أستراليا.. مراهقون يتحايلون على حظر استخدام منصات التواصل الاجتماعي

time reading iconدقائق القراءة - 8
تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي - Getty Images
تطبيقات وسائل التواصل الاجتماعي - Getty Images
القاهرة-الشرق

شرعت أستراليا، الأربعاء، في تطبيق قانون يُعد الأول من نوعه عالمياً، يقضي بحظر استخدام منصات التواصل الاجتماعي على الأطفال والمراهقين دون سن السادسة عشرة، مع إلزام شركات التكنولوجيا الكبرى بحذف أو تجميد حسابات هذه الفئة، وفرض غرامات بملايين الدولارات على الشركات التي لا تثبت اتخاذها ما يُعرف بـ"الخطوات المعقولة" لمنع القُصَّر من امتلاك حسابات.

غير أن اليوم الأول من التنفيذ كشف عن تحديات، إذ أعلن عدد من المراهقين استمرارهم في استخدام الشبكات الاجتماعية، فيما انتشرت مواد رقمية تستهدفهم بإعلانات وإرشادات بشأن كيفية التحايل على الحظر عبر خدمات الـVPN.

وفي المقابل، أكدت الحكومة أن تطبيق القانون قد يشهد تعثراً في بدايته، لكنه سيُسهم على المدى الطويل في "إنقاذ الأرواح"، والحد من المخاطر المرتبطة باستخدام هذه المنصات.

إعلانات لتخطي الحجب

أفاد موقع Crikey الأسترالي بأن أطفالاً ومراهقين في البلاد يتعرّضون لإعلانات عبر منصات مثل يوتيوب، وتيك توك، تروّج لاستخدام برامج الشبكة الافتراضية الخاصة VPN كوسيلة لتجاوز الحظر الجديد، بالتزامن مع انتشار محتوى يشرح خطوات "استخدام VPN لتفادي قيود السن" على شبكات التواصل الاجتماعي.

ولا يقتصر استهداف هذه المواد على المراهقين الساعين لتخطي الحظر، بل يشمل أيضاً بالغين يرفضون فكرة إلزامهم برفع وثائق رسمية أو صور وجوههم لإثبات الهوية أو العمر، لمجرد الاستمرار في استخدام حساباتهم المعتادة على شبكات التواصل الاجتماعي.

ويُلزم القرار الأسترالي أكبر المنصات الرقمية، من بينها تيك توك، وإنستجرام، وفيسبوك، ويوتيوب، وسناب شات، وإكس، وريديت، وتويتش، بمنع الأشخاص دون 16 عاماً من امتلاك حسابات جديدة أو قائمة.

آلية تفعيل القانون الجديد

تحت طائلة القانون، قد تواجه الشركات غرامات تصل إلى 7.8 مليون دولار أسترالي أو 5% من إيراداتها العالمية السنوية، أيهما أعلى، إذا لم تُظهِر أنها اتخذت إجراءات فعّالة للتحقق من عمر المستخدمين ومنع القُصّر من الاستمرار على المنصات الاجتماعية.

وتقع المسؤولية بكاملها على الشركات، لا على المستخدمين أو أولياء الأمور، إذ لا يتضمن القانون فرض غرامات أو عقوبات مباشرة على المراهقين أو عائلاتهم.

ويمنع الإطار التنظيمي الاعتماد فقط على تاريخ الميلاد الذي يدخله المستخدم بنفسه، ويُلزم المنصات باتباع نهج متدرج، بحيث تبدأ الشركة باستخدام وسائل أقل تدخلاً، ثم تنتقل إلى وسائل ذات موثوقية أعلى إذا ظهرت مؤشرات على أن صاحب الحساب ربما يكون دون السن القانونية.

ومن بين الطرق المؤكدة أو المعلنة حتى الآن هو اعتماد "ميتا" على طرف ثالث هو شركة Yoti، إذ يُطلب من المستخدمين الذين يرجّح أنهم دون 16 عاماً إما رفع صورة لهوية حكومية، أو تقديم فيديو سيلفي يتم تحليله للتأكد من العمر.

أما سناب شات فتستخدم أنظمة مثل ConnectID، التي تعتمد على ربط الهوية بحساب بنكي موثوق، إلى جانب خدمة k-ID التي تجمع بين مسح وثائق الهوية والتقدير العمري بالاستناد إلى صورة الوجه.

على صعيد تيك توك، فلم تُعلن المنصة الصينية طريقة مفصلة، لكنها تعتمد بالفعل على مزيج من وثائق الهوية، وصور السيلفي للتحقق من أعمار المستخدمين الراغبين في فتح خاصية البث المباشر المقتصرة على من هم فوق 18 عاماً.

هذه الأدوات تُكمِّلها مجموعة أخرى من المؤشرات، مثل سلوك الحساب، ونوعية التفاعل، وأنماط الاستخدام، وبعض المعلومات التقنية عن الجهاز وعنوان IP.

ووفقاً لتوجيهات مفوضية السلامة الإلكترونية الأسترالية eSafety، يُفترض ألا تحتفظ المنصات ولا الشركات الوسيطة بالبيانات البيومترية أو صور الوجه أكثر من المدة اللازمة لإتمام عملية التحقق، وأن تُقلَّص كمية البيانات الحساسة إلى الحد الأدنى.

وحذّر خبراء الأمن الرقمي من إمكانية ظهور جهات غير موثوقة تزعم تقديم خدمات تحقق من العمر، ما قد يعرّض المراهقين لخطر الاستغلال أو سرقة البيانات إذا لجؤوا إلى حلول خارجية غير معتمدة من المنصات.

"اعتراف صريح"

في الميدان السياسي، اعترف رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي بأن تطبيق الحظر سيكون "متعرجاً" في الأيام الأولى، موضحاً أنه "لا يمكن في يوم واحد إيقاف أكثر من مليون حساب دفعة واحدة على جميع المنصات".

لكنه شدد في الوقت نفسه على أن هذا المسار التشريعي يهدف في نهاية المطاف إلى حماية الأرواح وتقليل الأضرار النفسية والاجتماعية المرتبطة بالاستخدام المفرط أو المؤذي لمواقع التواصل بين القُصّر.

ورغم أن القانون دخل حيز التنفيذ، فإن منصات مثل تيك توك لا تزال تستقبل تعليقات من مستخدمين يقولون صراحة إنهم دون 16 عاماً، وأنهم "ما زالوا هنا"، بل وصل الأمر إلى أن أحدهم كتب على حساب رئيس الوزراء نفسه على تيك توك تعليقاً يقول فيه: "أنا ما زلت هنا، انتظروا حتى أتمكن من التصويت".

 هذه الرسائل تسلط الضوء على فجوة واضحة بين النية التشريعية والواقع العملي على الأرض، على الأقل في الأيام الأولى من التطبيق.

تحديات متصاعدة

برزت تحذيرات من منظمات مثل منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) وخبراء سياسات رقمية من أن الحظر الصارم قد يدفع المراهقين إلى منصات أقل تنظيماً ورقابة، أو إلى أجزاء من الإنترنت لا تخضع للأطر التنظيمية الواضحة، ما قد يزيد المخاطر بدلاً من الحدّ منها.

أحد المراهقين الأستراليين يقود بالفعل طعناً قانونياً ضد الحظر، بحجة أن القرار قد يجعل الإنترنت "أقل أماناً" للقُصّر، لأنهم سيتجهون إلى استخدام حسابات وهمية، أو خدمات غير معروفة، أو أدوات تقنية معقدة مثل VPN، من دون إشراف كافٍ من الأهل أو السلطات.

من الناحية التقنية البحتة، لا تنكر الجهات التنظيمية في أستراليا أن VPN يمكنه نظرياً مساعدة المستخدم على الظهور كما لو كان خارج البلاد، ما قد يخفف من أثر القيود المعتمدة على الموقع الجغرافي.

لكن السلطات توجّه المنصات إلى عدم الاعتماد على الموقع وحده كمؤشر، وتشجعها على كشف الحسابات التي تحاول إخفاء موقعها أو عمرها عبر الجمع بين مجموعة من المؤشرات، مثل أنماط الاستخدام، وأوقات التواجد، وترابط الحسابات والعلاقات الاجتماعية على المنصة، بل وحتى علامات تقنية تشير إلى استخدام VPN أو أدوات مشابهة.

ورغم أن القانون يحمّل الشركات مسؤولية ضبط هذه الممارسات، فإنه لا يعاقب المستخدمين الأفراد الذين يلجؤون إلى VPN، إذ تظل الغرامات موجهة إلى المنصات إذا لم تظهر التزاماً كافياً باستخدام "وسائل معقولة" لمنع مخالفة القيود.

ولا تزال فاعلية القرار، من حيث الواقع العملي، موضع اختبار، فمن الواضح أن منصات كبرى بدأت فعلاً في حذف أو قفل حسابات يُشتبه في كونها مملوكة لمن هم دون 16 عاماً، لكن من الواضح أيضاً أن عدداً غير قليل من المراهقين ما زالوا نشطين على هذه المنصات عبر وسائل التفاف مختلفة، منها استخدام حسابات الآباء أو الأدوات التقنية مثل VPN.

وبينما تراهن الحكومة على أن التأثير الإيجابي للحظر سيتراكم مع الوقت، يطرح خبراء وسياسيون ونشطاء حقوقيون تساؤلات بشأن ما إذا كانت سياسة المنع الشامل هي الأداة الأنسب لحماية المراهقين، أم أن الحل يكمن في مزيج أكثر توازناً يضم تشريعات أذكى، وتصميماً رقمياً أكثر مسؤولية، وتعليماً رقمياً أوسع، وحواراً حقيقياً مع المراهقين أنفسهم حول شكل الإنترنت الذي يحتاجون إليه في عالم أصبح فيه الاتصال الرقمي جزءاً لا ينفصل عن الحياة اليومية.

تصنيفات

قصص قد تهمك