
أفادت تقارير بأن شركة سامسونج أكملت تطوير معالجها الجديد Exynos 2600، وتعتزم بدء إنتاجه التجاري هذا الشهر، ما يعزز التوقعات باستخدامه في سلسلة هواتف Galaxy S26 المرتقبة العام المقبل، ويزيد من حجم التنافس مع شركة TSMC التايوانية.
ويُعد Exynos 2600 أول معالج من سامسونج يُصنّع باستخدام تقنية Gate-All-Around (GAA) بدقة 2 نانومتر، ما يجعله عاملاً مهماً في تحديد موقع الشركة ضمن المنافسة العالمية في قطاع أنظمة أشباه الموصلات وتصنيع الشرائح، وفق موقع FNN الكوري الجنوبي.
وأظهرت نتائج اختبار الأداء على منصة Geekbench أن معالج سامسونج الجديد يتفوق من حيث السرعة على كل من Snapdragon 8 Elite من كوالكوم، وA19 Pro من أبل المستخدم في سلسلة iPhone 17.
ويتميز المعالج الجديد بتحسينات كبيرة في كفاءة الطاقة وإدارة الحرارة، بفضل تقنية Heat Pass Block (HPB) الجديدة، ما يعزز من استقراره وأدائه.
منافسة بين كوريا الجنوبية وتايوان
وبينما لا تتوقع شركة TSMC التايوانية، المصنعة الأولى للرقائق في العالم، بدء إنتاج رقائقها بتقنية 2 نانومتر قبل الربع الأخير من العام الجاري، بحسب "رويترز"، فإن ذلك قد يمنح سامسونج أفضلية زمنية لاجتذاب عملاء كبار مثل كوالكوم وNVIDIA، خصوصاً إذا رفعت الشركة الكورية الجنوبية معدل ما تحصده من شرائح المعالجات الناتجة عن تصنيع رقائق السيليكون (Yield)، إلى جانب اتجاهها لطرح رقائقها بسعر تنافسي، في ظل تقارير تتحدث عن وصول سعر رقاقة TSMC بتقنية 2 نانومتر إلى نحو 30 ألف دولار للرقاقة الكاملة الواحدة.
ويُقصد بمعدل الحصد (Yield rate) عدد شرائح المعالجات الصغيرة التي تنتج من تقسيم رقاقات السيليكون الكاملة الكبيرة، وكلما زاد هذا المعدل، ارتفع معدل الإنتاجية والربحية، وكذلك يتعزز الوضع السوقي لمصنّعة الرقائق، ما يجعلها جاذبة للعملاء من الشركات لأن تكلفة الإنتاج تكون أقل.
ما معنى "نانومتر" في تصنيع الرقائق؟
النانومتر هو وحدة قياس صغيرة جداً تُستخدم في صناعة الرقائق الإلكترونية، وهو يعادل جزءاً من مليار جزء من المتر (1 نانومتر = 10^-9 متر). ويُستخدم هذا المعيار لقياس أبعاد المكونات الدقيقة جداً داخل الرقائق التي تصنع المعالجات والشرائح الإلكترونية.
كلما صغرت قيمة النانومتر في دقة تصنيع الرقاقة، تقلّص حجم الترانزستورات والمكونات داخل الشريحة، وهذا التقليص يسمح بوضع عدد أكبر من الترانزستورات على مساحة الرقاقة نفسها، ما يعني زيادة في الأداء والكفاءة.
كما أن تقليص حجم الترانزستور يقلل من المسافات التي تنتقل فيها الإلكترونات، وبالتالي ما يحد من استهلاك الطاقة ويزيد من سرعة الأداء.
"عقد نانومترية"
وتتفاوت استخدامات تقنيات تصنيع الرقائق مع تطورها، فقد كانت عقدة 7 نانومتر بمثابة "العمود الفقري" لمعالجات الهواتف الذكية بين أعوام 2018 و2021، وأعطت شركات مثل أبل وكوالكوم وAMD القدرة على تقديم أداء قوي بتكلفة مقبولة.
ومع الانتقال إلى 5 نانومتر، اتسع الاستخدام ليشمل معظم الهواتف الرائدة، إلى جانب معالجات الحواسيب المحمولة مثل سلسلة Apple M1، لتشكل هذه العقدة التوازن الأمثل بين الكفاءة العالية واستهلاك الطاقة.
أما اليوم، فالمنافسة تتجه نحو الأجيال الأحدث، فقد بدأت تقنية 3 نانومتر في الظهور مع هواتف مثل iPhone 15 Pro، ومعالجات أبل للحواسيب M3، لتفتح الباب أمام مستوى جديد من الكفاءة والأداء.
لكن الأنظار تتركز أكثر على 2 نانومتر، الجيل المقبل الذي من المتوقع أن يكون أساس الهواتف الرائدة القادمة، وبطاقات تشغيل وتدريب الذكاء الاصطناعي والخوادم العملاقة.
ورغم تكلفته المرتفعة التي تحصره في الأجهزة الأرقى، إلا أنه يَعد بطفرة غير مسبوقة في القوة الحسابية وكفاءة استهلاك الطاقة.
قفزة معمارية
أحدثت سامسونج طفرة في معمارية بنائها لمعالجاتها، وذلك من خلال الاعتماد على بناء GAA بدلاً من Fin-FET، إذ أن التقنية الأولى تجعل البوابة (Gate) تحيط تماماً بالقناة التي يمر فيها التيار الكهربائي في الترانزستور من جميع الجوانب، بدلاً من أن تكون من جانب واحد كما في Fin-FET.
ويسمح هذا التصميم بالتحكم الأفضل بالتيار الكهربائي وتقليل التسرب، مما يحسّن من كفاءة الأداء ويوفر الطاقة.
وعلى الرغم من أن التقارير تشير إلى تقدم سامسونج في سوق إنتاج الرقائق بتقنية 2 نانومتر، فإن غريمتها التايوانية TSMC أكدت في فعاليات تقنية سابقة أن معيارها 2 نانومتر، القائم على تقنية التصنيع نفسها، يدخل الإنتاج الكمي في أواخر الربع الأخير من العام الجاري، مع مستويات عيوب أو أعطال أقل من 3 نانومتر لمرحلة الإنتاج نفسها، وهو مؤشر إيجابي على سرعة تحسين العوائد.
كما أشار التقرير إلى أن سعر شريحة الرقائق بتقنية 2 نانومتر لدى TSMC يبلغ 30 ألف دولار (أعلى بمعدل 50–66% من 3 نانومتر)، ما يفتح نافذة لسامسونج كي تُغري العملاء بسعرٍ أقل إذا ثبّتت العوائد.
ثقة مكتسبة
وأفاد تقرير سابق من تريند فورس أن شركة NVIDIA تُقيّم عقدة سامسونج 2 نانومتر، وأن الاختبارات في مراحلها النهائية -وإن صحّت- فهذا اعتماد مهم يضع العملاق الكوري الجنوبي في قلب صناعة شرائح الذكاء الاصطناعي وبطاقات الرسوميات المقبلة.
كما تعمل سامسونج على رفع إنتاجها من بطاقات الذاكرة بتقنية GDDR7 لصالح NVIDIA، ما يعكس تشابكاً أوسع في سلاسل التوريد بين الشركتين، بحسب تقارير سابقة.
كذلك أشارت تقارير نشرت مؤخراً من مواقع TrendForce وDigiTimes إلى اقتراب صفقة تصنيع رقائق بتقنية 2 نانومتر بين كوالكوم وسامسونج، أو على الأقل عودة سامسونج لتوريد معالجات 2026، لكنها لم تخرج حتى الآن عن كونها مفاوضات بين الجانبين.
سامسونج في الولايات المتحدة
وتشيد سامسونج حالياً مجمّع تصنيع ضخم في ولاية تكساس مع تمويل أميركي حتى 6.4 مليار دولار ضمن قانون (CHIPS)، وخطة لإنتاج عُقد متقدمة (ضمنها 2 نانومتر) بدءاً من 2026، بحسب وكالة "أسوشيتد برس".
كما أن وجود تقنية 2 نانومتر داخل أميركا يمنح سامسونج مزايا لوجستية وجيوسياسية مقابل TSMC، خاصة لعملائها "الحسّاسين" لسلاسل الإمداد أو القيود التصديرية. بالمقابل، تُركّز TSMC على تقنية 2 نانومتر في تايوان كبداية، مع جهد موازٍ للامتثال للقيود الأميركية على المورّدين.
منافسة كبيرة
على مدى أجيال التصنيع السابقة 7 نانومتر، و5 نانومتر، و3 نانومتر، احتفظت شركة TSMC باليد العليا عبر استحواذها على معظم الطلبيات المربحة من شركات مثل أبل، وإنفيديا، وAMD، وذلك بفضل قدرتها على تحقيق عوائد مرتفعة في مراحل مبكرة مع استقرار تام في الإنتاج، وبحسب أحدث إحصائيات Trend Force، فإن العملاق التايواني وصلت حصته السوقية من سوق أشباه الموصلات إلى 70.2 % مطلع سبتمبر الجاري.
أما سامسونج، والتي تحتفظ بحصة سوقية 7.2%، فقد حاولت أن تكسر هذه الهيمنة عبر إطلاقها المبكر لتقنية 3nm Gate-All-Around (GAA) في عام 2022، لكنها واجهت صعوبة في تحقيق عوائد عالية، ما قلل من انتشارها التجاري.
في المقابل، اختارت TSMC الانتظار حتى جيل 2 نانومتر لتبني تقنية GAA، وهو ما سمح لها بالوصول إلى مستوى استعداد أفضل استناداً إلى بيانات العيوب. واليوم تسعى سامسونج إلى "القفز" مباشرة عند عقدة 2 نانومتر لتقليص الفجوة مع منافستها.
وتتمثل عناصر قوة سامسونج في عدة نقاط، أبرزها أن هناك سبقاً زمنياً محتملاً على مستوى الهواتف عبر معالج Exynos 2600 إذا بدأ الشحن التجاري المبكر في عام 2026.
كما أن لدى الشركة الكورية الجنوبية "ورقة ضغط" مهمة عبر التوسّع داخل الولايات المتحدة في مصنع تايلور بتكساس، المقرر أن يدخل الخدمة في العام نفسه، ما يمنح العملاء الكبار مزيداً من الأمان الجيوسياسي وتقليل المخاطر اللوجستية. وأخيراً، تستطيع سامسونج أن تنافس على عامل السعر إذا تمكنت من تثبيت العوائد، خاصة أن أسعار شرائح TSMC 2nm مرتفعة جداً.
لكن هذه الطموحات تواجه تحديات حقيقية، وأهمها أن العوائد يجب أن تصل إلى مستويات مرتفعة وباستقرار عبر منتجات متعددة، لا مجرد شريحة داخلية واحدة. وتحتاج سامسونج كذلك إلى اعتماد فعلي من العملاء، فالمسافة بين "اختبارات نهائية" و"صفقات تجارية معلنة" لا تزال كبيرة، وحتى مع تخفيض الأسعار، تبقى تكلفة شريحة رقائق تقنية 2 نانومتر مرتفعة، ما يجعلها مناسبة لشرائح الهواتف فائقة الأداء أو معالجات الذكاء الاصطناعي والحوسبة عالية الأداء فقط.
وبناءً على ذلك، يمكن القول إن نجاح سامسونج في تثبيت عوائد 2 نانومتر على نطاق واسع خلال عامَي 2025 و2026، مع إطلاق الإنتاج الأميركي في تكساس، قد يمكّنها من اقتناص حصة معتبرة من الطلبيات، خصوصاً من خارج أبل، التي تُعد أحد العملاء الرئيسيين للشركة التايوانية.
لكن نظراً لأن TSMC ستظل مهيمنة على العقود الكبرى، وخاصة مع أبل في إنتاج 2 نانومتر حتى أواخر 2025، فإن "التفوق الكامل" يبدو غير مرجح في المدى القريب، فيما من المرجح تحقيق منافسة أكثر تكافؤاً وتوزيع أوسع لسلاسل التوريد.
أما بالنسبة للمستخدمين والأسواق، فمن المنتظر أن تشهد هواتف أندرويد الرائدة عام 2026 طفرة في الأداء والكفاءة بفضل اعتماد عقدة 2 نانومتر سواء من سامسونج أو TSMC.
وفي مجال الذكاء الاصطناعي، إذا تعاونت إنفيديا جزئياً مع سامسونج، فقد يساهم ذلك في زيادة المعروض وتخفيف حدة الاختناقات في الإنتاج. ومع ذلك، ستظل الأسعار مرتفعة نتيجة التكلفة العالية لشرائح الرقائق، ما يعني بقاء هذه التقنيات محصورة في قمة السوق وحكراً على بعض الهواتف الرائدة لبعض الوقت مع ضغط على هوامش الشركات وأسعار الأجهزة النهائية.