قالت أكبر جهة منظمة لمكافحة الاحتكار في أوروبا إنها قد تسعى إلى تفكيك أعمال تكنولوجيا الإعلانات في شركة "جوجل"، واتهمت الشركة العملاقة في مجال التكنولوجيا بإساءة استخدام هيمنتها على صناعة تكنولوجيا الإعلانات عبر الإنترنت.
وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن الشكوى، التي قدمها الاتحاد الأوروبي ضد "جوجل"، الأربعاء، تعني "انضمام أوروبا إلى الولايات المتحدة" في الهجوم الذي شنته الأخيرة من أجل مكافحة احتكار صناعة تكنولوجيا الإعلانات في "جوجل"، ما قد يشعل فتيل "معركة طويلة الأمد" يمكن أن تتسبب في اضطراب "الأعمال الأوسع نطاقاً لشراء وبيع الإعلانات عبر المواقع الإلكترونية والتطبيقات".
وقالت المفوضية الأوروبية، وهي الجهة المنظمة لمكافحة الاحتكار في الاتحاد الأوروبي، إن "جوجل" "أساءت استخدام دورها المهيمن في عمليات شراء وبيع الإعلانات عبر الإنترنت من خلال مواقع وتطبيقات تابعة لجهة خارجية (طرف ثالث) لتوجيه هذا النوع من الأعمال التجارية ومنح مميزات أخرى لدار المزادات الإعلانية الخاصة بها"، فيما يُعرف باسم "تقنية تبادل الإعلانات".
وأوضحت المفوضية أن رأيها المبدئي هو أن "جوجل" يجب أن تبيع أجزاء من أعمال تكنولوجيا الإعلانات التابعة لها لحل "تضارب المصالح المتأصل" في دور الشركة في تصميم الإعلانات الرقمية.
"من وراء قناع"
وقالت مارجريث فيستاجر، رئيسة وحدة المنافسة في الاتحاد الأوروبي، إنه يمكن، على سبيل المثال، مطالبة الشركة بـ"بيع كل من خادم الإعلانات، الذي يعمل مع ناشري المواقع، وتقنية تبادل الإعلانات".
وأضافت، في مؤتمر صحافي، أن ذلك يمثل "إنعكاساً لمدى نفوذ وانتشار (جوجل) في سلسلة القيمة هذه إلى درجة أننا نعتقد أن تصفية هذا الاستثمار هو الطريقة الوحيدة لحل تلك المعضلة".
واعتبرت فيستاجر أن أي شيء دون بيع الأصول سيسمح لـ"جوجل" بمواصلة القيام بما تقوم به حتى الآن، "فقط من وراء قناع مختلف".
وكانت "وول سترت جورنال" أفادت، في وقت سابق من هذا الأسبوع، بأن المفوضية تبحث إصدار أمر بتفكيك أعمال تكنولوجيا الإعلانات في شركة "جوجل".
وأوضحت الصحيفة أن "جوجل" ستكون لديها الفرصة للرد على الشكوى الرسمية المقدمة من قبل المفوضية قبل صدور حكم نهائي.
وفي حال تبين أن الشركة تنتهك قانون الاتحاد الأوروبي للمنافسة، فقد تواجه أيضاً "غرامة تصل إلى 10% من إيراداتها السنوية العالمية"، على الرغم من أن بإمكانها الاستئناف على الحكم أمام محكمة الاتحاد الأوروبي.
وأضافت "وول ستريت جورنال" أن قرار الاتحاد الأوروبي بذكر "علاج محتمل"، خاصة "تصفية الاستثمار المحتملة"، يمثل "خطوة غير معتادة في هذه المرحلة من قضايا مكافحة الاحتكار".
وأوضحت الصحيفة أنه في معظم القضايا، "عادة ما ينتظر الاتحاد الأوروبي إلى أن يكتشف أن الشركة انتهكت قواعد مكافحة الاحتكار قبل مناقشة العلاجات المحتملة"، وفي قضايا سوء استخدام الهيمنة "عادة ما تكون هذه العلاجات أحكاماً بتغيير السلوك، وليس تصفية الاستثمار".
تباين الآراء
وأكدت فيستاجر أن هذا القرار "يدفع باتجاه تصفية الاستثمار"، إذ نص على أن ما تشهده سوق تكنولوجيا الإعلانات من "تعقيدات" سيجعل "من الصعب على الجهات المنظمة مراقبة التزام "جوجل" بوعودها بتغيير سلوكها".
على الجانب الآخر، قالت "جوجل" إن أدواتها في مجال تكنولوجيا الإعلانات "تساعد المواقع والتطبيقات على تمويل محتوياتها" و"تسمح للشركات بالوصول إلى عملاء جدد".
وأشار دان تايلور، نائب رئيس "جوجل" للإعلانات العالمية، في تصريح مكتوب لـ"وول ستريت جورنال"، إلى أن التحقيق الذي تجريه المفوضية يركز على "جانب ضيق من أعمالنا في مجال الإعلانات"، واصفاً الأمر بأنه "ليس جديداً".
وأضاف أن شركته "لا تتفق مع رأي المفوضية"، و"سيأتي ردنا على هذا الأساس".
وكانت "جوجل" طعنت من قبل على الادعاءات القائلة بأن وجودها في نقاط مختلفة في عملية شراء الإعلانات عبر الإنترنت يمنحها ميزة غير عادلة. كما شددت على أنها لا تخطط لبيع أعمال تكنووجيا الإعلانات أو الخروج منها.
وتهدف الشكوى الرسمية المقدمة من الاتحاد الأوروبي ضد "جوجل"، والتي تُعرف أيضا باسم "بيان الاعتراضات"، إلى إبلاغ الشركة كتابياً بالمخاوف الأولية التي تساور الجهة المنظمة بالاتحاد، وأنها لا تستبق نتيجة التحقيق الذي قد يستغرق عاماً أو أكثر.
وقالت "وول ستريت جورنال" إن التحقيق الخاص بتكنولوجيا الإعلانات "ليس المرة الأولى" التي تتبع فيها المفوضية المخاوف المتعلقة بمكافحة الاحتكار من "جوجل"، إذ سبق للجهة المنظمة في الاتحاد الأوروبي أن فرضت 3 غرامات تتعلق بمكافحة الاحتكار ضد الشركة العملاقة في مجال البحث، بلغ إجمالي قيمتها قرابة 9 مليارات دولار. وقدمت "جوجل" بطعون قانونية في القضايا الثلاث.
وتأتي شكوى الاتحاد الأوروبي، بعد عدة أشهر من إقامة وزارة العدل الأميركية دعوى قضائية تتهم فيها "جوجل" بـ "إساءة استخدام سلطتها الاحتكارية في أعمال سمسرة في مجال الإعلان الرقمي".
وطالبت الدعوى، التي أقامتها الوزارة، في يناير الماضي، أمام المحكمة الفيدرالية الأميركية بإلغاء ما أشارت إليه على أنه "عمليات استحواذ مانعة للتنافسية"، ودعت إلى تصفية استثمارات "جوجل" في مجال تبادل الإعلانات وخادم إعلانات الناشر.
وقالت فيستاجر، الأربعاء، إن مسؤولي الاتحاد الأوروبي أجروا "تعاوناً وثيقاً" مع وزارة العدل الأميركية في هذه القضية.
وأضافت: "نتشارك الرأي نفسه في ما يتعلق بمصلحة التنافس والعلاج الأفضل لهذا النوع من المشكلات".
وبحسب "وول ستريت جورنال"، تمثل أعمال تكنولوجيا الإعلانات في "جوجل"، والتي تنفرد بنحو 14% من عائدات الشركة من الإعلانات، "لاعباً محورياً" في عمليات شراء وبيع الإعلانات الرقمية على المواقع والتطبيقات عبر الإنترنت.
وباعتبارها غير مرئية إلى حد كبير من قبل مستخدمي الإنترنت، تتضمن أعمال تكنولوجيا الإعلانات التابعة لـ "جوجل" أداة يمكن للناشرين استخدامها لتوفير مساحة إعلانية عبر الإنترنت، ومنتَج للمعلنين لشراء تلك المساحة، وتبادل يربط المشترين تلقائياً بصفحات الويب أثناء تحميلها للمستخدمين.
وطالما زعم المسؤولون التنفيذيون في مجال الإعلام والمشرعون والمنظمون أن الدور الذي تضطلع به "جوجل" على صعيد عمليات الشراء والبيع يمنحها "ميزة غير عادلة" على منافسيها.
وفي معرض الرد على هذه الاتهامات قالت الشركة إن أدواتها واسعة الانتشار لأنها تتسم بـ"التنافسية والفعالية"، إضافة إلى مصلحة الشركة في مساعدة المواقع على كسب الأموال لأنها تحتاج إلى شبكة نشطة للمحافظة على ربحية ماكينتها البحثية العملاقة.
تسوية
والأربعاء، عرضت فيستاجر بعض النماذج لكيفية اساءة "جوجل" استخدام دورها الثنائي في مجال تكنولوجيا الإعلانات.
على سبيل المثال، أكد الاتحاد الأوروبي أن منتج خادم الإعلانات التابع لـ "جوجل"، والذي يحمل اسم DoubleClick for Publishers، منح تقنية تبادل الإعلانات "ADX"، التابعة لـ "جوجل" أيضاً، "ميزة كبرى على منافسيها عن طريق السماح لهذه التقنية بتقديم عروض أسعارها بعد المنافسين، أو السماح لها بالاطلاع على قيمة أفضل عطاء منافس.
وفي مثال آخر، قالت فيستاجر إن التحقيق الذي يجريه الاتحاد الأوروبي وجد أن "Google Ads" وهي أداة شراء للمعلنين، قررت توجيه العطاءات عبر تقنية تبادل الإعلانات "ADX" التابعة لـ "جوجل"، ما يجعلها سوقا أكثر جاذبية.
ويعود أصل الشكوى المقدمة من الاتحاد الأوروبي إلى التحقيق الذي أجرته الجهات التظيمية في الاتحاد بشكل رسمي بشأن أعمال تكنولوجيا الإعلانات في "جوجل" عام 2021.
وكانت "جوجل" حاولت في وقت سابق تسوية مزاعم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ضد أعمال تكنولوجيا الإعلانات التابعة لها عن طريق عرض فصل أجزاء من أعمالها إلى وحدة مستقلة تحت مظلة الشركة الأم "Alphabet" لكن الجهات التنظيمية اعترضت بحجة أن هذا الإجراء "لن يكون كافياً لمعالجة مخاوفها"، وفقاً لما أوردته "وول ستريت جورنال" العام الماضي.
وقامت الشركة بتسوية قضية منافسة أخرى تتعلق بأعمالها في مجال تكنولوجيا الإعلانات في فرنسا بالموافقة على دفع غرامة بقيمة 220 مليون يورو (نحو 238 مليون دولار) من خلال موافقتها على تحسين وصول منافسيها إلى البيانات الخاصة بمجال تكنولوجيا الإعلانات، والتعهد بعدم استخدام بياناتها لبيع الإعلانات بطرق لا تستطيع الشركات المنافسة إعادة إنتاجها.
اقرأ أيضاً: