
لم تجد شبكة الجيل الخامس الخاصة بالهواتف الذكية 5G الإقبال المتوقع، بعد مرور عام على إطلاقها في الصين، على الرغم من توفر العروض، وانتشار خدماتها في مناطق مختلفة من البلاد، وإطلاق عشرات الهواتف الداعمة للخدمة بأسعار في متناول الجميع.
ووفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن وزارة الصناعة وتكنولوجيا المعلومات الصينية، تم بناء أكثر من 690 ألف محطة تشغيل لشبكة الجيل الخامس في عموم الصين، لكن اشتراكات الصينيين لم تزد على 160 مليون مستخدم حتى نهاية سبتمبر الماضي.
ارتفاع نسبي في الأسعار
"باقات 5G تكلف أكثر من 120 يوان (18 دولاراً)، هذا السعر مبالغ فيه مقارنة بسعر باقة بسعة تحميل بيانات مماثلة في 4G"، بهذا الإجابة برر أحد الموظفين الصينين في إحدى الشركات في بكين، ويدعى مينغ، سبب عدم تفضيله لاستخدام خدمات الجيل الخامس.
واستطرد مينغ، قائلاً: "هاتفي يدعم شبكة الجيل الخامس، لكنني ما زلت مقتنعاً بضرورة الانتظار إلى حين نزول أسعار باقات 5G لمستويات مقبولة".
في وقت سابق من هذا العام، أظهرت نتائج استبيان اعتقاد الصينيين أن الاشتراك في خدمات الجيل الخامس مكلف. وقال 49.2% من مستخدمي 5G في هذا الاستبيان إن"باقات الخدمة باهظة الثمن"، فيما قال 44.8% من مستخدمي الهواتف المحمولة من الجيل الرابع إن السبب الرئيسي لعدم ترقيتهم هي "التكلفة العالية" لخدمة 5G.
اطلعنا على عروض "تشاينا يونيكوم"، إحدى المشغلين الرئيسيين الثلاثة في الصين. فوجدنا أن أرخص باقة 5G تكلف 129 يوان صيني (19.28 دولار) مقابل التمتع بـ 30 غيغا بيانات من الإنترنت، في حين تكلف باقة مماثلة في حجم البيانات من 4G قرابة 88 يوان (13.15 دولار).
غياب المحفّز التكنولوجي
ما زلت أتذكر مواكبتي لإطلاق خدمة 4G على نطاق واسع في الصين بين عامي 2014 و2015، لقد تزامن حينها الأمر مع بداية ظهور تطبيقات ومميزات لم تكن لترى النور مع شبكات الجيل الثالث.
ظهرت للمرة الأولى خاصية "الخونباو" الإلكتروني في تطبيق المراسلات "وي تشات" الأكثر شهرة واستخداماً في الصين. و"الخونباو"، هو ظرف أحمر صغير توضع فيه أموال، ويتهادى به الصينيون، فيما بينهم في المناسبات العائلية والأعياد والحفلات والجلسات.
ومع ظهور النسخة الإلكترونية منه، تهافت الجميع حينها على استخدامها في جلسات الأصدقاء، والعائلات، وحفلات الشركات يتسابقون في فتح "الخونباو" للحصول على نصيب من الأموال بدافع الترفيه والتهادي والاحتفال.
وكان مستخدمو الجيل الرابع هم الوحيدون القادرون على إرسال وفتح "الخونباو الإلكتروني" الذي حفز الكثيرين في الصين على ترقية شبكاتهم إلى 4G.
أتاحت 4G حينها التواصل مع العائلة باستخدام تقنية الفيديو في أماكن لا تغطيها شبكات "الواي فاي"، إضافة إلى غيرها من الخاصيات المتطورة حينها، كخدمة توصيل الوجبات، والألعاب، ومشاهدة مقاطع الفيديو، والدفع الإلكتروني، وغيرها من الخدمات التي انتشرت بشكل كبير مع شبكات الجيل الرابع رغم ارتفاع تكلفتها مقارنة بتكاليف الاشتراك في 3G.
وفي هذا السياق، نقلت وكالة الأنباء الصينية "شينخوا" عن مطلعين في مجال الاتصالات وصناعة الهواتف الذكية قولهم إن "أحد العوامل الرئيسية وراء عزوف عدد كبير من الصينيين عن استخدام شبكة الجيل الخامس هو عدم وجود تطبيقات تستفيد من القدرات الكبيرة لهذه التكنولوجيا، وتظهرها في ثوب النقلة الثورية التي من شأنها أن تغري المستهلكين".
إحصاءات السوق الصيني
وفقاً لبيانات صادرة عن معهد تكنولوجيا المعلومات والاتصالات في سبتمبر الماضي، استقبل سوق الهواتف الذكية في الصين 26 طرازاً جديداً من الهواتف المحمولة الداعمة لشبكات الجيل الخامس، وهو ما يمثل قرابة نصف الطرازات المطروحة في السوق. أما من حيث المبيعات، فقد تم بيع 13.99 مليون هاتف جديد في الشهر نفسه، 60% منها داعمة لخدمة 5G بأسعار تتراوح بين 5500 و 1500 يوان (822 ـ 224 دولاراً) من "هواوي"، و"أوبو"، و"شياومي"، و"فيفو" وغيرها، لتغطي بذلك جميع القدرات الشرائية للصينيين.
وأفاد تقرير صادر هذا الشهر عن وكالة الأنباء الصينية شينخوا بأن خبراء في مجال الاتصالات وصناعة الهواتف الذكية قالوا إن "هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة اتجاهاً صينياً عاماً، نحو استخدام خدمة الجيل الخامس، كبديل عن الجيل الرابع، فالجيل الخامس لا يُعد السبب الأول لشراء تلك الهواتف الجديدة، بل هناك أسباب أخرى، أهمها القدرات التقنية الجديدة المتوفرة لديها".
ويضيف الخبراء أنه من المنتظر أن تدعم أكثر من 90% من الهواتف التي سيتم إطلاقها في عام 2021 خدمات الجيل الخامس، ولكن ذلك لا يعني بالضرورة أن يكون جميع مقتنيها من مشتركي باقات 5G.
توجهت إلى متجر آبل في إحدى مراكز التسوق ببكين، وهناك تحدثت إلى شابة صينية قد اشترت لتوها هاتف "آيفون 12 برو". سألتها عما إذا كانت 5G من بين أسباب شرائها للهاتف، فقالت "لا أنوي ترقية شريحتي إلى 5G في الوقت الراهن، لا أشعر بأني بحاجة إليها، فجميع ما أود القيام به أجده مع 4G".
وأوضحت أنها اشترت "آيفون 12 برو"، نظراً للإمكانات الكبيرة التي تتمتع بها كاميراته، مضيفةً أن"تشغيل شبكة 5G يزيد استهلاك البطارية، ويسهم في ارتفاع حرارة الجهاز، لا تبدو تكنولوجيا 5G في الهواتف الحالية ناضجة بشكل كافٍ"، بحسب وصفها.
وفي تقرير صادر الأسبوع الماضي عن "شينخوا"، قالت الوكالة نقلاً عن خبراء إن شبكة الجيل الخامس بإمكاناتها الكبيرة، مثل سرعة الاستجابة الفوري، موجهة أكثر للمؤسسات والشركات في أنشطتها الخدمية والصناعية.
وأوضحت الوكالة أن "القطاع الصناعي لم يصل بعد إلى مرحلة الاستغلال الكامل لشبكة الجيل الخامس، ولم يضخ بعد في السوق المنتجات الاستهلاكية الثورية التي من شأنها أن تدفع المستهلك الصيني باتجاه ضرورة استخدام خدمات 5G، والاستفادة منها في غير مجال الاتصالات، كإنترنت الأشياء".
توجّه حكومي
"حمى" الترويج لعروض الجيل الخامس استعرت بالفعل في الصين منذ شهور عدة، العروض الترويجية لخدمات 5G في كل مكان تقريباً، وذلك يوضح الاهتمام الصيني بنشر خدمات الجيل الخامس في إطار خطة التحول الرقمي في البلاد.
وكانت مواقع صينية عدة نقلت الشهر الماضي شكاوى صينيين صرحوا بأنهم "لاحظوا بطئاً كبيراً في شبكات الجيل الرابع، بعد رفضهم الترقية إلى خدمات 5G، إثر التواصل معهم من قبل موظفي مشغلي شبكات الاتصالات في الصين".
واعتبر البعض الخطوة "ممارسة غير مشروعة" تهدف إلى إرغام المستهلكين على اقتناء خدمة يراها البعض منهم "زائدة عن حاجتهم حالياً"، وهو ما نفته شركات شبكات الهاتف المحمول في الصين.
اتصلنا بأحد مسؤولي "تشاينا موبايل"، أكبر مشغل شبكات الهاتف الجوال في الصين، وقال المسؤول الذي اشترط عدم الكشف عن اسمه إن "هناك سياسة عامة في البلاد تقضي بأنه على مشغلي خدمات الاتصال الثلاثة في الصين، (تشاينا موبايل)، (تشاينا يونيكوم) و(تيليكوم تشاينا)، الترويج لخدمات الجيل الخامس، وتشجيع المستهلكين على الترقية عن طريق التخفيض في العروض، وتحسين خدمات 5G"، لكنه أوضح في المقابل أنه "لا يمكن إجراء تخفيضات كبيرة في عروض 5G، نظراً للتكلفة العالية لتشغيل محطات الشبكات".
وأضاف مسؤول "تشاينا موبايل" أن "شركته تسعى إلى استقطاب أكبر عدد من المستهلكين إلى شبكات 5G، لتغطية تكاليف تشغيل المحطات، التي لا يجدر بها أن تعمل بكامل طاقتها، مقابل عدد محدود من المستهلكين"، لكنه نفى أن "تكون (تشاينا موبايل)، أبطأت سرعة شبكات 4G لإجبار مستخدميها على ترقية شبكاتهم إلى 5G".