الصين تقترب من تحقيق الاستقلال الكامل في صناعة الرقائق الإلكترونية

هواوي ومهندسو ASML السابقون وراء "الاختراق".. وتوقعات بالانتاج عام 2030

time reading iconدقائق القراءة - 14
صورة غير مؤرخة لمصنع أشباه الموصلات الجديد التابع لشركة SMIC في مدينة شنتشن، الصين - scmp
صورة غير مؤرخة لمصنع أشباه الموصلات الجديد التابع لشركة SMIC في مدينة شنتشن، الصين - scmp
كوالالمبور -رويترز

في مختبر عالي الحراسة بمدينة شينزين، بنى علماء صينيون ما أمضت واشنطن سنوات في محاولة منعه: "نموذجاً أولياً لآلة قادرة على إنتاج رقائق أشباه الموصلات المتقدمة التي تُشغّل الذكاء الاصطناعي، والهواتف الذكية، والأسلحة التي تُعدّ محورياً في التفوق العسكري الغربي، بحسب ما ذكرت وكالة "رويترز".

واكتمل النموذج الأولي في مطلع عام 2025، ويخضع حالياً إلى اختبارات، ويشغل تقريباً مساحة طابق كامل من مصنع. ونقلت "رويترز" عن شخصين مطلعين على المشروع أنه بُني على يد فريق من مهندسين سابقين في شركة ASML الهولندية العملاقة لأشباه الموصلات، عبر الهندسة العكسية لآلات الشركة الخاصة بـ الطباعة الضوئية بالأشعة فوق البنفسجية القصوى EUV lithography.

وأوضحت الوكالة أن آلات EUV تقع في قلب ما وصفته بـ"حرب تكنولوجية باردة"، حيث تستخدم حزماً من الضوء في نطاق الأشعة فوق البنفسجية القصوى لنقش دوائر أدق آلاف المرات من شعرة الإنسان على رقائق السيليكون، وهي قدرة تحتكرها حالياً الدول الغربية. وكلما صغرت الدوائر، ازدادت قوة الرقائق.

الصين لم تنتج بعد شرائح عاملة

وقال المصدران، اللذان طلبا عدم الكشف عن هويتيهما بسبب سرية المشروع، إن الآلة الصينية تعمل حالياً، وتنتج الضوء فوق البنفسجي المتطرف بنجاح، لكنها لم تنتج بعد شرائح عاملة.

وفي أبريل الماضي، صرّح الرئيس التنفيذي لشركة ASML، كريستوف فوكيه، بأن الصين تحتاج إلى "أعوام كثيرة جداً" لتطوير هذه التكنولوجيا، لكن وجود هذا النموذج الأولي، الذي تكشفه "رويترز" لأول مرة، يشير إلى أن الصين قد تكون أقرب بسنوات إلى تحقيق الاستقلال في مجال أشباه الموصلات مما توقعه محللون.

مع ذلك، لا تزال الصين تواجه تحديات تقنية كبيرة، خصوصاً في استنساخ أنظمة البصريات عالية الدقة التي يصنعها موردون غربيون.

ووفقاً للمصدرين، فإن توافر قطع من آلات ASML الأقدم في الأسواق الثانوية أتاح للصين بناء نموذج أولي محلي، مع هدف حكومي لإنتاج رقائق عاملة على هذا النموذج بحلول عام 2028.

هواوي وعام 2030

وقال أشخاص مطلعون على المشروع إن الهدف الأكثر واقعية هو عام 2030، أي قبل 10 سنوات مما كان يتوقعه المحللون لمعادلة الغرب في إنتاج الشرائح، ولم ترد السلطات الصينية على طلبات "رويترز" للحصول على تعليق.

واعتبرت الوكالة أن هذا الإنجاز يمثل تتويجاً لمبادرة حكومية استمرت 6 سنوات لتحقيق الاكتفاء الذاتي في أشباه الموصلات، وهي إحدى أولويات الرئيس الصيني شي جين بينج، ورغم أن أهداف بكين في هذا المجال كانت معلنة، إلا أن مشروع EUV في شنتشن تم تنفيذه بسرية تامة، وفقاً للمصادر.

وأوضحت الوكالة أن المشروع يقع ضمن استراتيجية البلاد لأشباه الموصلات، والتي أشارت وسائل إعلام حكومية إلى أنها تخضع لإشراف دينج شوكسينج، المقرّب من الرئيس الصيني، ويترأس اللجنة المركزية للعلوم والتكنولوجيا في الحزب الشيوعي (الحاكم).

وقالت المصادر إن عملاقة الإلكترونيات الصينية "هواوي" تلعب دوراً رئيسياً في تنسيق شبكة من الشركات والمعاهد البحثية الحكومية عبر البلاد، بمشاركة آلاف المهندسين. 

ووصف المطلعون المشروع بأنه نسخة صينية من "مشروع مانهاتن" الأميركي خلال حقبة المنافسة لتطوير القنبلة الذرية.

قال أحد المصادر: "الهدف هو أن تتمكن بكين في النهاية من صناعة الشرائح المتقدمة على آلات مصنوعة بالكامل في الصين". وأضاف: "الصين تريد إخراج الولايات المتحدة 100% من سلاسل إمدادها".

وأوضحت الوكالة أن "هواوي"، ومجلس الدولة الصيني، والسفارة الصينية في واشنطن، ووزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات في بكين، لم ترد على طلبات "رويترز" للحصول على تعليق.

ولم ترد هواوي ولا مجلس الدولة الصيني ولا السفارة الصينية في واشنطن ولا وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية على طلبات التعليق لـ"رويترز".

وتعتبر شركة ASML، التي يقع مقرها بمدينة فيلدوفن في هولندا، هي الشركة الوحيدة التي أتقنت تكنولوجيا EUV حتى الآن، ويبلغ سعر آلاتها نحو 250 مليون دولار، وتعد هذه الآلات ضرورية لتصنيع الشرائح الأكثر تقدماً، التي تصممها شركات مثل NVIDIA وAMD، وتنتجها شركات مثل TSMC، وIntel، وSamsung.

وبنت ASML أول نموذج عامل لتقنية EUV عام 2001، وقالت لـ"رويترز" إن الأمر استغرق قرابة عقدين ومليارات اليوروهات من الإنفاق على البحث والتطوير قبل إنتاج أول رقائق متاحة تجارياً في 2019.

وقالت الشركة، في بيان: "من الطبيعي أن ترغب الشركات في تكرار تقنيتنا، لكن هذا ليس بالأمر السهل على الإطلاق".

وأشارت "رويترز" إلى أن أنظمة EUV الخاصة بالشركة الهولندية متاحة حالياً فقط لحلفاء الولايات المتحدة، بما في ذلك تايوان، وكوريا الجنوبية، واليابان.

وأوضحت الوكالة أن الولايات المتحدة بدأت عام 2018 الضغط على هولندا لمنع ASML من بيع أنظمة EUV للصين. وتوسعت القيود في 2022 عندما فرضت إدارة الرئيس الأميركي السابق جو بايدن ضوابط تصدير شاملة تهدف إلى قطع وصول بكين إلى التكنولوجيا المتقدمة لأشباه الموصلات.

ولم تستهدف القيود أنظمة EUV فحسب، بل أيضاً آلات الطباعة الضوئية بالأشعة فوق البنفسجية العميقة DUV lithography الأقدم التي تنتج رقائق أقل تقدماً مثل رقائق Huawei، في محاولة لإبقاء الصين متأخرة جيلاً على الأقل في قدراتها على تصنيع الرقائق.

ونقلت الوكالة عن وزارة الخارجية الأميركية، قولها إن إدارة الرئيس دونالد ترمب عززت تنفيذ ضوابط التصدير على معدات تصنيع أشباه الموصلات المتقدمة، وتعمل مع شركاء "لسد الثغرات مع تقدم التكنولوجيا".

وقالت وزارة الدفاع الهولندية إن هولندا تطور سياسات تُلزم "مؤسسات المعرفة" بإجراء فحوصات أمنية للموظفين لمنع وصول الأفراد "ذوي النوايا السيئة أو المعرّضين للضغط" إلى التكنولوجيا الحساسة.

وأفادت المصادر بأن قيود التصدير أبطأت تقدم الصين نحو الاكتفاء الذاتي لسنوات وقيّدت إنتاج Huawei للرقائق المتقدمة.

"مشروع مانهاتن" الصيني

وقال أحد المطلعين إن مهندساً صينياً مخضرماً عمل في ASML جرى استقطابه للمشروع، وفوجئ بأن مكافأة التوقيع السخية جاءت مع بطاقة هوية صادرة باسم مستعار. وبعد دخوله، تعرف على زملاء سابقين من ASML يعملون أيضاً بأسماء مستعارة.

وأضاف أنه "تلقى تعليمات باستخدام الأسماء المزيفة داخل العمل للحفاظ على السرية..". وأكد شخص آخر بشكل مستقل أن المهندسين مُنحوا بطاقات هوية مزيفة لإخفاء هوياتهم حتى عن بعض العاملين داخل المنشأة.

وكانت التعليمات واضحة، بحسب المصدرين، فإن المشروع مصنّف تحت لائحة الأمن القومي، ولا ينبغي لأي شخص خارج المجمع أن يعرف ما الذي يبنونه، أو حتى أنهم موجودون هناك.

وقال المصدران إن الفريق يضم مهندسين وعلماء سابقين من ASML مولودين في الصين وتقاعدوا حديثاً، وهم أهداف مثالية لأنهم يمتلكون معرفة تقنية حساسة، لكنهم يواجهون قيوداً مهنية أقل بعد مغادرة الشركة.

وقال موظفان حاليان في ASML من ذوي الجنسية الصينية في هولندا لـ"رويترز" إن موظفين من Huawei تواصلوا معهم منذ 2020 على الأقل. ولم ترد هواوي على طلبات التعليق.

اتفاقيات عدم إفشاء

وتحدّ قوانين الخصوصية الأوروبية من قدرة ASML على تتبع الموظفين السابقين. ورغم توقيع الموظفين على اتفاقيات عدم إفشاء، أثبت إنفاذها عبر الحدود صعوبة.

وفي 2019، حصلت ASML على حكم بقيمة 845 مليون دولار ضد مهندس صيني سابق اتُّهم بسرقة أسرار تجارية، لكن المدعى عليه أعلن إفلاسه وما زال يعمل في بكين بدعم من الحكومة الصينية، وفق وثائق قضائية.

وقالت ASML إنها "تحمي" أسرارها التجارية ومعلوماتها السرية. وأضافت: "رغم أن ASML لا تستطيع التحكم في وجهة عمل الموظفين السابقين أو تقييدها، فإن جميع الموظفين ملتزمون ببنود السرية في عقودهم".

وأكدت أنها "نجحت في اتخاذ إجراءات قانونية رداً على سرقة الأسرار التجارية".

ولم تتمكن رويترز من تحديد ما إذا كانت قد اتُّخذت إجراءات قانونية ضد موظفين سابقين في ASML مشاركين في برنامج الطباعة الضوئية الصيني.

وقالت الشركة إنها تحمي معرفة EUV عبر ضمان أن عدداً محدوداً فقط من الموظفين يمكنهم الوصول إلى المعلومات حتى داخل الشركة.

برامج تجسس

وحذرت الاستخبارات الهولندية، في تقرير صدر في أبريل، من أن الصين "استخدمت برامج تجسس واسعة في محاولاتها للحصول على التكنولوجيا المتقدمة والمعرفة من الدول الغربية"، بما في ذلك تجنيد "علماء غربيين وموظفين في شركات تقنية متقدمة".

وقالت المصادر إن قدامى مهندسي ASML جعلوا هذا الاختراق ممكناً. فبدون معرفتهم الدقيقة بالتكنولوجيا، كانت الهندسة العكسية ستصبح شبه مستحيلة.

وجرى تجنيدهم ضمن حملة صينية عدوانية أطلقت في 2019 لاستقطاب خبراء أشباه الموصلات العاملين في الخارج، مع مكافآت توقيع تبدأ من 3 إلى 5 ملايين يوان (420 ألفاً إلى 700 ألف دولار) ودعم لشراء المنازل، بحسب مراجعة "رويترز" لوثائق سياسات حكومية.

وقال شخصان آخران مطلعان على جهود التجنيد إن بعض المواطنين المتجنسين في دول أخرى مُنحوا جوازات سفر صينية وسُمِح لهم بالحفاظ على ازدواج الجنسية.

ورغم أن الصين تحظر رسمياً ازدواج الجنسية، فإنها لم تجب عن أسئلة حول إصدار جوازات السفر.

داخل مصنع EUV الصيني

تبلغ أنظمة EUV الأكثر تقدماً لدى ASML حجماً يقارب حافلة مدرسية، ويصل وزنها إلى 180 طناً. وبعد محاولات فاشلة لمحاكاة هذا الحجم، صار النموذج الأولي داخل مختبر شينزين أكبر بكثير لتحسين قدرته، بحسب المصدرين.

وقال المصدران إن النموذج الصيني "بدائي" مقارنة بآلات ASML، لكنه يعمل بما يكفي لإجراء الاختبارات.

وأضافا أن النموذج الصيني متأخر عن آلات ASML بشكل أساسي لأن الباحثين واجهوا صعوبة في الحصول على أنظمة بصرية شديدة الدقة مثل تلك التي توفرها شركة Carl Zeiss AG الألمانية، أحد الموردين الرئيسيين لـ ASML. ورفضت Zeiss التعليق.

وتطلق هذه الآلات أشعة ليزر على قصدير منصهر 50 ألف مرة في الثانية، ما يولّد بلازما بدرجة حرارة 200 ألف درجة مئوية. ويجري تركيز الضوء باستخدام مرايا يستغرق تصنيعها أشهراً، وفق موقع Zeiss.

وقالت المصادر إن أبرز معاهد الأبحاث الصينية لعبت أدواراً رئيسية في تطوير بدائل محلية.

وأضاف أحد المصدرين أن "معهد تشانجتشون للبصريات والميكانيكا الدقيقة والفيزياء" التابع للأكاديمية الصينية للعلوم CIOMP حقق اختراقاً في دمج ضوء EUV ضمن النظام البصري للنموذج، ما مكّنه من العمل في مطلع 2025، رغم أن البصريات لا تزال تحتاج إلى تحسين كبير.

وفي إعلان توظيف عبر الإنترنت في مارس على موقعه، قال المعهد إنه يعرض رواتب "غير محدودة" لباحثي الدكتوراه في الطباعة الضوئية، ومنحاً بحثية تصل إلى 4 ملايين يوان (560 ألف دولار) إضافة إلى مليون يوان (140 ألف دولار) كإعانات شخصية.

وقال جيف كوك، محلل في شركة الأبحاث SemiAnalysis ومهندس سابق في ASML، إن الصين ستحقق "تقدماً ذا معنى إذا كان مصدر الضوء يملك قدرة كافية وموثوقية ولا يولد تلوثاً مفرطاً".

وأضاف: "لا شك أن ذلك ممكن تقنياً، المسألة فقط هي الجدول الزمني. لدى الصين ميزة أن EUV التجاري بات موجوداً، لذا فهي لا تبدأ من الصفر".

وللحصول على الأجزاء المطلوبة، تقوم الصين، بحسب المصدرين، بتفكيك مكونات من آلات ASML الأقدم وشراء أجزاء من موردي الشركة عبر أسواق المستعمل. وأضافا أن شبكات من شركات وسيطة تُستخدم أحياناً لإخفاء المشتري النهائي.

وقال أحد المصدرين ومصدر إضافي إن مكونات خاضعة لقيود التصدير من شركتي Nikon وCanon اليابانيتين تُستخدم في النموذج الأولي.

ورفضت Nikon التعليق. وقالت Canon إنها ليست على علم بمثل هذه التقارير. ولم ترد السفارة اليابانية في واشنطن على طلب التعليق.

وأضافت المصادر أن بنوكاً دولية تعقد مزادات بانتظام لمعدات تصنيع أشباه موصلات أقدم. وبحسب مراجعة لإعلانات على منصة Alibaba Auction الصينية، شهدت مزادات داخل الصين بيع معدات طباعة ضوئية قديمة من ASML حتى أكتوبر 2025.

وبحسب المصادر، يركز فريق من نحو 100 خريج جامعي حديث على الهندسة العكسية لمكونات من آلات EUV وDUV معاً.

وتُصوَّر مكاتب كل عامل بكاميرا منفردة لتوثيق محاولاتهم تفكيك الأجزاء وإعادة تجميعها، وهو عمل وصفته المصادر بأنه أساسي لجهود الصين في الطباعة الضوئية.

ويحصل الموظفون الذين ينجحون في إعادة تجميع مكوّن ما على مكافآت، وفق المصادر.

علماء Huawei ينامون داخل الموقع

رغم أن مشروع EUV تديره الحكومة الصينية، فإن Huawei منخرطة في كل خطوة ضمن سلسلة الإمداد، من تصميم الرقائق ومعدات التصنيع وصولاً إلى الإنتاج والدمج النهائي في منتجات مثل الهواتف الذكية، بحسب 4 أشخاص مطلعين على عمليات الشركة.

وقال أحدهم إن الرئيس التنفيذي رن تشنغفي يطلع كبار القادة الصينيين على التقدم المحرز.

وكانت الولايات المتحدة قد أدرجت Huawei على "قائمة الكيانات" في 2019، ما حظر على الشركات الأميركية التعامل معها دون ترخيص.

ونشرت Huawei موظفين في مكاتب ومصانع ومعاهد أبحاث في أنحاء البلاد لخدمة هذا الجهد. وبحسب المصادر، غالباً ما ينام العاملون المكلفون بفرق أشباه الموصلات داخل المواقع ويُحظر عليهم العودة إلى منازلهم خلال أيام الأسبوع، كما تُقيّد إمكانية الوصول إلى الهواتف للفرق التي تتعامل مع مهام أكثر حساسية.

وقال أحد المصادر: "داخل Huawei، لا يعرف سوى عدد قليل من الموظفين نطاق هذا العمل". وأضاف: "تُبقى الفرق معزولة عن بعضها لحماية سرية المشروع… لا يعرفون ما الذي تعمل عليه الفرق الأخرى".

تصنيفات

قصص قد تهمك