
تصاعد الجدل في مصر بشأن منصة الفيديوهات القصيرة "تيك توك"، بعد تحركات مكثفة من السلطات المصرية لمواجهة انتشار المحتوى الذي وصفته بـ"المخالف للآداب العامة"، وصلت إلى فتح تحقيقات مع عدد من صناع المحتوى، وسط مطالب بحظر المنصة الصينية في البلاد.
رئيس لجنة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بمجلس النواب المصري، النائب أحمد بدوي، كشف عن مهلة 65 يوماً تبدأ من 3 أغسطس الجاري، بعد تقديم عدة بلاغات من قبل محامين ضد المنصة والمحتوى المنشور داخلها.
وقال بدوي إن "ملف السوشيال ميديا يلقى اهتماماً كبيراً على المستويين التشريعي والتنفيذي، لمواجهة السلبيات والجرائم الإلكترونية بكافة أشكالها"، لافتاً إلى أن "الدليل على هذه الجرائم هو ضبط أكثر من 65 شخصاً متهمين بنشر محتويات مخالفة للقانون".
وأشار رئيس لجنة الاتصالات إلى أن بعض التقارير رصدت استخدام "تيك توك" كوسيلة لغسل الأموال من خلال التربح غير المشروع من البث المباشر والهدايا الرقمية، ما يفتح الباب أمام أنشطة مالية مشبوهة دون رقابة واضحة.
ويأتي السوق المصري في المركز التاسع عالمياً من حيث عدد المستخدمين، بإجمالي 41.3 مليون مستخدم، وهذا العدد يتضمن فقط المستخدمين ممن يزيد عمرهم عن 18 عاماً، وفقاً لإحصائيات المنصة في يناير الماضي.
وعند مقارنة عدد مستخدمي "تيك توك" في مصر بإجمالي عدد مستخدمي الإنترنت، والبالغ 96.3 مليون مستخدم وفق إحصاء فبراير 2025، سنجد أن قرابة نصف المستخدمين في الداخل المصري يتواجد على منصة الفيديوهات القصيرة.
أرباح مالية ضخمة
ومنذ إطلاقها في 2019، حققت تيك توك انتشاراً كبيراً بين المستخدمين المصريين، عندما كانت البداية عبر تقليد الرقصات والحركات المضحكة على بعض الأغاني والمقاطع الموسيقية، ولكن سرعان ما تغير المحتوى وأصبح أكثر إثارة للجدل.
وشهدت المدارس المصرية، في السنوات الماضية، عدة وقائع مثيرة للجدل نتيجة انتشار تحديات خطيرة على "تيك توك"، ما دفع وزارة التربية والتعليم والجهات المعنية إلى إصدار تحذيرات، وتبني إجراءات توعوية للحد من هذه الظاهرة.
من أبرز هذه الوقائع، تحدّي Blackout Challenge (تحدّي الإغماء)، الذي انتشر عبر مقاطع مصوّرة لفتيات بملابس مدرسية يقمن بحبس أنفاسهن حتى الإغماء، ثم يستيقظن بمساعدة زميلاتهن. وأثار هذا التحدّي حالة من القلق بين أولياء الأمور وإدارات المدارس، خاصة مع رصده في بعض المدارس الخاصة، مما استدعى تحذيرات رسمية.
وفي عام 2020، حذرت السلطات المصرية من تحدّي Skullbreaker (تكسير الجمجمة)، والذي يقوم فيه 3 طلاب بإجبار الثالث على القفز ثم دفعه أثناء القفز ليرتطم بالأرض، ما قد يؤدي لإصابات بالغة في الرأس أو العمود الفقري. وقد لقي هذا التحدّي رفضاً واسعاً بسبب خطورته الشديدة.
كما وقعت حادثة مأساوية في ديسمبر 2022، حين شارك طالب يبلغ من العمر 13 عاماً، في تحدّي Throw Your Friend (إلقاء صديقك)، فسقط على رأسه، ما تسبب في انفصال بالعمود الفقري والإصابة بالشلل الجزئي. وأثارت هذه الحادثة موجة غضب، ودعا نواب في البرلمان إلى حظر أو تقييد "تيك توك" بين الطلاب.
وزاد احتقان مستخدمي المنصة في مصر، مؤخراً، بسبب تدني مستوى المحتوى المقدم عبر "تيك توك"، خاصة ما يُقدم من تحديات في عروض البث المباشر، ويبدأ المتابعون في تقديم المكافآت الرقمية، والتي يمكن تحويلها إلى مبالغ مالية يصل إجماليها إلى ملايين الجنيهات.
ولكي يشجع صناع المحتوى متابعيهم على الإغداق عليهم بالجوائز، تحتد المنافسة في مدى جدلية التحديات وما يقومون به من تصرفات في العروض المباشرة، فعلى سبيل المثال جمعت صانعة محتوى تُدعى "سوزي الأردنية" قرابة مليون جنيه مصري، خلال عرض مباشر بعد تحقيقها مجموع 50% في مرحلة الثانوية العامة.
كيف يمكن حظر "تيك توك"؟
تعتمد فكرة استخدام الخدمات الرقمية والتطبيقات والمواقع في مصر على اتصال الأجهزة الإلكترونية من الهواتف والحواسيب بشبكة الإنترنت، من خلال إرسال تلك الأجهزة طلبات للحصول على المعلومات في صورة حزمات بيانية، لترد تلك الخدمة عليها بالمعلومات المطلوبة، وذلك يتمثل في عرض محتوى المواقع والتطبيقات أمام المستخدم على أجهزته.
الوصول إلى خدمة أو تطبيق أو موقع إلكتروني يسهل حجبه من خلال إضافة عناوين التعريف الرقمي IP Addresses لتلك الخدمة إلى قائمة الحجب، أو أن يتم حجب عنوان الموقع أو الخدمة نفسها URL، وبالتالي عندما تحاول أجهزة المستخدمين من الحواسيب أو الهواتف الوصول إلى تلك الخدمات، لن يتم تمرير طلباتها من خلال أنظمة مقدمي خدمات الإنترنت إلى الشبكة العنكبوتية الدولية.
يُذكر أن" تيك توك" قد واجه الحجب نتيجة مزيج من المخاوف الأمنية والاجتماعية، مثل ما تواجهه المنصة في الولايات المتحدة وكندا والاتحاد الأوروبي، بينما اتخذت دول مثل الهند وألبانيا ونيبال والأردن قرارات بالحجب الشامل، بسبب مخاطر على المراهقين وانتشار محتوى مضر أو التحريض على العنف، بينما في باكستان والسنغال والصومال، ارتبط الحجب بمخاوف أخلاقية ومعلومات مضللة، في حين علّلت أفغانستان الحظر بالرغبة في "حماية الشباب" من التأثيرات السلبية.
أما في مصر، فمستقبل "تيك توك" مرهون بمدى قدرة المنصة على ضبط المحتوى الموجه للمراهقين، خصوصاً في ظل الحوادث التي شهدتها المدارس، مؤخراً، بسبب تحديات خطيرة.
ومع تنامي النقاشات حول السلامة الرقمية وحقوق البيانات، من المتوقع أن تتجه السلطات نحو تشديد الرقابة وربما فرض قيود جزئية أو شروط تنظيمية صارمة بدل الحجب الكامل، مع تعزيز برامج التوعية في المدارس والمجتمع لتقليل المخاطر.