
في السادسة من مساء الحادي والعشرين من يوليو عام 1937، أُغلقت جميع أجهزة الإرسال وجميع محطات التلغراف اللاسلكي والهواتف اللاسلكية التابعة لمكاتب البريد في الجزر البريطانية لمدة دقيقتين، فيما أوقفت جميع المحطات بالسفن إرسالها بالتزامن، وذلك في بادرة عرفان ونعي عملي للإيطالي غولييلمو ماركوني، المعروف بـ "أبو الاتصالات اللاسلكية" والحاصل على جائزة نوبل، والذي تحل ذكرى وفاته في العشرين من يوليو.
نشأة خاصة
لأب إيطالي وأم أيرلندية، وُلد غولييلمو ماركوني في الخامس والعشرين من أبريل عام 1874 بمدينة بولونيا الإيطالية، ووفقاً لموسوعة بريتانيكا، تلقى ماركوني تعليماً تقنياً خاصاً أسهم في تأهيله لأن يكون المخترع ورائد الأعمال الذي كان عليه.
وتلقى ماركوني تعليمه في مدارس مدينتي بولونيا وفلورنس الإيطاليتين، واطلع مبكراً في سياق دراسته للفيزياء على تجارب نظريات الرائدين جيمس كليرك ماكسويل، وهنريك هيرتز غير المستغلة، وأولى اهتماماً خاصاً باستكشاف أبحاثهما الخاصة بالموجات الكهرومغناطيسية وإرسال موجات الراديو.
حظي ماركوني بفرصة مبكرة هائلة للتجريب في منزل والده ببولونيا بآليات بدائية، عززها لاحقاً عندما أحرز تقدماً أولياً، لتنتهي تلك المرحلة وفي حوزة الشاب نموذج لجهاز اتصال من شأنه أن يرسل إشارات على بُعد كيلومترين ونصف تقريباً.
نجاح مبكر
من إيطاليا إلى إنجلترا، ارتحل ماركوني في بدايات عشرينياته، بصحبة نموذجه بحثاً عن مزيد من الدعم، والذي وجده بالفعل في خدمة البريد البريطانية التي ساعدته على إجراء العديد من التجارب التطبيقية وتطوير نموذجه، وخلال عام، وفقاً لـ "هيستوري"، ساعد الملكة فيكتوريا على إرسال برقية لابنها الأمير إدوارد بينما كان على ظهر اليخت الملكي في عرض البحر.
ومن المملكة المتحدة إلى الولايات المتحدة، حاز ماركوني شهرة واسعة عام 1899 حينما استطاع تأسيس تغطية لاسلكية لسباق اليخوت في كأس أميركا، وذلك قبالة سواحل ولاية نيوجيرسي.
غير أن إنجاز ماركوني الأكبر في تلك الحقبة كان حينما استطاع دحض نظرية أن الموجات اللاسلكية لا تتأثر بانحناء الكرة الأرضية، حينما رصد إشارة ضعيفة عابرة للمحيط الأطلسي بين كورنوال الإنجليزية، ومدينة سانت جونز الكندية (على بُعد 2100 ميل)، بالتحديد في 12 ديسمبر عام 1901.
الاختراع "7777"
وشهدت بدايات القرن الجديد حقبة ازدهار وشهرة عالمية لماركوني، فبعد أن أسس عام 1899 شركة ماركوني للتلغراف بالمملكة المتحدة، سجل عام 1900 براءة الاختراع ذائعة الصيت (براءة الاختراع 7777) والتي عُنونت بـ"تحسينات في جهاز التلغراف اللاسلكي"، وفقاً لموقع بيوغرافي للسير الذاتية.
وفي عام 1909، حاز ماركوني بالاشتراك مع كارل براون جائزة نوبل في الفيزياء، تقديراً لإسهاماتهم في تطوير التلغراف اللاسلكي.
ثورة عابرة للبحار
ويرتبط اسم ماركوني بالثورة الاتصالية بين البر والبحر، أو العابرة للبحار، إذ اتجهت أنظار شركات الملاحة في تلك الحقبة إلى تزويد السفن بأنظمة اتصال تلغرافية، يُعزى إلي عدم وجودها سابقاً وفاة الآلاف في حوادث بحرية، أبرزها غرق سفينة تايتانيك عام 1912.
وأسهم ماركوني لاحقاً في تطوير جهاز الرادار، وتأسيس العديد من محطات الإرسال العريقة حول العالم، غير أن براءة الاختراع الشهيرة، وفقاً للغارديان، كانت موضع نزاع قضائي طويل الأمد بين نيكولا تسلا وماركوني، زعم فيه تسلا أن اكتشافاته في سياق الاتصالات اللاسلكية سبقت ماركوني، وبالفعل جُرد ماركوني من ملكيتها عام 1943، ولكنه بحلول ذلك التاريخ كان قد توفي، فيما سيطرت شركته على صناعة الاتصالات اللاسلكية حول العالم.
وبجانب جائزة نوبل، كان ماركوني قد حصل على لقب ماركيز من المؤسسة الملكية الإيطالية عام 1929، وهو أحد ألقاب سلك النبلاء، ليرحل الماركيز المخترع عام 1937 في روما الإيطالية عن عمر ناهز 63 عاماً.