100 ساعة أسبوعياً.. عمالقة التكنولوجيا يسابقون الزمن في "حرب" الذكاء الاصطناعي

time reading iconدقائق القراءة - 9
صورة تعبيرية لعمليات إنشاء لشعار الذكاء الاصطناعي. 15 يوليو 2025 - Getty Images
صورة تعبيرية لعمليات إنشاء لشعار الذكاء الاصطناعي. 15 يوليو 2025 - Getty Images
دبي-الشرق

يعمل الباحثون في مجال الذكاء الاصطناعي، لساعات طويلة تصل إلى 100 ساعة في الأسبوع، في سباق محموم لتطوير أنظمة ذكاء اصطناعي تفوق القدرات البشرية، في ظل منافسة متزايدة بين كبرى شركات التكنولوجيا، حسبما نقلت "وول ستريت جورنال". 

وقال جوش باتسون، الباحث في شركة Anthropic المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، إنه لم يعد يجد وقتاً لمواقع التواصل الاجتماعي، مشيراً إلى أن محادثات زملائه في قنوات المراسلة على منصة Slack التابعة للشركة، أصبحت مصدر التحفيز الوحيد له، حيث يشارك في النقاشات حول نظريات وتجارب الزملاء في المجال.

وأشارت الصحيفة إلى أن الباحثين والتنفيذيين الرئيسيين يعملون بانتظام من 80 إلى 100 ساعة في الأسبوع داخل أكبر مختبرات الذكاء الاصطناعي في وادي السيليكون، حتى أن عدداً من الباحثين شبّهوا ظروف العمل هذه بـ"الحرب". 

وأضاف باتسون، وهو أحد الباحثين التنفيذيين الأساسيين في مجال الذكاء الاصطناعي، أن فريقه يواجه ضغطاً هائلاً لا يتوقف لاختصار 20 عاماً من التقدم العلمي إلى عامين فقط، موضحاً أن التطورات الاستثنائية في أنظمة الذكاء الاصطناعي تحدث "كل بضعة أشهر". 

"لحظة محورية"

وتابعت الصحيفة أن كبار الباحثين والمديرين التنفيذيين في شركات مثل مايكروسوفت وAnthropic وجوجل التابعة لمجموعة ألفابت وميتا وأبل وOpenAI، يرون أن عملهم يعد "لحظة محورية" في التاريخ، حيث يتنافسون معاً ويسعون لإيجاد طرق جديدة لإيصال الذكاء الاصطناعي إلى الجمهور. 

وأوضحت الصحيفة، أن بعض العاملين في هذا المجال أصبحوا من أصحاب الملايين، إلا أنهم لم يجدوا وقتاً للاستمتاع بثرواتهم الجديدة. 

وأشارت "وول ستريت جورنال" إلى أن المنافسة على استقطاب المواهب في مجال الذكاء الاصطناعي تصاعدت بعد أن بدأ مارك زوكربيرج، المدير التنفيذي لشركة ميتا، في جذب أفضل العاملين من الشركات المنافسة بعروض مالية ضخمة تصل إلى ملايين الدولارات.  

وقالت الصحيفة إن ذلك أظهر مدى أهمية عمل مجموعة صغيرة نسبياً من الباحثين والتنفيذيين، الذين يُعتبرون أحد أثمن الموارد على مستوى العالم. والآن، تسعى الشركات والموظفون أنفسهم إلى تحقيق أقصى استفادة من هؤلاء الأفراد يومياً. 

وأشارت مادهافي سيوك، الباحثة البارزة في DeepMind التابعة لجوجل، في مقابلة حديثة إلى أن "الجميع يعملون طوال الوقت، والضغط شديد للغاية، ولا يبدو أن هناك وقت محدد للتوقف". 

وأفادت مصادر مطلعة بأن بعض الشركات الناشئة أدرجت بند العمل لأكثر من 80 ساعة أسبوعياً في عقود موظفيها. لكن معظم الشركات الكبرى لم تضطر إلى ذلك، إذ ينبع الحافز لدى الموظفين من المنافسة الشديدة مع المنافسين وفضولهم الشخصي حول إمكانيات النماذج الجديدة. 

"6-9-9"

وفي شركة ميتا، يعمل أعضاء مختبر TBD، وهو فريق جديد مُكلّف بتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي للشركة، في مكاتبهم قرب مكتب زوكربيرج في مقر الشركة بكاليفورنيا، رغم إعلان الشركة مؤخراً عن تسريح حوالي 600 موظف من قسم الذكاء الاصطناعي. 

وتأتي أكثر الفترات كثافة لدى العديد من الموظفين أثناء العمل على النماذج أو المنتجات الجديدة، حيث تمتد ساعات العمل لتتجاوز ما يُعرف بجدول "9-9-6"، الذي يعني العمل من التاسعة صباحاً حتى التاسعة مساءً، لمدة ستة أيام في الأسبوع. 

وأشار أحد التنفيذيين في شركة ناشئة إلى جدول يُطلق عليه "0-0-2"، أي العمل من منتصف الليل إلى منتصف الليل، مع استراحة لمدة ساعتين فقط في عطلة نهاية الأسبوع. 

وذكرت الصحيفة أن وتيرة العمل المكثفة تتركز بين مجموعة صغيرة نسبياً من العاملين في شركات مختلفة، يحاول كثير منهم تحسين النماذج الأساسية للذكاء الاصطناعي أو دمج قدرات جديدة في منتجات مبتكرة، وغالباً ما تعمل هذه المجموعات الصغيرة على مدار الساعة، حتى بعد مغادرة العديد من الزملاء الأقل أجراً أماكن عملهم، وفقاً لما صرَّح به العاملون. 

وأفاد العديد من هؤلاء الموظفين بأن ظروف العمل الشاقة أرهقتهم ومنعتهم من قضاء الوقت مع العائلة والأصدقاء، لكنهم أكدوا أن ساعات العمل الطويلة هي خيارهم الشخصي. 

وقالت سيوك: "لديك كل هذه الأفكار الجيدة، وأنت تعلم أنك في سباق مع الزمن. ولا تريد ترك الأفكار دون استكشاف، لذا تستغل كل وقت فراغ لديك في متابعة أفكار جديدة". 

وتابعت "وول ستريت جورنال"، أن شركات وادي السيليكون بدأت تتكيف مع حضور الموظفين شبه الدائم، عبر تقديم وجبات في عطلة نهاية الأسبوع، وتوفير طواقم عمل دائمة. كما عيّنت فرقاً "قائدة" لفترات قصيرة لمراقبة مخرجات النماذج عن كثب، أو لفترات طويلة تمتد لأسابيع للإشراف على تطوير المنتجات. 

ارتفاع طلبات الطعام في وادي السيليكون

وأظهرت بيانات معاملات بطاقات الائتمان من شركة Ramp، المتخصصة في إدارة النفقات، ارتفاعاً ملحوظاً في طلبات الطعام من مطاعم منطقة سان فرانسيسكو أيام السبت، من الظهر حتى منتصف الليل. وقد تجاوز هذا الارتفاع بكثير معدلات السنوات السابقة في سان فرانسيسكو ومدن أميركية أخرى، وفق Ramp. 

وقالت أبارنا تشينابراجادا، كبيرة مسؤولي المنتجات في مايكروسوفت لتجارب الذكاء الاصطناعي، إنه رغم مرورها بفترات ضغط شديدة في قطاع التكنولوجيا سابقاً، فإن هذه المرة مختلفة. 

وأضافت أن أوقات الازدهار السابقة، مثل فترة فقاعة الإنترنت في أواخر تسعينيات القرن الماضي، أو الانتقال السريع إلى الهواتف المحمولة مع ظهور الآيفون، استغرق فيها اعتماد المستخدمين عقداً أو أكثر. أما في مجال الذكاء الاصطناعي، فإن 90% من شركات Fortune 500 (أكبر 500 شركة أميركية من حيث الإيرادات) تستخدم منتجات الذكاء الاصطناعي بعد بضع سنوات قليلة فقط من انتشارها، ما يعكس سرعة استثنائية في اعتماد التكنولوجيا. 

وأشارت إلى أن الفاصل الزمني بين اختراقات البحث العلمي وإطلاق المنتجات قد تقلص من عدة سنوات في الماضي إلى ما يشبه الفرق بين يوم الخميس ويوم الجمعة في عصر الذكاء الاصطناعي، ما يولد طلباً هائلًا تسعى جميع الشركات إلى تلبيته. 

ووصفت تشينابراجادا، المسؤوليات الإضافية، التي تتحملها كمديرة بـ"الوردية الثانية"، وذكرت أنها طوّرت أدوات ذكاء اصطناعي خاصة لتسريع عملها، منها إضافة لمتصفح الإنترنت تذكّرها باستخدام الذكاء الاصطناعي في كل مهمة تقوم بها. 

ورغم أن الحديث في الصناعة تركّز على جداول العمل المكثفة مثل "9-9-6" وحتى العمل على مدار الساعة، حثّت تشينابراجادا الموظفين على اعتبار الذكاء الاصطناعي حلاً لمواجهة الأعباء الكبيرة، قائلة: "العمل على مدار الساعة ليس دورك، بل هو دور الذكاء الاصطناعي الذي تستخدمه". 

تقدم سريع

وقال باتسون من Anthropic، إنه من الصعب التخطيط أو جدولة العمل بسبب سرعة تقدم نماذج الذكاء الاصطناعي وصعوبة توقع سلوكها مسبقاً، مشيراً إلى أن العملية أشبه بالتطور أكثر منها بالهندسة التقليدية. 

وأوضح: "غالباً لا تعرف بالضبط ما ستحصل عليه من التدريب حتى تنتهي منه، ولا تعرف ما سيفعله حتى تختبره، وحتى بعد ذلك، لا تعرف بالضبط كيف سيتصرف عند نشره في العالم الحقيقي". 

وقارن باتسون تجربة العمل المكثف التي يمر بها حالياً بتلك التي خاضها خلال جائحة فيروس كورونا، حين كان يعمل في مختبر اختبارات سريع، متعاوناً مع مجموعة صغيرة من العلماء الدوليين لفهم تطورات الفيروس ومساره. 

وقال إن اهتمام شركته المعلن ببناء ذكاء اصطناعي أخلاقي ومتوافق مع القيم الإنسانية يعزز من أخلاقيات العمل، مضيفاً أن فريقه يسعى إلى رفع مستوى فهمهم بوتيرة تتجاوز سرعة تغير النماذج، مؤكداً أنهم يحققون هذا الهدف بنجاح. 

فيما أعربت سيوك من جوجل عن سعادتها برؤية الباحثين في مجال الذكاء الاصطناعي يحصلون على مكافآت مالية مجزية لقاء ذكائهم وجهودهم، لكنها أشارت في الوقت نفسه إلى أن الدافع الأساسي للعديد منهم هو شغفهم بالعمل ذاته. 

وقالت: "أنا متحمسة لأن المهووسين بالعلم يعيشون لحظتهم الآن، لكنني لا ألاحظ أي تغيير في أسلوب حياة أي منهم. لا أحد يأخذ إجازة، ولا وقت لديهم للأصدقاء أو للهوايات أو لمَن يحبونهم". وختمت قائلة: "كل ما يفعلونه هو العمل". 

تصنيفات

قصص قد تهمك