الدراسة أونلاين في مصر.. مغامرة تعليمية جديدة رغم الصعوبات

time reading iconدقائق القراءة - 9
طالبة بالصف الثالث الابتدائي خلال حصة تعليمية عن بعد بمنزلها في القاهرة في إبريل 2020  - خاص الشرق
طالبة بالصف الثالث الابتدائي خلال حصة تعليمية عن بعد بمنزلها في القاهرة في إبريل 2020 - خاص الشرق
القاهرة-الشرق

لم يتخيل القائمون على نظام التعليم الجديد في مصر والمنادون في الفترة الأخيرة بضرورة التحديث والتطوير، أن يتحقق جزء من أحلامهم بفضل "جائحة كورونا" التي سيطرت على العالم منذ أواخر العام المنصرم، ليبدأ المصريون خطوة جديدة نحو تطبيق طرق وأساليب ستغني عن الطرق التقليدية في العملية التعليمية ومنها استخدام التكنولوجيا في كل مراحل الدراسة، وإطلاق المنصات الإلكترونية للتواصل بين الطلاب والمعلمين.

تأجيل الدراسة مطلب شعب 

مع حلول منتصف مارس الماضي، تصدّر هاشتاغ "#تأجيل_الدراسة" في مصر المركز الأول على تريند موقع التدوينات القصيرة "تويتر" لمطالبة الحكومة بتعليق الدراسة في المدارس والجامعات، حتى صدر القرار رسمياً في 15 مارس 2020، ليبدأ التعليم في مصر مرحلة جديدة، أبطالها معلمون وطلاب وأولياء أمور.

 انشغل الجميع بالخطوات المقبلة لاستكمال العام الدراسي دون الذهاب إلى المدارس، خشية انتقال العدوى، ويبدأ العاملون بالتدريس خطوة مهنية جديدة، حتى يتمكنوا من "التدريس عن بعد" أو ما يُعرف بـ"التعليم أونلاين".

 

كواليس صعوبات الخطوات الأولى

تحكي علياء الشوبكي، 32 عاماً، مُدرّسة لغة  ألمانية بمدرسة لغات، لطلاب الصف الابتدائي، عن الإجراءات التي اتخذتها إدارة المدرسة التي تعمل بها منذ 4 سنوات: "وضعوا لنا خطوات لاستكمال العام الدراسي عن طريق الإنترنت". 

في البداية اعتمدت "علياء" على إعداد فيديوهات شرح المواد العلمية عن طريق استخدام برنامج العروض التقديمية "باور بوينت" مصحوباً بتسجيل صوتي لها، وغيره من الأدوات التوضيحية. وتقول: "الأمر كان مربكاً في البداية لأنه تطور من فيديو مسجّل بالصوت، لاقتراح بدء التدريس أونلاين بالصوت والصورة، كما نفعل في الفصل الدراسي تماماً".

تواجه "علياء" صعوبات عديدة خلال تجربتها الأولى فى العمل كـ"مُدرّسة أونلاين"، فتقول: "الأكثر صعوبة هو عند تقديم امتحانات تدريبية أو تمارين، عليّ أن أتخيل أنني بين الطلاب وأنهم يتفاعلون معي، أطرح السؤال وأنتظر الإجابة ثم أجيب أنا، وأحياناً أقوم بإعادة الشرح خلال الفيديو أكثر من مرة حتى أقتنع به". وتكمل: "بخلاف مشكلات الإنترنت، الفيديوهات طويلة وتأخذ وقتاً كبيراً في رفعها على اليوتيوب، إضافة إلى استخدام برامج جديدة للشرح". 

 

البحث عن مهارات جديدة لنجاح التجربة

مهارات جديدة حاول المعلمون اكتسابها في وقت قصير، فالمهمة صعبة وجديدة عليهم لإيصال المعلومة والشرح للطلاب "أونلاين"، تُكمل "علياء": "كان حملاً ثقيلاً وضرورة تعلّم العديد من الأدوات في وقت قصير مهمة ليست سهلة، ما جعلنى أرى أن التواجد في المدرسة وسط الطلاب أفضل". 

وحول عيوب تجربة "التدريس أونلاين"، تقول "علياء": "مشكلات الإنترنت عند الطلاب كثيرة، ومن الصعب جداً تواجد طلاب الفصل في وقت واحد أثناء إجراء "حصة الأونلاين"، كما أجد صعوبة في السيطرة عليهم عن بعد، ووقف بعض التجاوزات والحديث أثناء الحصة".

وتضيف: "من العيوب أيضاً أن الطلاب لا يمتلكون  درجة الاستيعاب نفسها، فبعضهم تصله المعلومة كاملة كأنه في الفصل، وآخرون يحتاجون لتواصل بصري مباشرة".

آباء لكن طلاب

أزمة أخرى تواجهها شيماء عبد الحميد، 27 عاماً، والتى تعمل مُدرّسة رياضيات للصفوف الابتدائية بإحدى مدارس اللغات، وتلخصها في "التدريس لأولياء الأمور بدلاً من الطلاب"، حيث تقول: "سن الطلاب الذين أتعامل معهم صغيرة، وبالتالي عند الظهور في فيديو لايف للشرح، أجد أولياء الأمور هم من يُعلّقون ويتفاعلون ويفكرون معي".

وتعاني هي الأخرى من مشكلات شبكة الإنترنت: "أسبوع كامل حتى الآن لم أتمكن من الظهور أونلاين في فيديو بسبب مشكلات الإنترنت، وحتى عند تحسّن الشبكة، يقاطعني الطلاب أثناء الشرح مطالبين بتحسين جودة الصوت".  

وفي الاتجاه نفسه، اعتبرت هدير صبحي، مُعلمة اللغة الإنجليزية بإحدى مدارس منطقة المرج، تدّخل أولياء الأمور في أسلوب الشرح وطريقة التعلّم والمذاكرة أكثر المشكلات التي تؤرقها خلال تجربة "التعليم أونلاين" فتقول: "ولي الأمر يتدخل في عملي الآن، ويرسلون ردوداً على فيديوهاتي مُعلّقين على طريقة الشرح. البعض يقول لي إن طريقة الشرح مختلفة عن التي اعتادوا عليها عندما كانوا صغاراً، وآخرون يبلغونني أنهم قاموا بالشرح لأولادهم بطريقة مختلفة عن التي أقوم بها، غير قادرين على الاقتناع بأن كل فترة زمنية لها طريقة وأسلوب شرح مختلف". 

 

 

ويبقى الفقر عائقاً

تتطرق نشوى ربيع، مُدرّسة الرياضيات للصفوف الإعدادية بإحدى المدارس الحكومية، لأزمة جديدة في "التعليم أونلاين" في مصر، حيث إن هناك عدداً كبير اً من الطلاب الذين ينتمون لأسر فقيرة، ولا يتمكنون من الدخول على شبكة الإنترنت أو استخدام الأجهزة الإلكترونية المختلفة، مما يحرمهم الاستفادة من تلك التجربة، والاكتفاء بما قررته وزارة التربية والتعليم التي اكتفت بالمنهج الذى تم شرحه في المدارس حتى بدء الأزمة، وتقديم ما يُعرف بـ"المشروعات البحثية" كوسيلة لاحتساب المجموع النهائي للطلاب في المراحل الدراسية، ووضعتها شرطاً لاجتياز العام الدراسي.

ولم يفلح "الشرح أونلاين" مع محمد حفني، مدرس التاريخ للصفوف الإعدادية والثانوية، والذي اعتمد عمله بشكل أساسي على الدروس الخصوصية بعيداً عن التدريس داخل المدارس، حيث اختلفت حياته تماماً بعد انتشار فيروس كورونا، بعدما توقفت الدروس الخصوصية، وهو الآن في مرحلة البحث عن عمل آخر وترك مهنة التدريس نهائياً. 

أولياء أمور: سعداء بالتجربة

وعلى الجانب الآخر، يحاول أولياء الأمور والطلاب استيعاب أسلوب التعليم الجديد، البعض منهم لا يبالي بفكرة استكمال المنهج بعد إلغاء الامتحانات والاكتفاء بتقديم "البحث الأكاديمي"، وآخرون سعداء بالتجربة مُلزمين أولادهم بضرورة حضور "حصص الأونلاين" واستكمال المنهج الدراسي. 

سها فتحي، ولي أمر 4 طلاب في صفوف دراسية مختلفة، قضت جزءاً كبيراً من عمرها خارج مصر، واحتكت بالتجارب الدراسية التي تتم عن بعد، لذلك تجد هذه التجربة فعّالة جداً وناجحة، وتطالب وزارة التربية والتعليم بالاستمرار فيها حتى بعد انقضاء أزمة تفشي وباء كورونا. 

تقول "سها": "العملية التعليمية أصبحت أكثر تفاعلية والطالب الآن ملزم بإجراء أبحاثه ودراسته مستخدماً التكنولوجيا وهو ما يساعد على تنمية قدراته". وتضيف: "أنا لا أتدخل مطلقاً في تعليم أولادي، فقط أكتفي بإخبارهم بمواعيد حصص الأونلاين أو الفيديوهات اللايف التي يجب عليهم مشاهدتها". 

احتكاك "سها" بأولياء أمور آخرين عن طريق "مجموعات واتس آب"، كشف لها أن كثيراً من أولياء الأمور يتدخلون في أسلوب شرح المدرسين وهو ما تراه خطأ جسيماً في حق تعليم أولادهم". 

مهمة مستحيلة

فيما تختلف سارة رفعت، ولي أمر طالب وطالبة في الصفوف الابتدائية، مع الرأي السابق، وترى أن "فكرة التعليم أونلاين" غير ناجحة بالمرة، وأن أولادها اعتادوا على استخدام الإنترنت والتكنولوجيا فقط في اللعب وقضاء وقت الفراغ، ومن الصعب الآن إقناعهم بأنها وسيلة التعليم الوحيدة لديهم. 

وتقول "سارة" إنها مجبرة على التدخل في أسلوب الدراسة لأولادها الآن، وتقوم معهم بحل كل التمارين والمهام المطلوبة منهم، وتضيف: "أقوم بطباعة كل التمارين التي تطلبها المدرسة من الأولاد وأجلس معهم لحلها، لذلك يحصلون على الدرجات النهائية الآن".

طلاب: ينقصنا الأصدقاء والتفاعل البصري

اختلفت آراء الطلاب والطالبات حول جدوى التعليم أونلاين ومدى الاستفادة منه، تقول سجدة خالد، الطالبة بالصف الخامس الابتدائي "التعليم عن بعد يجعلني أستوعب المعلومة بشكل أكبر لأن المكان يكون هادئاً وبعيداً عن صخب المدارس"، أما الجانب السلبي في التعليم عن بعد فهو بالنسبة لـ"سجدة" يتمثل في الابتعاد عن الأصدقاء، وافتقادها التفاعل البصري بينها وبين المعلمين.

عبد الرحمن مصطفى، في الصف الثاني الإعدادي، يرى أنهم اعتادوا على استخدام التكنولوجيا كوسيلة ترفيه في أوقات الفراغ وأن استخدامها للتعليم أمر جديد عليهم لم تثبت فاعليته حتى الآن، ولكنه يعتقد أنهم من الممكن أن يعتادوا على ذلك إذ يوفر عليهم جهد الذهاب للمدرسة يومياً.

أستاذ طرق تدريس: يفتقد تعليم المهارات

يشير الدكتور محمد مصطفى غلوش، أستاذ المناهج وطرق التدريس المتفرغ في كلية التربية جامعة كفر الشيخ، إلى أن عملية التدريس تهدف لإيصال المعلومات وتعليم المهارات وترسيخ القيم، معتبراً أنه لا فارق بين التعليم في المدارس أو التعليم الإلكتروني في إيصال المعلومات، أما في ما يخص تعليم المهارات فيعتقد "غلوش" أن التعليم عن بعد يمكنه نقل المهارات بشكل جزئي، ويقول: " لابد أن يمر إكساب المهارات بـ 3 مراحل وهي تقديم المعلومات، والتجربة العملية، والممارسة؛ إن التعليم عن بُعد يمكنه تحقيق أول مرحلتين ولكنه لن يتمكن من تحقيق المراحل الثلاث".

 ويرى أستاذ المناهج أن ترسيخ القيم لابد أن يتم بالتفاعل المباشر لتحقيق الأسوة الحسنة، لذلك لن يتحقق عن طريق التعليم عن بعد.

تصنيفات