بدأ سكان دول الاتحاد الأوروبي الحصول على تجربة جديدة كلياً لاستخدام الإنترنت والخدمات الرقمية على أجهزتهم الذكية، إذ دخل قانون الأسواق الرقمية DMA حيز التنفيذ، الخميس، مع إجراء شركات تقنية تعديلات، بعضها جذري، للامتثال لقانون أوروبي جديد.
ويستهدف قانون الأسواق الرقمية إلزام الشركات الرقمية العملاقة، التي ينطبق عليها تصنيف "حارس البوابة" Gatekeeper، بعدم إساءة استخدام مركزها المهيمن، مع العلم أنّ تنفيذه الفعال ينطوي على تحدٍّ كبير وسيتسبب بمعارك شرسة.
ويحدد قانون الأسواق الرقمية DMA سلسلة التزامات ومحظورات لوقف إساءة استخدام المركز المهيمن، بهدف الحد من المنافسة، وزيادة التنافسية في السوق، ومساعدة الجهات الصغيرة على التقدم.
ويتعيّن على ستة من عمالقة التكنولوجيا، جوجل وأمازون وأبل وميتا (فيسبوك وإنستجرام وواتساب) ومايكروسوفت، إضافة إلى الصينية بايت دانس المالكة لتيك توك، الامتثال لمندرجات القانون اعتباراً من الخميس.
قانون الأسواق الرقمية DMA
يحدد القانون الجديد ثلاثة معايير لتصنيف شركة تقنية بأنها من حراس البوابة، أولهما حفاظ الشركة على وضع اقتصادي قوي، وتأثير فعّال على السوق المحلية في عدد من الدول الأوروبية، بينما الشرط الثاني يتمثل في وقوف الشركة بموقف الوسيط القوي الذي يتيح لعدد كبير من المستخدمين الوصول إلى شركات مختلفة.
ويعتمد المعيار الثالث على موقف اقتصادي ثابت داخل السوق، مع توفر المعايير خلال كل عام من الأعوام المالية الثلاث الماضية.
وانطبقت المعايير الثلاثة على 6 شركات، وهي: أبل وميتا ومايكروسوفت وأمازون وبايت دانس، وذلك على مستوى 22 خدمة رقمية، من شبكات اجتماعية، مثل فيسبوك وتيك توك ولينكد إن وانستجرام، والخدمات الوسيطة مثل خرائط جوجل ومتاجر أمازون وآب ستور جوجل بلاي، والمنصات الإعلانية لميتا وجوجل وأمازون، إضافة إلى منصات التراسل مثل واتساب وماسنجر، وخدمة بث الفيديوهات يوتيوب ومتصفحات جوجل وسفاري، ومحرك بحث جوجل سيرش، وأنظمة تشغيل أندرويد وويندوز وiOS.
وعلى مدار الأيام الماضية بدأت الشركات تعلن تباعاً قرارات وإجراءات جديدة تجعلها في موضع الملتزم بالقرار الأوروبي، فعدم الامتثال للقانون الجديد يضع عمالقة التكنولوجيا، تحت عقوبة ضخمة تبلغ 10% من إجمالي العوائد السنوية لها، وفي حال أصرت الشركة على المخالفة سيكون عليها تحمل ضعف العقوبة.
تغييرات جوجل
قررت جوجل بدء إظهار رسائل تنبيهية أمام المستخدمين داخل الاتحاد الأوروبي، للحصول على موافقة صريحة منهم على جمع بياناتهم، سواء لتقديم مزايا تتوافق مع تفضيلاتهم، أو لعرض الإعلانات، مشيرة إلى أن المستخدم إذا رفض، ستكون بعض المزايا محدودة أو ستتوقف بشكل كامل.
وغيّرت الشركة أيضاً طريقة عرضها لنتائج البحث المتعلقة بالمنتجات والخدمات الرقمية، فقبل التغيير كان البحث عن أي منتج أو خدمة، يعود بنتائج بحث تتصدرها معلومات حول منتج من علامة تجارية معينة أو خدمة من شركة بعينها دون غيرها، وأحياناً كانت جوجل تقوم بتفضيل عرض معلومات من خدماتها، مثل خدمتها لرحلات الطيران والسفر Google Flights، ولكن عقب التغيير، ستتصدر النتائج مساحة تركز على مقارنة الأسعار والمزايا من مواقع مستقلة متخصصة في ذلك.
وستبدأ جوجل عرض شاشات تتيح اختيار محركات البحث ومتصفحات الويب المفضلة لدى المستخدمين، عبر هواتف أندرويد وآيفون عند استخدامها لأول مرة، وكذلك متصفح كروم على الحواسيب الشخصية.
وقررت الشركة كذلك تعميم إمكانية تنقل المستخدم ببياناته عبر خدماتها المختلفة لاستخدامها على متن تطبيقات أخرى، حيث ستتيح الشركة واجهة برمجية جديدة Data Portability API، ليستفيد منها المطورون داخل تطبيقاتهم.
مطورو التطبيقات المتواجدة على متن متجر جوجل بلاي، سيكون لديهم الفرصة لعرض إمكانية قيام مستخدميهم بالدفع مقابل خدماتهم عبر أنظمة دفع خارج نظام الدفع الخاص بجوجل، وسيُسمح به فقط داخل الاتحاد الأوروبي.
خطوات أبل
بدورها، أجرت أبل تغييرات جذرية لطريقة عمل متجرها "آب ستور" في دول الاتحاد الأوروبي، فمع تحديث iOS 17.4 سيتمكن المقيمون في أوروبا من تثبيت تطبيقات من خارج "آب ستور" لأول مرة في تاريخ أبل، بشرط أن يحصل أصحاب تلك المتاجر على موافقة وترخيص من الشركة الأميركية.
وأوضحت أبل أنه في حال قضى المستخدم فترة طويلة خارج أوروبا، فإن تلك التطبيقات ستتوقف عن العمل، ولن تحصل على التحديثات التي يطلقها مطوروها.
كما سيحق لمطوري التطبيقات تفادي دخول متجر أبل من الأساس، وذلك تجنباً لدفع نسبة من كل عملية دفع تجري داخل تطبيقاتهم والتي تبلغ 30%، على أن تحصل الشركة على نصف يورو عن كل عملية تحميل جديدة لتطبيقاتهم الموجودة خارج متجرها، ويتضمن ذلك أيضاً عمليات تثبيت التحديثات، وكل ذلك سيُحتسب بعد تخطي عدد تحميلات التطبيق لحاجز المليون.
وسيحصل مطورو متصفحات الويب على مساحة أكبر للإبداع وتقديم تجارب جديدة لتصفح الويب لمستخدمي هواتف آيفون في أوروبا، فلن يحتاج مطورو المتصفحات للالتزام باستخدام محرك أبل لمتصفحها سفاري WebKit لتطوير المتصفحات، ويمكن لكل مطور استخدام محركاته البرمجية المختلفة، ما سيخلق مساحة أكبر للإبداع، إلا أن الشركة اشترطت ألا يقوم مطورو المتصفحات بجمع بيانات تنتهك خصوصية وأمان المستخدم، مثل ملفات الارتباط "كوكيز".
ويسمح التحديث الجديد لتطبيقات الجهات الخارجية، مثل تطبيقات البنوك والإضافات البرمجية وتطبيقات روبوتات الدردشة الذكية، باستخدام ميزات الدفع اللاسلكي عبر تقنية NFC على هواتف آيفون، حيث كانت هذه الميزة محصورة سابقاً لتطبيقات وخدمات أبل فقط.
قرارات ميتا
اتخذت ميتا قرارات بشأن المستخدم الأوروبي لتهدئة مخاوف الاتحاد الأوروبي، والالتزام بقانون DMA، إذ تقدم الشركة بداية من 1 مارس باقة مدفوعة مقابل 9.99 يورو، ليتمكن المستخدم من الاستمتاع بخدمات فيسبوك وانستجرام دون رؤية إعلانات، وبالتالي سيحمي ذلك خصوصية بياناته.
إلا أن الاستخدام المجاني أيضاً مازال متاحاً أمام مستخدمي المنطقة الأوروبية، كما أوقف العملاق الأزرق عرض الإعلانات أمام المستخدمين الأقل من 18 عاماً داخل دول الاتحاد.
ولتظهر انفتاحاً أكبر حول رؤيتها لسوق التراسل، أعلنت ميتا في السادس من مارس الجاري أنها مستعدة لجعل مستخدمي واتساب وماسنجر قادرين على مراسلة بقية مستخدمي خدمات التراسل المنافسة، دون الحاجة لإنشاء حسابات على تلك الخدمات.
ولكن الشركة اعترضت على اعتبار ماسنجر ومتجرها Marketplace من حراس البوابة، فالأولى خدمة مدمجة مباشرة داخل فيسبوك، بينما الثانية متجر يعرض عليه المستخدمون منتجات ويتواصلون مع غيرهم من المستخدمين، وبالتالي ميتا نفسها لا تلعب دور الوسيط. ولم يتم البت بعد في هذا الاعتراض الذي تنظره المفوضية الأوروبية.
متجر أمازون
وتقف أمازون بين صفوف حراس البوابة في المنطقة الأوروبية، لذلك اتخذت إجراءات عديدة، منها إظهار رسالة تواجه زوار متجرها الإلكتروني تطلب خلالها موافقتهم الصريحة على جمع بياناتهم الشخصية، وفي حال رفض المستخدم، لن تتمكن الشركة من جمع معلومات المستخدم عبر مختلف خدماتها مثل أمازون برايم فيديو وموقع IMDb ومنصة بث الألعاب تويتش، وأجهزتها المنزلية الذكية وأجهزة كيندل ولوحيات فاير، وكذلك أنظمة تشغيلها ومتاجرها للتطبيقات.
وقدم عملاق التجارة الإلكترونية منصة ويب جديدة للمعلنين والناشرين في الاتحاد الأوروبي، لتتيح للفريق الأول متابعة دقيقة لجميع نفقاتهم، إلى جانب إعلام الفريق الثاني حجم العوائد التي يحصلون عليها من تلك الإعلانات، إلى جانب ذلك، ستتيح أمازون للمعلنين معرفة مدى تأثير ونجاح حملاتهم الإعلانية داخل الاتحاد الأوروبي عبر منصاتها الإعلانية.
المثير للاهتمام أن عملاق التجارة الرقمية لم يكشف، حتى الآن، عن طبيعة التغييرات القادمة إلى متجرها، خاصة وأن أمازون لطالما واجهت انتقادات بشأن سياساتها المعتمدة على جمع بيانات حول التجار من مقدمي منتجاتهم عبر متجرها، واستغلالها لطرح منتجات منافسة، بل ووصلت الأمور أحيانا إلى حد وضع منتجاتها على قمة نتائج البحث لمنحها أفضلية على حساب بقية المنتجات المنافسة.
مايكروسوفت وويندوز
مايكروسوفت وبسبب ويندوز، تعتبر صاحبة نصيب الأسد من سوق أنظمة تشغيل الحواسيب الشخصية، فالشركة ستحتاج إلى تعطيل عرض محركها البحثي، بينج، داخل نتائج البحث على ويندوز، ليكون هناك فرصة لبقية المتصفحات، مثل جوجل كروم، لعرض نتائج بحث أمام المستخدم على حاسوبه.
القرار ينطبق أيضاً على عرض نتائج البحث مباشرة في تطبيق المصغر Windows Widget، بحيث لا تكون نتائج البحث قاصرة فقط على نتائج قادمة من بينج.
شركة تطوير البرمجيات ستتيح للأوروبيين إمكانية حذف متصفحها للويب مايكروسوفت إيدج، إلى جانب إمكانية حذف تطبيقات مايكروسوفت المثبتة مسبقاً على حواسيب ويندوز 11، مثل تطبيقات الكاميرا Camera app وكورتانا والصور Photos.
الشركة الأميركية نجحت في استثناء عدد من خدماتها، إيدج وبينج ومنصتها الإعلانية Microsoft Advertising، من تطبيق القانون الأوروبي الجديد.