أصبح سوق العملات الرقمية أكثر زخماً وثراء، بعد اجتذابه اهتمام مختلف الجهات في الأسواق الاقتصادية والاستثمارية والحكومية، فلم يعد هذا المجال مجرد قبلة لهواة الثراء السريع، بل تحول إلى مساحة يقصدها المستثمرون، من رجال أعمال وشركات، وكذلك الحكومات الساعية نحو المُضي قدماً لتتخطى عصر النقود المعدنية والورقية.
ولكن مع هذا الزخم، ظهرت حالة من الخلط بين العملات الرقمية والمشفرة والتعاملات المالية الرقمية، ولكل منها أنواع واستخدامات وخصائص متنوعة.
العملات الرقمية
يعد مصطلح "العملات الرقمية"، وهو المفهوم الأشمل والمظلة الواسعة التي تندرج أسفلها أي عملة رقمية، مهما كان نوعها أو الهدف منها، وبالتالي فإن هذا المصطلح يمكننا استخدامه لتسمية أي عملة يتم تداولها والتعامل بها على شبكة الإنترنت.
وبهذا التعريف، تفرض العملات الرقمية بديلة النقود التقليدية، سواء ورقية أو معدنية، نفسها بقوة، حيث إن هذا الاتجاه متزايد حالياً بين الدول لاختبار الاعتماد على العملات الرقمية، بدلاً من النقود التقلدية، لأن تلك الخطوة ستخفض من تكاليف طباعة وصك النقود المعتادة، وكذلك ستحافظ على قيمة العملات القومية، إلى تسهيل نشر ثقافة المدفوعات والتحويلات المالية الإلكترونية.
وتعتبر المركزية والسيطرة الحكومية وعدم سرية الهوية، من أهم عوامل الجذب التي تمتلكها العملات الرقمية، حيث إن الدول تكون معها قادرة على أن تكون المصدر المركزي الرئيسي والمنظم لاستخدامها، كما أن ذلك يجعلها قادرة على التصدي لأي استخدامات غير قانونية أو إجرامية، وعلى رأسها غسل الأموال.
"اليوان الرقمي"
من جانبها، أطلقت الصين، مطلع العام الجاري، تطبيقاً تجريبياً لعملتها المشفرة "اليوان الرقمي e-CNY"، عبر الهواتف الذكية التي تعمل بنظامي "أندرويد و آي أو إس"، بحيث يسهل على المستخدمين التعامل بها من هواتفهم المحمولة.
وتعتبر عملة اليوان الرقمي بديلة للأموال التقليدية، حيث جرى إصدارها من جانب الحزب الشيوعي الحاكم، بهدف تحويل الأموال التقليدية إلى صورة رقمية، وليست كالعملات المشفرة مثل "بيتكوين".
وتعتمد فكرة "اليوان الرقمي" على مستويين من العمليات، الأول يعتمد على تحويل العملة الجديدة من الحزب الحاكم إلى المؤسسات البنكية والتي بدورها في المستوى الثاني، تبدأ في توزيع العملات الرقمية مباشرة إلى عملائها.
وفي المقابل، بدأ الاتحاد الأوروبي في التخطيط لإطلاق "اليورو الرقمي" خلال الفترة المقبلة، حيث وضع الأسس الرقمية من أوراق بحثية ومناقشات مع مختلف الجهات، ولكن الأمر لم يدخل بعد في حيز التطبيق التجريبي.
كما كان للبنك المركزي الكندي العديد من المبادرات والمشروعات وأشهرها Project Jasper والذي يعتمد على نفس فكرة بقية العملات الحكومية الرقمية، بحيث تعتمد على إصدار البنك المركزي الحكومي للبديل الرقمي لعملة الدولة، على أن تكون الوحدة الواحدة من العملة المادية الحقيقية تساوي عملة واحدة من نظيرتها الرقمية.
وبذلك تبقى قيمة العملة ثابتة، خاصة أنها لا ترتبط بالعرض والطلب أبداً، كما هو الحال في المشفرة مثل البيتكوين، كما أنه لا يتم السماح بتعدينها، وذلك لنفس السبب، وهو أن تظل الدول والجهات الرسمية المصدرة لها هي المسيطرة عليها والمتحكمة في تداولها.
العملات المشفرة
تعد العملات المشفرة جزءاً من العملات الرقمية، وتعتمد كما تعكس تسميتها، على بروتوكولات التشفير القوية داخل أنظمة سلاسل الكتل Blockchain، والتي تضمن مجهولية هوية المتداولين وحفظها سرية.
إضافة إلى أن جميع المعاملات داخل بيئة العملات المشفرة المختلفة تعتمد في المقام الأول على ارتباطها بالرمز المسلسل للمحفظة التي يتم التحويل منها وإليها، فقط مجموعة من الأرقام والحروف الإنجليزية المتداخلة، دون وجود أي أسماء للأشخاص الواقفين خلف تلك المعاملات.
ولكن رغم عدم كشف هوية المتداولين، إلّا أنه في حال تم ربط أي عنوان لمحفظة إلكترونية بهوية شخص حقيقي، فإن يسهل تتبع كافة التعاملات والتحويلات التي يقوم بها هذا الشخص داخل عالم العملات المشفرة، لأنه لا يمكن حذف أي معاملات تتم داخل سوق العملات المشفرة بمختلف أنواعها، وجميعها يتم حفظها في سجلات عامة موزعة Distributed Ledger متاح للجميع الاطلاع عليها.
ويقوم هذا النوع من العملات الرقمية على فكرة اللا مركزية Decentralization، فليس هناك طرف واحد يتحكم في حركة وإصدار العملات المشفرة، لأن تلك العملات يمكن الحصول عليها من خلال التعدين Mining، والذي يعتبر نقطة القوة بالنسبة لتلك العملات.
فعملية تعدين العملات تتمثل في حل مجموعة من العمليات الحسابية المعقدة، والتي تضفي طبقة التشفير الثقيلة على مستوى المعاملات من بيع وشراء، وعندما يصل أحد العاملين في التعدين بأجهزته الحاسوبية لحل تلك المعاملة، يحصل على مكافأة في صورة العملات، وبذلك تستمر العملية بقوة وثبات واستقرار.
كما يمكن الحصول على العملات عبر الشراء المباشر عبر الخدمات والمواقع والتطبيقات التي أصبحت متاحة بشكل واسع على مستوى العالم، وعند البيع والشراء يتحكم عنصر العرض والطلب في أسعار تلك العملات، وبالتأكيد أيضاً تتحكم بها تغريدات إيلون ماسك في كثير من الأحيان.
المعاملات المالية الرقمية
يخلط البعض مفهوم العملات المشفرة مع المعاملات المالية الرقمية التي تستخدم بشكل واسع من خلال البطاقات الائتمانية أو خدمات المدفوعات الإلكترونية، فحالياً يمكن لأي شخص الدفع بواسطة البطاقات الائتمانية، سواء كانت "كريدت كارد" أو بطاقة خصم مباشر Debt Card، في المحال التجارية أو على مواقع التسوق الإلكتروني، وكذلك الدفع أو التحويل عبر خدمات مثل باي بال وVenmo.
الاختلاف الأول بين تلك المعاملات الرقمية والعملات المشفرة، هو أن المعاملات الرقمية تتم عبر وجود العديد من الوسطاء من بنوك ومؤسسات مالية وسيطة، تتحمل أعباء تأمين المعاملات والتأكد من عدم وجود أي تلاعب أو تحايل لضمان سلامة المعاملات بالكامل، وذلك يحمل المتعاملين أعباءً مالية إضافية غير متواجدة في عمليات تداول العملات المشفرة.
كما أن المعاملات المالية الرقمية تعتمد على تداول أموال حقيقية، ولكن بشكل إلكتروني، وبذلك فإن الطرفين، المرسل والمستقبل أو المشتري والتاجر، يعتمدون على القيمة الفعلية للأموال التي يتم التعامل بها، مضافاً إليها مصروفات الدفع أو التحويل والتي تتمثل في تكلفة التحويل، وكذلك تكاليف معالجة بيانات الحركات المالية وتأمينها.
اقرأ أيضاً: