
في أبريل عام 1905 كان المتحف المصري في ميدان الإسماعيلية – التحرير حالياً- يستقبل أول مقبرة مصرية يتم اكتشافها كاملة في وادي الملوك بالأقصر لـ"يويا وتويا"، صهري الملكة الشهيرة تي، زوجة الملك أمنحتب الثالث، ووالدة الملك أخناتون، وجدة الملك الذهبي " توت عنخ آمون".
اكتشاف المقبرة التي تعود لعام 1400 قبل الميلاد، وصفه علماء المصريات حينها بـ "درّة الاكتشافات" واحتل الممر الرئيسي في المتحف المصري.
وأطلق مموّل الحفائر الأميركي تيودور ديفيز صيحته الشهيرة حينها، "أن وادي الملوك أصبح خاوياً الآن"، في إشارة إلى صعوبة اكتشاف مقبرة كاملة، تضم كنوزاً فريدة من نوعها.
لكن عالم الآثار البريطاني هاورد كارتر، أثبت خطأ تلك المقولة باكتشافه "المقبرة الذهبية" لتوت عنخ آمون، في نوفمبر عام 1922 بالأقصر، لتحتل المكان المخصص لـ"يويا وتويا" في متحف القاهرة.
وتشاء الصدف بعد 120 عاماً، أن تنتقل مقتنيات توت عنخ آمون كاملة إلى المتحف المصري الكبير، بجوار الأهرامات، ليعود اكتشاف ديفيز مرة أخرى إلى دائرة الضوء، ويحتل أبرز معروضات المتحف المصري بالتحرير.
بدأت ملحمة اكتشافات مقابر وادي الملوك على يد الثري الأميركي تيودور ديفيز، الذي حصل على تصريح بالحفر في الوادي تحت إشراف عدد من الأثريين الشباب، منهم البريطاني الشاب هوارد كارتر، الذي كان يحتل وقتها منصب مدير آثار الصعيد، وإيرتون وكويبل.
نجحت تلك البعثة بالكشف عن مقبرة الملك تحتمس الرابع عام 1903، تلاها اكتشاف مقبرة الملكة حتشبسوت عام 1904، وتوجت هذه الحفائر بالعثور على مقبرة يويا وتويا عام 1905.
تقع المقبرة في الممر الشرقي الضيق من وادي الملوك، الذي يقع أمام مقبرة الملك رمسيس الرابع، حيث عثر الأثري كويبل، الذي كان يقود الحفائر في تلك المنطقة، على درج يتكون من "30 درجة" تقود إلى مدخل لا يزيد ارتفاعه عن متر و 75 سم، يؤدي إلى غرفة مستطيلة ذات سقف منخفض، تمّ حفرها دون تشذيب، ولا تحوي أي نوع من الرسوم أو الكتابات.
عثر كويبل في هذه الغرفة على توابيت خشبية ضخمة، وعلى أثاث جنائزي ليويا وتويا، وحين عثر على التابوتين استدعى أقرانه من الأثريين لفتحهما للمرة الأولى، فكانت المفاجأة باكتشاف سرقة اللصوص المقتنيات الذهبية، التي وضعها المصريين القدماء على المومياوتين بعد تحنيطهما.
ويروي الفرنسي جاستون ماسبيرو، رئيس مصلحة الآثار المصرية في كتابه "محادثات مصرية"، أن كويبل استمر في البحث داخل المقبرة، وعثر على " جعل " أو "جعران" منحوت من الحجر الأخضر، وبقايا إناء من الألبستر، وعصا ذهبية وعجلة حربية، وكان اللافت في هذا الاكتشاف، عثوره على بردية يويا التي يصل طولها إلى 19 متراً، وتضم كتاب الموتى باللغة الهيروغليفية، وبالقرب من الدرج تمّ العثور على نباتات مجفّفة.
على يسار هذه الغرفة، عثر كويبل بصحبة الأثريين، على غرفة أخرى تساقط عند مدخلها طبقة من الملاط، الذي كان يسدّ الحجرة، وبمجرد إضاءة الشموع، بدأ يظهر بريق الذهب، فعثروا على المقتنيات الخاصة بيويا وتويا، موضوعة بعناية، الأمر الذي فسره ماسبيرو في كتابه، أن اللصوص قديماً لم يجدوا متسعاً من الوقت لسرقتها.
وحملت المقتنيات ألقاب تويا، وكان أبرزها لقب "الأمير الوريث " و"أصدق أصدقاء الملك" و"والد الإله"، وفقاً للمعتقد المصري القديم.
استدعى جاستون ماسبيرو كبار الأثريين لترميم وحصر الكنوز، فقاموا بتصويرها خارج المقبرة، وأبدع الأثري ليندون سميث، في رسم وتوثيق تلك الكنوز، واقترح ماسبيرو على ديفز مموّل الحفائر أن يتم الاحتفاظ بالمقبرة كاملة، ونقلها إلى المتحف المصري الجديد في القاهرة، الذي تم افتتاحه عام 1902.
نقل الكنوز
بعد مرور أسابيع من الاكتشاف، تمّ نقل الآثار الهامة إلى شاطئ النيل، لتحملها ذهبية "مصلحة الآثار" إلى المتحف المصري بالقاهرة، بينما تم نقل الآثار الثقيلة بالقطار المباشر، الذي عرف وقتها باسم "الإكسبرس".
بعد وصولها إلى المتحف، تمّ تخصيص ممر رئيسي في الطابق الثاني لعرض تلك الكنوز الفريدة، التي بقيت في موقعها حتى اكتشاف مقبرة توت عنخ آمون، في نوفمبر 1922، فتم نقلها إلى غرف مستقلة، بينما بقي عدد من مقتنيات المقبرة في مخازن المتحف.
عام 2018، قررت وزارة السياحة والآثار عرض جميع مقتنيات مقبرة "يويا وتويا"، التي تبلغ 213 قطعة أثرية في المكان الذي كان مخصصاً لعرض مقتنيات الملك توت عنخ آمون، بعد البدء بنقل مقتنياته للمتحف المصري الكبير.
وكشف الدكتور علي عبد الحليم، مدير المتحف المصري في التحرير لـ"الشرق"، أنه بحلول منتصف شهر يونيو القادم، "سيتم الانتهاء من نقل جميع مقتنيات الملك الذهبي توت عنخ آمون إلى المتحف الجديد، المقرر افتتاحه في يوليو 2025".
وأكد أن مجموعة يويا وتويا "تعدّ من المجموعات الفريدة التي نراهن عليها في المستقبل، كبديل عن مجموعة توت عنخ. وبرر أهميتها بأن الاكتشاف تضمّن العثور على مومياء الأمير وزوجته بكامل مقتنياتهما الفريدة، بداية من القناعين الذهبيين والمومياوتان، مروراً بالتوابيت والأواني، فضلاً عن العجلة الحربية وبردية يويا الكبرى، التي تصل إلى 19 متراً، وتمّ عرضها للمرة الأولى عام 2018.
ولفت إلى أنه يتم تطوير أرضيات المتحف حالياً عن طريق استخدام خامة "الإيبوكسي" لحمايتها.
وبالرغم أن مقتنيات يويا وتويا غير ملكية، إلا أنه تم تصنيعها في ورشة ملكية تابعة للأسرة الثامنة عشرة، وتتشابه مع بعض مقتنيات توت عنخ آمون.
وشرح الدكتور حسن سليم، أستاذ علم المصريات، أهم ما يميّز هذا الاكتشاف، تصنيع العجلة الحربية بشكل فريد من نوعه ليناسب تقدم المرحلة العمرية ليويا، حيث كانت العربة مصممة لكي يجرها الثيران بدلاً من الخيول، وأشار إلى أنه من ضمن القطع المميزة، كرسي العرش الذي أهدته ابنة الملكة تي لجدتها تويا، ويضم منحوتة لرأس الملكة على الجانبين.
فحص دقيق
حظي "يويا وتويا" بعناية خاصة من قبل المختصّين في مجال التحنيط بمصر القديمة، ويتجلى ذلك بوضوح بشكلهما الحالي، إذ يحتفظان بتفاصيل تشريح وجههما، بالرغم من مرور 3400 عام على وفاتهما.
وقام فريق Egyptian mummy الذي أسسه الدكتور زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، بفحص المومياوتين، وعرضت الدكتور سحر سليم، التي قامت بفحصهما نتائج الفحص بالأشعة الدقيقة.
وقالت سليم لـ"الشرق": أثبتت الأشعة أن تحنيط منطقة المخ أعلى جمجمة يويا كان مميزاً، حيث تم وضع مواد تحنيطية على مستويين، كما تتميز مومياء يويا بوجود حشوات أسفل الجلد، ويتجلى ذلك بوضوح في منطقة الوجه، حيث أضافت تلك الحشوات مظهراً جمالياً للمومياء، فتلك التقنية من التحنيط حافظت على المومياء لآلاف السنين.
تابعت: "أثبتت الدراسات، أن يويا توفي في عمر 55 عاماً، وبلغ طول المومياء 166سم، وأهم ما يميّزها هو الوضع التشريحي المميز بالتقاء اليدين بالذقن".
وكشفت سليم عن المواد التي استخدمها المصري القديم في حشوات التحنيط تحت الجلد، حيث تتكون من الراتنج، وهي مواد صمغية من لقاء أشجار صنوبرية، وتتكوّن من لفائف كتان معالجة، بمواد تحنيط أو نشارة خشب أو طين مائع، ومواد دهنية معالجة بالصودا.
تابعت: "يتم استخدام مواد أخرى في الحشوات لا نعلم ماهيتها بعد، فنحن لم نأخذ أي عينات حفاظاً على أجساد الأجداد".
وأثبتت دراسات مومياء تويا، أنها توفيت في عمر زوجها نفسه، كما كشفت عن وجود اعوجاج في العمود الفقري، وبسبب تلك الإصابة، بلغ طول المومياء 145 سم. واختتمت سليم تصريحاتها بأن أهم ما يميّز الحشوات التجميلية في مومياء تويا، أنها أضافت واقعية لمنطقتي العين والوجه.