
انطلق قبل لحظات، في تمام الساعة 01:58 بعد منتصف الليل بتوقيت دبي، مسبار "الأمل" الإماراتي إلى كوكب المريخ، بعد أول عدّ تنازلي باللغة العربية في تاريخ استكشاف الفضاء.
وبهذا الإطلاق، تصبح الإمارات أول بلد عربي يشرع في مهمة إلى الكوكب الأحمر لاستكشاف مناخه، في حدث تاريخي يدخلها أحد أكثر نوادي دول العالم خصوصية.
وعلا التصفيق في المركز الفضائي في دبي ما إن انطلق الصاروخ من مركز تانيغاشيما الفضائي الياباني حاملاً مسبار "الأمل"، في رحلة تاريخية هي الأولى لدولة عربية تهدف إلى استكشاف أجواء الكوكب الأحمر.
وقالت سارة الأميري نائبة رئيس المشروع ووزيرة الدولة لشؤون العلوم المتقدمة، في مقابلة تلفزيونية: "إنه شعور لا يوصف.. هذا مستقبل الإمارات".
وكتبت وكالة الأنباء الإماراتية الحكومية: "ينطلق مسبار الأمل ويتحقق الحلم وتعانق أحلامنا عنان الفضاء".
وفي وقت سابق، عُرض على برج خليفة، أطول مبنى في العالم، عدّ تنازلي رمزي قبل ساعات من انطلاق المسبار الذي يشرف عليه مركز محمد بن راشد للفضاء في دبي، حيث علا التصفيق ما إن انطلق الصاروخ، قبل أن يعمّ الهدوء بانتظار لحظة الانفصال.
وقالت الحكومة الإماراتية في تغريدة إنها "رسالة فخر وأمل وسلام إلى المنطقة العربية نجدّد بها العصر الذهبي للاكتشافات العربية والإسلامية".
وكان من المقرّر أن يقلع مسبار "الأمل" الآلي من المركز الياباني في 15 يوليو لكن جرى تأجيل الإطلاق مرتين بسبب سوء الأحوال الجوية.
وسيستغرق "الأمل" 7 أشهر للسفر مسافة 493 مليون كيلومتر إلى المريخ، ليبلغ هدفه في 2021 تزامناً مع احتفال الإمارات بمرور 50 عاماً على قيام الدولة الموحّدة.
وقال فريق عمل المهمة على تويتر "إنها لحظة تاريخية للعالم العربي والإنسانية".
وستنقل 3 وسائل تقنية مثبتة على المسبار صورة كاملة عن أجواء الكوكب الأحمر طوال السنة المريخية. أولى هذه الوسائل مختصة بالأشعة تحت الحمراء لقياس الغلاف الجوي السفلي وتحليل هيكل درجة الحرارة، والثانية عبارة عن جهاز تصوير عالي الدقة يوفّر معلومات حول مستويات الأوزون. أما الثالثة، فهي مقياس فوق بنفسجي لقياس مستويات الأوكسيجين والهيدروجين من مسافة تصل إلى 43 ألف كيلومتر من السطح.
ترقّب وحماسة
من المتوقع أن ينفصل المسبار عن صاروخ الإطلاق بعد نحو ساعة، لتبدأ "الإثارة الحقيقية"، بحسب مسؤولين إماراتيين.
وقالت نائبة مدير مشروع بعثة المريخ ووزيرة الدولة لشؤون العلوم المتقدمة، سارة الأميري، لوكالة الصحافة الفرنسية: "أتطلّع إلى أول 24 ساعة بعد الانفصال، وهنا سنرى نتائج عملنا.. عندما نحصل على الإشارة للمرة الأولى، عندما نتأكد أن كل جزء من المركبة الفضائية يعمل، عندما يتمّ نشر الألواح الشمسية، عندما نصل إلى مسارنا ونتجّه نحو المريخ".
وعشية موعد الإطلاق، قال رئيس بعثة منصة "ميتسوبيشي" كيجي سوزوكي، إن "الطقس يزداد سوءاً.. وهناك احتمال للبرق في توقعات ليلة الغد حتى ساعات إطلاق اليوم التالي".
ورغم ذلك، شدّد على أن التوقعات الحالية "لا تنذر بعواصف رعدية شديدة على طول الطريق، لذا فإن تقييمنا الحالي هو أن هناك فرصة للإطلاق" في الموعد المحدّد مسبقاً.
طموحات إماراتية
وحدها الولايات المتحدة والهند والاتحاد السوفياتي السابق ووكالة الفضاء الأوروبية نجحت في إرسال بعثات إلى مدار الكوكب الأحمر، في حين تستعدّ الصين لإطلاق أول مركبة فضائية للمريخ في وقت لاحق من هذا الشهر.
وتطمح الإمارات للانضمام إلى صفوف هذه الدول في أول خطوة من نوعها في العالم العربي.
وفي حين أن هدف المهمة تقديم صورة شاملة عن ديناميكيات الطقس في أجواء الكوكب وتمهيد الطريق لتحقيق اختراقات علمية، فإن المسبار جزء لهدف أكبر، هو بناء مستوطنة بشرية على المريخ خلال المئة عام المقبلة.
وقال مدير مشروع الإمارات لاستكشاف المريخ عمران شرف "إذا كان باستطاعتنا دعم وبناء تقنية قادرة على وضع الإنسان الأول على كوكب المريخ والبقاء هناك، فيمكن بالتأكيد استخدام هذه التكنولوجيا على الأرض ومساعدة البشرية في المناطق ذات البيئة القاسية".
وتابع: "لدينا استراتيجية للمساهمة في الجهد العالمي في تطوير التقنيات والعمل العلمي والتي ستساعد يوماً ما إذا قرّرت البشرية وضع إنسان على كوكب المريخ".
"جسر للمستقبل"
ويعدّ الاستكشاف جزءاً من استراتيجية طويلة المدى في دبي، في سياق عمل الإمارة على مسار يتجاوز صناعة النفط، إلى جانب نجاحها كمركز للسياحة والمصارف والخدمات.
وكان المدير العام لـ"وكالة الإمارات للفضاء"، محمد الأحبابي، صرح قبل أيام أن "الإمارات اكتشفت أن الفضاء مهم للغاية من أجل تنميتنا واستدامتنا. إنه جسر للمستقبل".
وفي الفترة التي سبقت المهمة، أعلنت الإمارات أنها تفتح أبوابها للعرب في أنحاء المنطقة كافة للمشاركة في برنامج فضائي مدّته 3 سنوات.
ووظّفت دبي مهندسين وتقنيين لتصوّر كيف يمكن أن تُبنى مدينة على الكوكب الأحمر، ومن ثم إعادة إنشائها في صحراء الإمارة باسم "مدينة المريخ للعلوم" بتكلفة تبلغ نحو 500 مليون درهم (135 مليون دولار).
أبواب الفرص
وفي سبتمبر الماضي، أصبح هزّاع المنصوري أول رائد فضاء إماراتي، وكان ضمن فريق مكوّن من 3 أفراد انطلقوا من كازاخستان نحو محطة الفضاء الدولية، وعادوا بعد مهمة استغرقت 8 أيام. وأصبح المنصوري أول عربي يزور محطة الفضاء الدولية.
وبفعل التشابه الكبير مع الأرض في بداياتها، يبقى المريخ المكان الوحيد في الكون حيث يمكن للبشر إيجاد آثار محتملة لحياة في الماضي السحيق خارج كوكبهم. وتفتح أنشطة استكشاف الكوكب الأحمر آفاقاً واعدة أكثر من أي وقت مضى منذ بدايتها في عام 1960.
وهناك 3 مهمات نحو المريخ، هي إضافة إلى المهمة الإماراتية، واحدة من الصين وأخرى من الولايات المتحدة، تستفيد هذا الصيف من تموضع فضائي مناسب لإرسال دفعة جديدة من آليات البحث إلى المدار أو إلى سطح هذا الكوكب الأكثر استقطاباً للاهتمام في المجموعة الشمسية.