لفتت منصة ChatGPT الذكية، انتباه العالم خلال 3 أشهر فقط من إطلاقها في نوفمبر الماضي 2022، إذ وصل عدد مستخدميها خلال أيام من إطلاقها إلى مليون مستخدم.
وتتيح المنصة كتابة موضوعات نصية حول أي موضوع تطلبه بجميع اللغات، وكأنك تتحدث إلى كاتب محترف، كما يمكنها كتابة أكواد برمجية باحترافية دفعت أندريه كارباثي، أحد رواد الذكاء الاصطناعي وهو مطور نظام القيادة الذاتية AutoPilot بسيارات تسلا، نهاية العام الماضي حول اعتماده بنسبة 80% في كتابة الأكواد البرمجية على نظام CoPilot على منصة GitHub، والذي يقوم على نظام ChatGPT، مؤكداً وصول نسبة دقته إلى 80%.
كذلك يروي مدير مايكروسوفت ساتيا ناديلا موقفاً يتعلق بمزارع في ريف أحد المدن الهندية، والذي كان يتراسل عبر واتساب مع "روبوت برمجي" لإرشاده بشأن الحصول على بعض الخدمات الحكومية.
الروبوت البرمجي، والذي كان يعتمد على منصة ChatGPT، أظهر الخطوات التي يحتاجها المزارع الهندي من أجل الحصول على الخدمات المطلوبة، ولكن الفلاح لم يرغب في القيام بنفسه بتلك الخطوات، فطلب من الروبوت أن يقوم بها نيابة عنها، وعندها تمت العملية في ثوانٍ قليلة.
مايكروسوفت أعلنت خلال توسيع نطاق شراكتها مع شركة OpenAI المالكة لمنصة ChatGPT، خططاً لتطوير أبحاث علمية في مجال الذكاء الاصطناعي، وإتاحة استخدام هذا المجال الجديد للجميع، بحيث يكون المنصة التقنية الجديدة للعالم.
الاستثمار الجديد والذي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار على مدى عدة سنوات قادمة، سيكون خطوة تحاول من خلالها مايكروسوفت أن تحجز لنفسها مقعداً في المستقبل، وكذلك تسعى من خلالها لتجديد أمجادها مع نظام تشغيل "ويندوز" بالتزامن مع بداية عصر الحواسيب المكتبية خلال ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي.
طفرة قياسية
مدير مايكروسوفت أكد أن موقف المزارع الهندي، يعكس مدى الانتشار الواسع والسريع لتطور منصة ChatGPT الذكية، وخاصة نموذج Generative Pretrained Transformer 3.5 أو اختصاراً GPT-3.5، حيث أن ذلك النموذج هو نموذج لغوي قامت بتطويره وتدريبه شركة OpenAI، والذي حقق تطوراً فائقاً مقارنة بالجيل السابق GPT-3.
أكد ساتيا ناديلا كذلك على أن التطور الثوري الذي يشهده مستخدمو الإنترنت حالياً مع منصة ChatGPT يعكس بعض سمات مستقبل العالم الرقمي، فبدلاً من أن يحتاج المستخدم إلى تعلم مادة علمية معينة بنفسه ويستغرق وقتاً طويلاً في ذلك، فسيكون كل ما عليه فعله هو تعلم طريقة التفاعل مع المنصة الثورية، والتي ستكون بمثابة المدرس الخاص لكل مستخدم، مما سيرفع من إنتاجيته ويرفع من منحنى تعلمه في وقت وجيز وبجهد أقل.
شدد مدير مايكروسوفت على أن حالة الركود الاقتصادي الحالية تعكس مدى أهمية الاعتماد على الأدوات البرمجية القائمة على الذكاء الاصطناعي مثل منصة ChatGPT، لأن تلك الأدوات تسهم في زيادة إنتاجية الأفراد بأقل جهد ممكن، إلى جانب خفض النفقات بشكل كبير، مما سينعش الاقتصاد المحلي والعالمي على حد سواء.
مخاوف استبدال البشر
وحول المخاوف التي يثيرها البعض بشأن احتمالية استبدال البشر بالروبوتات، ركز ناديلا على أنه خلال الثورة الصناعية الأولى وبداية دخول الآلات إلى المصانع، ارتفعت الأصوات المنددة بالتطور خوفاً من استبدال العمالة البشرية، إلا أن الأمر له تبعات مختلفة، فقد تطورت عجلة الإنتاج وازدهرت الصناعة، ولكن كانت هناك أيضاً حملات تسريح واسعة، "نتيجة عدم تكيف البعض مع المهارات الجديدة المطلوبة بخصوص التعامل مع الآلات والعمل معها جنباً إلى جنب"، وفق المدير التنفيذي لمايكروسوفت.
مدير مايكروسوفت، أشار أيضاً إلى أن "الثورة التقنية الجديدة التي نعيشها حالياً لن تضطر الدول إلى استبدال البشر كما حدث في الماضي، فمن سيخسرون أعمالهم بسبب الروبوتات، سيكون على الدول تدريبهم ورفع كفاءة أدائهم الوظيفي وتزويدهم بالمهارات، لأن العنصر البشري سيظل حلقة مهمة في دائرة العمل في المستقبل".
التعامل مع الحواسيب
تعد مايكروسوفت أحد المستثمرين الأوائل في شركة OpenAI، مطورة نظام ChatGPT، ففي 2019 ضخت الشركة العملاقة مليار دولار كاستثمارات أولية، وفي المقابل حصلت على حق استخدام المنتجات المختلفة للشركة الناشئة وتضمينها داخل منتجاتها المختلفة لتزويد مستخدمي مايكروسوفت بمزايا وأدوات ذكية ترفع من إنتاجيتهم.
وقد بدأت مايكروسوفت لأول مرة العام الماضي في إضافة منصة صناعة الصور من النصوص الكلامية DALL-E 2، وهي من تطوير شركة OpenAI، إلى تطبيقها للتصميم Microsoft Designer على ويندوز 11، وكذلك خدمة Image Creator داخل محرك بحثها Bing ومتصفحها للإنترنت Microsoft Edge.
وقد أعلنت مايكروسوفت خططها لتضمين منصات OpenAI الذكية في مختلف خدماتها للمستخدمين وقطاع الأعمال على حد سواء، وذلك يتوافق مع تقرير سابق لموقع "ذا إنفورميشن"، يؤكد قدوم مزايا المنصة الذكية إلى خدمات إنشاء المستندات Word والجداول Excel وإنشاء العروض التفاعلية PowerPoint.
كذلك أعلن المدير التنفيذي لعملاق البرمجيات، فتح الشركة لواجهة منصتها السحابية Azure OpenAI أمام عموم المطورين، بحيث يمكنهم تدريب نماذجهم القائمة على الذكاء الاصطناعي على نماذج OpenAI الذكية متنوعة الإمكانيات والأهداف، لتطوير روبوتات ذكية للتفاعل مع البشر لخدمتهم في تطبيقات مختلفة.
فرصة ذهبية لحسم المنافسة
الشراكة طويلة المدى بين مايكروسوفت وOpenAI تعتبر فرصة ذهبية بالنسبة للعملاق الأميركي كي يتمكن من ضرب جذوره في عمق المنافسة بالسوق التقني، فمع اتخاذ منصته السحابية Azure شريكاً حصرياً للشركة الناشئة فيما يتعلق بتدريب نماذجها القائمة على الذكاء الاصطناعي، سترتفع أرصدة خدمات مايكروسوفت السحابية في مواجهة حوت شركة أمازون AWS، والذي يستحوذ على 34% من سوق الخدمات السحابية العالمي في الربع الأخير من العام الماضي 2022.
وفي نفس الوقت ستتمكن مايكروسوفت من ضرب جوجل في مقتل بتلك الشراكة، خاصة وأن نجم OpenAI اللامع هو خدمة البحث عبر الشات ChatGPT، والمعتمدة على نموذج إنتاجي للنصوص GPT-3.5، والتي رفعت جوجل بسببها حالة الطوارئ داخل قطاعاتها، وأعادت هيكلة وتوزيع مواردها وكوادرها لتكرس جهودها نحو تطوير منافس جديد له في أقرب وقت ممكن.
مستقبل منصة ChatGPT
في الأسبوع الثاني من يناير الجاري، سلّط سام ألتمان، المدير التنفيذي لشركة OpenAI، الضوء على عدد من القضايا الجدلية بشأن مستقبل منصة ChatGPT، والتي تخطى عدد مستخدميها حاجز المليون مستخدم خلال أيام من إطلاقها في نوفمبر الماضي.
وكان من بين أهم تلك القضايا الجدلية، ما يتعلق بعدم حصرية استخدام مايكروسوفت لنماذج OpenAI الذكية، فأكد "ألتمان" على أن شركته بإمكانها منح تراخيص استخدام نماذجها الذكية لأي شركات أخرى، إلى جانب قدرتها على إطلاق منتجاتها الخاصة في الأسواق.
بحسب تصريحات له خلال ملتقى StrictlyVC، كذلك أوضح ألتمان، أن الشركة بعد أن نجحت في تطوير نموذج بالذكاء الاصطناعي يحول النصوص إلى تصميمات وصور، وهو DALL-E، وكذلك نموذج للمحادثات الفورية الذكية GPT، وكذلك نموذج ذكي للمساعدة في البرمجة Codex، فإن الباحثين في OpenAI يعملون حالياً على تطوير نموذج جديد لإنشاء مقاطع فيديو من مجرد إدخال بعض العبارات النصية، إلا أنه لم يضع إطاراً زمنياً لإطلاق هذا النموذج.
وأضاف ألتمان: "لا أرغب في وضع حيز زمني لإطلاقه، ولكنه قد يكون قريباً جداً أو قد يتأخر بعض الشيء، إلا أنه نتاج جهود بحثية تُجرى حالياً بالفعل".
وتدور بعض الشائعات بشأن الجيل الجديد من نموذج GPT، والذي سيحمل رقم إصدار GPT-4، في الربع الأول من العام الجاري 2023، إلا أن مدير OpenAI ركز على أنه لن يتم إطلاقه إلا بعد التأكد التام من جاهزيته للعمل بشكل آمن ومسؤول وفعّال".
وشدد ألتمان على أن بعض المستخدمين يتوقعون أن يتيح الجيل القادم مستوى الذكاء الاصطناعي العام Artificial General Intelligence أو AGI، وهو مستوى الذكاء البشري الذي يمكنه إدراك أي شيء يتعرض إليه حتى وإن كان يتعرض له لأول مرة، موضحاً أن "هؤلاء سيصابون بخيبة أمل كبيرة"، وذلك لأن الشركة لم تصل بعد إلى هذا المستوى من الذكاء الاصطناعي.
وخلال لقاء صوتي في سبتمبر الماضي، أثار ألتمان نقطة شائكة تتعلق بمستقبل نماذج الذكاء الاصطناعي، إذ أشار إلى النموذج متعدد الاستخدامات Muli-Modal، وهو نموذج يعتمد على أنظمة معقدة من الذكاء الاصطناعي، ولديه الجاهزية والإمكانيات ليتمكن من إنتاج محتوى متنوع بين النصوص والصور والفيديوهات في نفس الوقت، وكل ذلك رهن أمر نصي من جانب المستخدم.
مدير OpenAI شبه النموذج متعدد الاستخدامات بنظام تشغيل الهواتف الذكية، ففي المستقبل يرى ألتمان أن هذا النموذج سيكون هو واجهة الاستخدام الرئيسية لتعامل البشر مع التكنولوجيا الحديثة.
كما لفت إلى أنه سيفتح مجالاً واسعاً لنطاق متنوع من الشركات التي ستعمل على بناء خدمات وتطبيقات تتوافق للعمل معه، وتقدم خدمات للمستخدمين لا حصر لها، إلا أنه لم يوضح ما إذا كان GPT-4 هو ذلك النموذج المنشود أم لا.
اقرأ أيضاً: