أيضاً مخاطر محتملة".

وفي حين أن الفوائد المحتملة للروبوتات الحية هائلة، إلا إن تطويرها يثير أيضاً قضايا أخلاقية وتنظيمية بالغة الأهمية، فالتلاعب بالخلايا الحية لإنشاء كائنات مستقلة يتحدى فهمنا للحياة والوضع الأخلاقي لهذه الكيانات.

وعلى الرغم من الزيادة الكبيرة في المنشورات البحثية المتعلقة بالروبوتات الحيوية الهجينة على مدى العقد الماضي، فقد لاحظ المؤلفون أنه من بين أكثر من 1500 منشور حول هذا الموضوع في ذلك الوقت، فإن 5 فقط تناولت بعمق آثارها الأخلاقية.

حماية الخصوصية

وحدد مؤلفو الورقة البحثية 3 مجالات تمثل فيها الروبوتات الحيوية الهجينة قضايا أخلاقية فريدة من نوعها.

التفاعل

وقال الباحثون إن المجال الأول للاهتمام الأخلاقي هو التفاعل، ويتعلق هذا المجال بكيفية تفاعل الروبوتات الحيوية الهجينة مع البشر وبيئاتهم.

وأضاف الباحثون أن هناك ضرورة للتأكد من أن التفاعلات بين الروبوتات الحيوية الهجينة والبشر آمنة، سواء من ناحية السلامة الجسدية، والنفسية من الخوف أو الانزعاج المحتمل.

وتساءل الباحثون في الدراسة عن العواقب البيئية لنشر الروبوتات الحيوية الهجينة في البيئات الطبيعية، إذ يُعد التأكد من أنها لا تعطل النظم البيئية أو تُلحق الضرر بالحياة البرية أمراً بالغ الأهمية.

ومع تزايد اندماج الروبوتات الحيوية في الحياة اليومية، أشار الباحثون إلى أن دراسة الكيفية التي نحمي بها خصوصية الأفراد، خاصة إذا كانت هذه الروبوتات تتمتع بقدرات حسية يمكنها مراقبة المعلومات الشخصية أو تسجيلها، يجب أن تكون أولوية في المستقبل.

وتتطلب معالجة هذه المخاوف إجراء اختبارات صارمة، ومعايير تنظيمية واضحة، ومراقبة مستمرة لضمان أن نشْر الروبوتات الحيوية الهجينة لا يشكل مخاطر غير مقصودة على البشر أو البيئة.

استيعاب الروبوتات

أما المجال الثاني الذي يثير الاهتمام الأخلاقي هو التكامل، والذي يدرس كيف وما إذا كان البشر قد يتمكنون من استيعاب الروبوتات الحيوية الهجينة، مثل الأعضاء أو الأطراف الآلية الحيوية.

وهذا ينطوي على عدة اعتبارات حاسمة، مثل مدى تكامل الروبوتات الحيوية الهجينة مع الأنظمة البيولوجية البشرية، والتأكد من أن هذه الأجهزة متوافقة حيوياً ولا تسبب ردود فعل سلبية، أمراً ضرورياً لاستخدامها الآمن.

وطرح الباحثون تساؤلات عن إمكانية الوصول والإنصاف، فمن سيتمكن من الوصول إلى هذه التقنيات الحيوية الهجينة المتقدمة؟ ولفتت الدراسة إلى أن ضمان الوصول العادل إلى التحسينات الروبوتية الحيوية وتجنُّب الفوارق الاجتماعية والاقتصادية يُعد تحدياً أخلاقياً كبيراً.

وبحسب الدراسة، فإن ضمان أن تطوير وتطبيق الروبوتات الحيوية الهجينة يسترشد بمبادئ العدالة والإنصاف واحترام الكرامة الإنسانية أمر بالغ الأهمية مع تزايد انتشار هذه التقنيات.

سلوكيات مستقلة

أما المجال الثالث الذي يثير الاهتمام الأخلاقي هو الوضع الأخلاقي للروبوتات الهجينة الحيوية، ويتضمن هذا تحديد الاعتبارات الأخلاقية لهذه الكيانات، والتي في جزء منها بيولوجية وجزئية ميكانيكية.

فهل تمتلك الروبوتات الحيوية الهجينة قيمة جوهرية؟ وإذا كان الأمر كذلك، ما هو مستوى الاعتبار الأخلاقي الذي تستحقه؟ يصبح هذا السؤال ذا أهمية خاصة بالنسبة للروبوتات الحيوية الهجينة التي تظهر سلوكيات مستقلة أو تمتلك قدرات حسية.

وأكد الباحثون أن معالجة الوضع الأخلاقي للروبوتات الهجينة الحيوية يتطلب اتباع نهج متعدد التخصصات، يشمل العلماء، وصناع السياسات، وعامة الناس لوضع مبادئ توجيهية شاملة تحترم الطبيعة الفريدة لهذه الكيانات.

وفي سلسلة من تجارب المحاكاة، وصف المؤلفون سيناريوهات مثل استخدام روبوت حيوي لتنظيف المحيطات، ما قد يؤدي إلى تعطيل السلسلة الغذائية، وذراع روبوتية هجينة بيولوجية تؤدي إلى تفاقم عدم المساواة، ومساعدين هجينين حيويين متطورين بشكل متزايد يثيرون تساؤلات حول القيمة الشعورية والأخلاقية.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة أنيبال أستوبيزا، من جامعة إقليم الباسك في إسبانيا، إن الروبوتات الهجينة الحيوية تخلق معضلات أخلاقية فريدة من نوعها، مضيفاً أن "الأنسجة الحية المستخدمة في تصنيعها، وإمكانية الإحساس، والتأثير البيئي المتميز، والحالة الأخلاقية غير العادية، والقدرة على التطور البيولوجي أو التكيف تخلق معضلات أخلاقية فريدة تمتد إلى ما هو أبعد من تلك الخاصة بالتقنيات الاصطناعية أو البيولوجية بالكامل".

تقاسم المسؤولية

من جهته، قال المؤلف المشارك للورقة البحثية وعالم السياسة بجامعة ساوثمبتون مات رايان، إنه إذا ما كانت المناقشات حول الخلايا الجذعية الجنينية أو الاستنساخ البشري أو الذكاء الاصطناعي قد علمتنا شيئاً ما، فهو أن البشر نادراً ما يتفقون على الحل الصحيح.

ولفت رايان إلى أنه "بالمقارنة مع التقنيات ذات الصلة مثل الخلايا الجذعية الجنينية أو الذكاء الاصطناعي، تطورت الروبوتات الحيوية الهجينة دون اهتمام نسبياً من قِبَل وسائل الإعلام والجمهور وصانعي السياسات، نريد أن يتم تضمين الجمهور في هذه المحادثة لضمان اتباع نهج ديمقراطي لتطوير هذه التكنولوجيا وتقييمها الأخلاقي".

وبالإضافة إلى الحاجة إلى إطار للحوكمة، حدد المؤلفون الإجراءات التي يمكن لمجتمع البحث اتخاذها الآن لتوجيه أبحاثهم.

فيما قالت مهندسة الميكانيكا الحيوية بجامعة كارنيجي ميلون الأميركية فيكتوريا وود: "لا ينبغي النظر إلى اتخاذ هذه الخطوات على أنها توجيهية بأي شكل من الأشكال، بل باعتبارها فرصة لتقاسم المسؤولية، وإزاحة ثقل عن كاهل الباحثين".

وتطورت الأبحاث في مجال الروبوتات الحيوية الهجينة في اتجاهات مختلفة، وبالتالي فالعلم بحاجة إلى توحيد الجهود لإطلاق العنان لإمكاناتها بالكامل.

ويوفر تطوير الروبوتات الحيوية الهجينة إمكانيات مثيرة للتقدم التكنولوجي وتعزيز رفاه الإنسان.

وقال الباحثون إن وجود هذه الروبوتات في حياتنا يطرح تحديات أخلاقية فريدة يجب معالجتها لضمان الابتكار المسؤول.

وبحسب الباحثين، هناك حاجة لتطوير أطر أخلاقية تُوجّه عملية تطوير واستخدام الروبوتات الهجينة الحيوية بطريقة تحترم كرامة الإنسان، وتعزز العدالة، وتحمي البيئة للتغلب على تعقيدات هذا المجال الناشئ وتسخير إمكاناته لتحقيق الصالح العام.

تصنيفات

قصص قد تهمك