"هواوي" بعد 5 سنوات من عقوبات أميركا.. كيف صمدت؟

محللون لـ"اقتصاد الشرق": التحرك الاستباقي وتنويع مصادر الإيرادات والدعم الحكومي عوامل عززت صمود هواوي

time reading iconدقائق القراءة - 12
صورة تعبيرية يظهر بها العلم الأميركي وهاتف ذكي يحمل شعار شركة هواوي على اللوحة الأم لكمبيوتر شخصي - REUTERS
صورة تعبيرية يظهر بها العلم الأميركي وهاتف ذكي يحمل شعار شركة هواوي على اللوحة الأم لكمبيوتر شخصي - REUTERS
هشام فتحي

بعد مرور أكثر من 5 سنوات على واحدة من أعتى العقوبات التكنولوجية في العصر الحديث، تقف شركة "هواوي" اليوم عند مفترق طرق بين صمود استثنائي ومنافسة عالمية محتدمة في وقت لا تزال بعض المناطق في العالم تعتمد على تقنياتها.

لكن الشركة الصينية أعادت ترتيب قوتها في الداخل، وبنت منظومة تكنولوجية موازية، ولا تزال تخوض سباقاً مع الزمن لمواكبة القيود التي أعادت رسم خريطة أعمالها عالمياً، لتتحول قصة "هواوي" إلى اختبار حقيقي لقدرة التكنولوجيا على النجاة وسط أعنف صراع جيوسياسي رقمي يشهده العالم.

"هواوي" بعد 5 سنوات من العقوبات الأميركية

شكّل تقرير لجنة الاستخبارات في مجلس النواب الأميركي عام 2012، الذي كشف ممارسات "هواوي" غير العادلة وعلاقاتها بجيش التحرير الشعبي الصيني، إنذاراً مبكراً دفع الشركة إلى التحرك الاستباقي، بحسب تقرير مؤسسة تكنولوجيا المعلومات والابتكار الأميركية الصادر في أكتوبر 2025، فمنذ ذلك الحين، بدأت تنويع مصادر إيراداتها بالتوسع بالسوق المحلية في الصين

وفي 16 مايو 2019، أدرجت وزارة التجارة الأميركية "هواوي" وشركاتها ضمن قائمة الكيانات المحظورة من الوصول إلى التكنولوجيا والبرمجيات الأميركية (مثل خدمات جوجل ونظام أندرويد) دون ترخيص حكومي.

السنة

الإيرادات المحلية

(مليار دولار)

الإيرادات العالمية

(مليار دولار)

نسبة الإيرادات المحلية نسبة الإيرادات العالمية
2017
 
45.2  44.2 %50.5
 
%49.5
2018 56.2 52.7 %51.6 %48.4
2019 73.45 51 %59 %41
2020 84.77 44.4 %65.6 %34.4
2021 64.4 34.6 %65 %35
2022 60.3 35.6 %63 %37
2023 67.3 33.27 %67 %33
2024 86.7 34.8 %71.3 %28.7

المصدر: التقارير السنوية الرسمية لـ"هواوي" (2017–2024)

ملاحظة: القيم محوّلة إلى الدولار حسب سعر الصرف الرسمي نهاية كل عام

في تصريحات لـ"اقتصاد الشرق"، يشير أستاذ الهندسة وأمن الشبكات في جامعة ولاية سان خوسيه الأميركية، أحمد بانافع، إلى أن "هواوي" تجاوزت أصعب مراحل العقوبات عبر بناء قدرات تصنيع شرائح محلية واستعادة صدارة سوق الهواتف في الصين، مع توسع في آسيا والشرق الأوسط مقابل خسارة نفوذها في أوروبا وأميركا الشمالية وحرمانها من التقنيات المتقدمة.

أما عاصم جلال، استشاري العلوم الإدارية وتكنولوجيا المعلومات في "جي آند كيه" (G&K)، فيطرح في مقابلة مع "اقتصاد الشرق" رؤية مشابهة، تتمثل في قوة الأداء داخلياً مقابل ضعف في الأسواق الخارجية، لافتاً إلى قفزة الإيرادات بنسبة 22.4% في 2024، وحصة 18% في الصين بالربع الثاني من 2025، ونجاح "Mate 60" و"Kirin 9000s". لكن عالمياً تراجعت الأرباح 28%، وانخفضت حصتها إلى 4%، وخرجت من أسواق كبرى للجيل الخامس، فيما أصبحت 71% من إيراداتها محلية. 

يرى دكستر ثيلين، محلل رئيسي للتكنولوجيا والاتصالات في "إكونوميست إنتليجنس يونيت" (Economist Intelligence Unit) أن "هواوي" أصبحت أضعف عالمياً؛ لأنها لا تستطيع الوصول إلى متجر "جوجل بلاي" (باستثناء السوق الصينية)، كما أنها أصبحت أضعف كذلك في سوق معدات الاتصالات المحمولة؛ لأنها تم حظرها في أسواق عديدة، خاصة في الدول الغربية.

لكنه أوضح لـ"اقتصاد الشرق" أن الشركة لا تزال حاضرة، مع أن العقوبات كان يمكن أن تشكل تهديداً وجودياً أكبر بكثير، إذ تمكنت الشركة من تنويع أعمالها والاستفادة من دعم الدولة لتبقى ذات صلة داخل السوق المحلية الصينية.

استطاعت "هواوي" الصمود جزئياً بفضل دعم الحكومة الصينية وتنويع أعمالها (المركبات الذكية والحوسبة السحابية وغيرها)، ونالت تشجيعاً على تطوير نظام تشغيلها الخاص (HarmonyOS)، واستحداث شريحة "Kirin 9000S" محلياً. 

بحسب دراسة لمعهد "ميركاتور لدراسات الصين" (MERICS)، حصلت الشركة على نحو 46 مليار دولار في صورة قروض وتسهيلات ائتمانية من مقرضين حكوميين صينيين، إضافةً إلى إعفاءات ضريبية قُدّرت بنحو 25 مليار دولار خلال الفترة من 2008–2018، غير أن "هواوي" ذكرت، في بيان عام 2019، أن إجمالي الإعانات المقدمة للبحث والتطوير من الحكومة داخل الصين وخارجها على مدار العقد الماضي بلغ أقل من 0.3% من إجمالي إيراداتها. 

واعتبر جلال أن رفع الإنفاق على البحث والتطوير إلى 20.8% من الإيرادات كان محورياً لتطوير نظام التشغيل الذي يعمل في أكثر من مليار جهاز، والتعاون مع "إس إم آي سي" (SMIC) لإنتاج رقائق 7 نانومتر عبر تقنية "دوف" (DUV)، وتطوير معالجات "Ascend".

ويرى أيضاً أن الدعم الحكومي الواسع، وولاء المستهلكين، والتنويع في السيارات والطاقة والتقنيات السحابية، لعب كل ذلك دوراً حاسماً. 

أضاف بانافع أن الاستعداد المبكر للاستقلال التكنولوجي عن الغرب، وتوجيه النشاط نحو أسواق غير خاضعة للضغط الأميركي ساعد على توفير حصانة قوية.

من جهته، يرى ثيلين أن النجاة لا تعني قوة دولية، إذ لا تزال قدرة "هواوي" على اختراق الأسواق الغربية محدودة، رغم استمرار حضورها المحلي القوي.

أمن قومي أم جزء من صراع الهيمنة التكنولوجية؟

باتت "هواوي" مصدر قلق بالنسبة إلى واشنطن بسبب مخاوف التجسس، والانتهاكات المفترضة للملكية الفكرية، وارتباط الشركة ببنية القوانين الصينية التي تُلزمها بالتعاون مع أجهزة الاستخبارات، بحسب تقرير لمجلس العلاقات الخارجية الأميركي صادر في فبراير 2023.

وأفاد التقرير بأن نفوذ الدولة الصينية على الشركات الخاصة، وعضوية مؤسس هواوي في الحزب الشيوعي، يعززان هذه الشكوك في ظل قوانين الأمن والاستخبارات التي تُلزم الشركات بالتعاون مع أجهزة الدولة. 

لفت التقرير إلى أن المخاوف الأميركية تتمحور حول بنية "هواوي" التحتية للتجسس وجمع البيانات، إذ كشف تحقيق لمكتب التحقيقات الفيدرالي عام 2022 أن معداتها قادرة على تعطيل الاتصالات العسكرية الأميركية، بما فيها تلك المتعلقة بالترسانة النووية.

في هذا الإطار، أوضح بانافع أن الخطاب الأميركي يربط القضية بالأمن القومي، فيما يعكس جوهرها صراع قيادة التكنولوجيا بين واشنطن وبكين، أما جلال فأشار إلى مزيج من المخاوف الأمنية والاستراتيجية الأميركية لـ"الفصل التكنولوجي"، وضغوطها على الحلفاء وحظر الشركة وتشكيل تحالف "Chip 4". 

من جهته، يضع ثيلين المواجهة في سياق جيوسياسي صريح، لافتاً إلى أن صعود "هواوي" على صعيد معدات الاتصالات جعلها محور التنافس، وأن الحظر الأميركي على شبكات الجيل الرابع والخامس قلص حضورها الدولي.

المنافسة بين "هواوي" و"أبل" وتشكيل خريطة النفوذ التكنولوجي العالمي

تشهد سوق الهواتف الذكية في الصين منافسة شرسة بين "هواوي" و"أبل"، إذ تتبادل العملاقتان مراكز الصدارة بشكل متكرر، واستعادت الشركة الصينية المركز الأول بحصة 18% في الربع الثاني من 2025 وفقاً لبيانات مؤسسة "كاناليس" (Canalys) للأبحاث، لكن أبل قفزت إلى 25% في أكتوبر 2025 لأول مرة منذ 3 سنوات بحسب تقرير "كاونتربوينت ريسيرش" (Counterpoint Research).

يبيّن جلال أن السوق الصينية أصبحت ساحة إعادة تشكيل النفوذ بعدما استعادت "هواوي" الصدارة، رغم تفوق "أبل" عالمياً بـ18% مقابل 4% لـ"هواوي"، إذ يرى أن العالم يتجه لمنظومتين: غربية بقيادة الولايات المتحدة، وصينية بقيادة "هواوي" مع توسع نظام "HarmonyOS" بنسبة 16% داخل الصين، و4% عالمياً. 

يشير بانافع إلى أن المنافسة تعكس صراعاً بين نموذجين تقنيين، وأن اكتساب "هواوي" استقلالاً رقمياً غيّر توازن القوى.

ويرى ثيلين أن الشركة بدأت ببيع هواتف بسيطة في الأسواق النامية قبل أن تتجه تدريجياً إلى الفئة العليا عبر هواتف متقدمة تنافس "آيفون" من "أبل" و"جالاكسي" من "سامسونج"، اعتمدت في متجر تطبيقاتها على نظام "أندرويد"، ما تسبب في مشكلات عند فرض العقوبات الأميركية، بسبب مخاوف بشأن استخدام هاتف ذكي تنتجه شركة صينية، لم تعد اليوم لاعباً بارزاً في هذه السوق خارج الصين، إذ تستفيد "هواوي" من تفضيل بعض المستهلكين للعلامات الصينية على الأجنبية.

استخدام الصين لـ"هواوي" كأداة نفوذ بالشرق الأوسط

وفقاً لتقرير لجنة المراجعة الاقتصادية والأمنية بين الولايات المتحدة والصين، ترتبط "هواوي" بشراكات واتفاقيات مع نحو 11 دولة في الشرق الأوسط، أبرزها مصر ودول الخليج العربي، والتي تشمل مجالات شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية والمدن الذكية ومراكز البيانات، والتدريب التقني. 

ويرى جلال أن "هواوي" أصبحت أداة نفوذ صينية في الخليج عبر شبكات الجيل الخامس والحوسبة السحابية والمدن الذكية، مستفيدة من الأسعار التنافسية والتوافق مع استراتيجيات التحول الرقمي.

ويوضح بانافع أنها منصة لترسيخ الحضور الصيني عبر السرعة والتكلفة والتدريب.

يشير ثيلين إلى أن التكنولوجيا باتت أداة جيوسياسية، وأصبح الشرق الأوسط ساحة تسعى من خلالها القوتان، الولايات المتحدة والصين، إلى تحقيق التوازن، إلا أن هذا التوجه بدأ يخلق إشكالات، خصوصاً في ما يتعلق بالذكاء الاصطناعي، ما دفع الإدارة الأميركية السابقة برئاسة جو بايدن إلى فرض حصول دول المنطقة على تراخيص لشراء رقائق "NVIDIA"، خشية تهريبها لاحقاً إلى الصين.

وألغت إدارة دونالد ترمب تلك القواعد، وأبدت انفتاحاً أكبر على الأعمال، شرط بقاء التكنولوجيا الأميركية داخل الشرق الأوسط وعدم انتقالها إلى أي مكان آخر.

استقلالية "هواوي" عن المنظومة الغربية بحلول 2030

وفقاً لتقرير نشره موقع "TechInsights"، يستخدم هاتف "Mate 60" من "هواوي" شريحة 7 نانومتر"، في الوقت الذي نجحت شركات غربية مثل "كوالكوم" و"أبل" في استخدام الشريحة بدقة 3 نانومتر في أجهزتها منذ أواخر 2023، ما يشير إلى فجوة تقنية تتراوح بين 3 - 5 سنوات. 

في هذا الصدد، يرى ثيلين أن الشركات الصينية لا تزال تعتمد اعتماداً كبيراً على الآلات القديمة من شركة "ASML" الهولندية، في وقت تواجه فيه قيوداً تصديرية غربية صارمة على المعدات المتقدمة.

ولفت إلى أنه رغم ذلك، فالحكومة الصينية مصممة على سد هذه الفجوة، وتعهدت بتحمل "أي تكلفة ضرورية" لتحقيق السيادة التكنولوجية الكاملة، معتبرة الأمر قضية أمن قومي استراتيجي وليس مجرد منافسة تجارية.

وتوقع جلال، من "جي آند كيه"، استقلالية شبه كاملة داخل الصين والأسواق الصديقة مع محدودية اختراق الغرب؛ بسبب نقص المكونات والتطبيقات، رغم تقدم "HarmonyOS" ومعالجات "Kunpeng" و"RISC-V". ويوافق بانافع على أن السيطرة على سلسلة تصنيع الرقائق المتقدمة تبقى التحدي الأكبر.

تشير تقديرات "بلومبرغ إنتليجنس" و"تيك إنسايتس" والأكاديمية الصينية لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات إلى أن محاولات "هواوي" الاستقلال عن التقنيات الغربية ترفع تكلفة تصنيع الشرائح محلياً بنسبة تتراوح بين 20% و35% مقارنة بموردين عالميين، وانخفاض عوائد الإنتاج بين 40% و50%، مقارنة بشركات أخرى مثل "تايوان سيميكوندوكتور مانوفاكتشورينج" (TSMC). 

يحذر بانافع من تباطؤ تطوير الجيل القادم من الشرائح؛ بسبب صعوبات المعدات وارتفاع التكاليف وتأثير ذلك على الهواتف وخوادم الذكاء الاصطناعي، إضافة إلى مخاطر الاعتماد على السوق الصينية.

يلفت ثيلين، من "إكونوميست إنتليجنس يونيت"، إلى خطورة منع معدات "ASML" أو برمجيات "EDA"، مقابل احتمال رد صيني عبر أدوات استراتيجية.

يوضح جلال أن القيود تؤدي إلى سقف إنتاج 200 ألف رقاقة ذكاء اصطناعي في 2025، مقارنة بشركات عالمية تنتج ملايين الوحدات سنوياً، وعوائد تصنيع متدنية، وتأخر في الطلبات، مع محاولات "هواوي" لتخفيف المخاطر عبر بدائل محلية وتقنيات "DUV".

نموذج هواوي تجربة قابلة للتكرار؟

يشير جلال، من "جي آند كيه"، إلى أن استراتيجيات مثل رفع الإنفاق على البحث والتطوير والتنويع عند الأزمات وبناء أنظمة بيئية متكاملة يمكن أن تُستلهم في أسواق صاعدة، لكن عوامل نجاح "هواوي" تعتمد على مزايا يصعب تكرارها مثل السوق الصينية الهائلة والدعم الحكومي الكبير والبنية التصنيعية الوطنية. 

يوافق ثيلين على تميز مكانة الشركة الذي أتاح لها الاستفادة من الخبرة والمعرفة التي راكمتها على مدى سنوات طويلة، وسيكون من الصعب جداً لأي شركة أن تبدأ من الصفر، وتكرر ما حققته "هواوي"، حتى مع حصولها على دعم حكومي ضخم.

ويرى بانافع أن التجربة مثال على النجاة بالابتكار، لكنها ليست نموذجاً قابلاً للاستنساخ عالمياً.

هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق".

تصنيفات

قصص قد تهمك