على مدى شهور طويلة، دخلت سوق الطيران الأميركية في خلاف مع مقدمي خدمات شبكات المحمول، وتحديداً شركتي "إيه تي آند تي" و"فرايزون"، مع اقتراب توسيع نطاق تفعيل خدمات الجيل الخامس من شبكات المحمول 5G، إذ ظهرت مخاوف عديدة بشأن تداخل ترددي يؤثر على عمل أجهزة حساسة داخل الطائرات تعد عاملاً مؤثراً في عمليات الهبوط.
بدأ الخلاف بعد أن دفعت شركتا "AT&T" و"Verizon" مبلغ 67 مليار دولار للحصول على تراخيص استخدام نطاقات كبيرة من الحيز الترددي "C-Band" لتشغيل وترقية شبكاتها لتتناسب مع تقديم خدمات الجيل الخامس من شبكات المحمول، بحسب فوربس.
وتعتبر تقنية 5G إضافة ثورية لسوق الاتصالات، لما توفره من سرعات فائقة للإنترنت تصل إلى معدل نقل بيانات 10 جيجابت في الثانية، وهو أسرع بمقدار 100 مرة مما توفره شبكات الجيل الرابع حالياً، ولكن ذلك لم يخفف من مخاوف شركات الطيران.
والثلاثاء، ألغت شركات طيران كبرى في الهند واليابان والإمارات، بعض رحلاتها إلى وجهات أميركية وسط خطة لتشغيل شبكات الجيل الخامس "5G" في بعض المناطق الأميركية، الأربعاء.
وأعلنت شركة طيران الإمارات، تعليق رحلاتها إلى مدن أميركية اعتباراً من الأربعاء، بسبب تشغيل شبكات الجيل الخامس "5G" في بعض المطارات.
تأجيل التشغيل
واتفقت شركتا "إيه تي آند تي" و"فيرايزون" على التأجيل المؤقت لتشغيل مئات أبراج الهاتف القريبة من المطارات الأميركية التي تعمل بتقنية الجيل الخامس والتي كان من المحتمل أن تبدأ التشغيل الأربعاء، وذلك في اللحظة الأخيرة من المحادثات مع مسؤولين حكوميين من أجل الحد من اضطرابات الرحلات الجوية.
وأصدر الرئيس الأميركي جو بايدن بياناً الثلاثاء أشاد فيه بالخطوة حيث قال: "تتجنب الاتفاقية الاضطرابات المدمرة المحتملة في سفر الركاب وعمليات الشحن وتعافي الاقتصاد مع السماح بتطوير أكثر من 90% من الأبراج اللاسلكية كما كان مقرراً".
ما سبب المخاوف؟
دكتور نادين عيتاني، أستاذة إدارة الطيران بجامعة سري البريطانية، قالت لـ"الشرق"، إن النطاق الترددي "C-Band" الذي تعتمد عليه عملية توسيع نطاق انتشار خدمات الجيل الخامس، هو النطاق ذاته الذي تستخدمه أجهزة قياس الارتفاعات "Radio Altimeters" المستخدم في كبائن قيادة الطائرات التجارية لنقل الركاب والبضائع.
ولفتت إلى أن ذلك قد يرفع من احتمالية التعرض لخطورة التداخل بين الترددات، خصوصاً أنه من المفترض أن يتم تحديد مساحات فاصلة آمنة بين الترددات المستخدمة للأغراض المختلفة.
وأشارت "عيتاني"، إلى أن المسافة الفاصلة المتعارف عليها في أوروبا هي 0.4 جيجاهيرتز، بحيث تبدأ ترددات عمل أجهزة قياس الارتفاعات في الطائرات من 4.2 جيجاهيرتز، بينما أعلى تردد لعمل شبكات الجيل الخامس هو 3.8 جيجاهيرتز، وبالتالي يتم تفادي وقوع أي تداخل، بينما الحد الأقصى لعمل ترددات الـ5G في الولايات المتحدة هو 3.9 جيجا هيرتز.
وأضافت أن أجهزة قياس الارتفاعات يعتبر وسيلة أساسية تساعد قائدي الطائرات على تحديد ارتفاع الطائرات خلال تحليقها فوق المرتفعات والمسطحات المائية، ما يساعدها على تفادي حوادث التصادم خلال ظروف الرؤية الصعبة، إلى جانب إتمام هبوط الآمن في الظروف الجوية الصعبة.
وأشارت خبيرة الطيران إلى أن أي تداخل يحدث بين ترددات أجهزة "الألتيميتر" مع ترددات محطات وأبراج شبكات الجيل الخامس، سيتسبب في تقديم قراءات خاطئة تؤثر على قرارات قائدي الطائرات، وبالتالي تضع سلامة رحلات الطيران على المحك، وتعرض أرواح ملايين المسافرين للخطر.
محاولات التأجيل
هيئة الطيران الفيدرالية "FAA" وعدد من الشركات العاملة في مجال الطيران، على رأسها "بوينج" و"آيرباص"، طالبت العام الماضي، بتأجيل التفعيل الموسع لشبكات الجيل الخامس، لضمان سلامة رحلات الطيران، وتفادي إجراء أية تحويلات أو تأجيلات أو إلغاءات أو أي اضطراب في حركة الملاحة في الأجواء الأميركية.
لكن شركتا خدمات المحمول صممتا على تطبيق الـ5G بحلول، ديسمبر الماضي، إلا أن جبهة المعارضين كانت قوية، خاصة بعد تدخل وزير النقل الأميركي، بيت بوتجيج، ومن ثم تم التأجيل إلى 5 يناير الجاري.
وهناك عدة دوائر تبرر قلق صناعة الطيران الأميركية، نظراً لأنها لم تتعاف بعد من الآثار السلبية لجائحة كورونا على حركة السفر الدولية.
وتوقعت هذه الدوائر تأثر حوالي 32 مليون مسافر سنوياً، وتكبد القطاع خسائر سنوية تُقدر بـ 1.6 مليار دولار، في حال تم تطبيق الـ5G بشكل متسرع من دون أخذ الاحتياطات اللازمة من جانب شركات الاتصالات.
إمكانية التوافق
على الرغم من موقف هيئة "FAA" الرافض، إلا أنها لم تنكر أبداً توافق تشغيل شبكات الجيل الخامس مع حركة الملاحة بشكل آمن في العديد من دول العالم، ، بحسب بيان للهيئة في 3 يناير، مشيرة إلى أن الأمر يحتاج إلى تخفيض الطاقة المستخدمة لتشغيل شبكات الجيل الخامس في محيط المطارات.
لذلك سارعت شركتا "إيه تي آند تي" و"فرايزون" إلى تقديم تعهدات بتقليل قوة الإشارات الخاصة بشبكات الـ5G في محيط المطارات، إلى جانب تشغيل شبكات الجيل الجديد على مستوى الولايات الأميركية بمستويات منخفضة من حيث الطاقة خلال الأشهر الـ6 الأولى للتطبيق، بحسب "نيويورك تايمز"، لكن على الرغم من التعهدات، تم تأجيل موعد التطبيق من جديد لمدة أسبوعين، ليصبح موعد التطبيق هو 19 يناير (الأربعاء).
لماذا الأزمة في الولايات المتحدة؟
بحسب موقع هيئة الطيران الفيدرالية، فإن العديد من دول العالم بالفعل بدأت تطبيق خدمات الـ 5G من دون وقوع أزمات في الملاحة الجوية، وأرجعت الهيئة ذلك إلى عدد من الإجراءات التي اتخذتها دول مثل فرنسا.
وتتمثل الإجراءات في تخفيض مستويات الطاقة الخاصة بالشبكات، إذ تشترط فرنسا أن تكون مستويات الطاقة لتشغيل محطات الجيل الخامس بحد أقصى 631 وات، أما الحد الأقصى في الولايات المتحدة فهو 1585 وات، وكذلك توجيه الهوائيات إلى الأسفل، لتجنب أي تداخلات مع الرحلات الجوية، بعكس ما عليه الحال في الولايات المتحدة.
وأوضحت الهيئة أن المناطق العازلة لشبكات الـ5G داخل المطارات في فرنسا تمتد لمسافة تقطعها الطائرات في 96 ثانية، بينما المسافة في الولايات المتحدة تقطعها الطائرة في 20 ثانية فقط، كما أن مقدمي خدمات الجيل الخامس يضعون إجراءات تأمينية دائمة لحماية الملاحة الجوية، أما على مستوى الولايات المتحدة فإن تلك الإجراءات مدتها 6 أشهر فقط.
اقرأ أيضاً: