في دراسة هي الأولى من نوعها على مستوى العالم، أثبت فريق من العلماء الدوليين، أن "الكوكاتو"، وهي أحد أنواع الطيور الأسترالية الشهيرة، تتعلم من بعضها البعض مهارة فريدة، تتمثل في رفع أغطية صناديق القمامة لجمع الطعام، وأكد البحث الجديد الذي نُشر في دورية "Science" أن هذه الطيور تنشر سلوكها من خلال التعلم الاجتماعي.
وأظهر الفريق البحثي المؤلف من علماء من المتحف الأسترالي، ومعهد "ماكس بلانك" لدراسة سلوك الحيوانات، أن هذا السلوك من قبل "الكوكاتو" تم تعلمه بالفعل، وليس أمراً وراثياً مُسجلاً في الجينات.
والتعلم الاجتماعي هو أساس الثقافات الإقليمية المختلفة، ويبدو أن بعض الحيوانات، مثل الرئيسيات والطيور، تتعلم أيضاً اجتماعياً.
ويُعد الأطفال "أساتذة" في عمليات التعلم الاجتماعي. فمنذ سن مبكرة، يقومون بنسخ مهارات الأطفال والبالغين الآخرين. ومع ذلك، بالمقارنة مع البشر، هناك أمثلة قليلة معروفة للحيوانات التي تتعلم من بعضها البعض.
من ضمن تلك الأمثلة، طائر "الكوكاتو" الأسترالي، وهي فصيلة مشهورة من الببغاوات المنتشرة في أستراليا بشكل شبه حصري.
وخلال مراقبة العلماء لسلوك تلك الطيور، تبيّن أنها تقوم بفتح صناديق القمامة البلاستيكية المغلقة، وتفتش عن الطعام فيها.
ورغم أنه سلوك غريب للغاية، لكن الأكثر إثارة للاستغراب هو أن تلك الطيور تفعل ذلك بشكل جماعي، وعلى مستوى الأجيال المتلاحقة.
فهل هذا السلوك تشكّل بشكل جيني.. أيّ أنه موروث بالطبيعة، أم أنه سُلوك مُتعلم نقلته الطيور إلى بعضها البعض؟ كانت إجابة ذلك السؤال تحدياً للفريق البحثي الذي أجرى تلك الدراسة على مدى أكثر من 3 أعوام.
مكافأة من بقايا الطعام
قبل بضع سنوات شارك ريتشارد ميجور، مؤلف الدراسة، مقطع فيديو مع الباحثة "لوسي أبلين"، المؤلفة الرئيسية لتلك الدراسة، يُظهر طائر "كوكاتو" (كبريتي العرف) يفتح صندوق قمامة مغلقاً.
واستخدم "الكوكاتو" منقاره وقدميه لرفع الغطاء الثقيل، ثم تحرك على طول الجانب لقلبه، ليحصل على مكافأة غنية من بقايا الطعام.
ودُهش الباحثون بما شاهدوه، إذ كان من المثير جداً ملاحظة هذه الطريقة المبتكرة للوصول إلى مورد غذائي. وفي تلك اللحظة، قرر الفريق البحثي دراسة السلوك الفريد بشكل منهجي.
كما أمضى ميجور، وهو باحث رئيسي في معهد أبحاث المتحف الأسترالي، أكثر من 20 عاماً في دراسة أنواع الطيور الأسترالية مثل الطائر الصاخب، وطائر أبو منجل، والكوكاتو.
سلوك غير عشوائي
في بيان صحافي، تلقت "الشرق" نسخة منه، يقول ميجور، إنه مثل العديد من الطيور الأسترالية، فإن "الكوكاتو" طيور صاخبة وعدوانية، لكنها أيضاً ذكية بشكل لا يصدق، إذ تكيفت ببراعة على العيش مع البشر.
ويوضح جون مارتن عالم الطيور الذي عمل جنباً إلى جنب مع ميجور في العديد من مشاريع الطيور الحضرية، كيفية إجراء البحث، قائلاً إن "صناديق القمامة الأسترالية لها تصميم موحد في جميع أنحاء البلاد، كما أن الكوكاتو كبريتي العرف منتشر في جميع أنحاء الساحل الشرقي بأكمله. أول شيء أردنا اكتشافه هو ما إذا كانت هذه الطيور تستطيع فتح صناديق القمامة في كل مكان".
وفي عام 2018، أطلق الباحثون استطلاعاً عبر الإنترنت في مناطق مختلفة من أستراليا. قاموا خلاله بسؤال الجمهور عن أماكن تواجدهم، وعما إذا كانوا قد شاهدوا طائر الكوكاتو يفتح صناديق القمامة من قبل.
بحلول نهاية عام 2019 لاحظ سكان 44 منطقة انتشار سلوك فتح صناديق القمامة لدى "الكوكاتو"، ما يدل على انتشارها بسرعة وعلى نطاق واسع.
وأظهر تحليل إضافي لنتائج المسح أن السلوك وصل إلى المناطق المجاورة بسرعة أكبر من المقاطعات البعيدة، ما يشير أيضاً إلى أن السلوك الجديد لم يظهر بشكل عشوائي عبر سيدني.
وأثبتت النتائج أن الطيور تعلمت بالفعل السلوك من "كوكاتو" أخرى في جوارها.
القادة يخترعون
الباحثون حددوا أيضاً نحو 500 "كوكاتو" بنقاط طلاء صغيرة في 3 أماكن مختارة، لتمكينهم من التعرف إلى الطيور الفردية، وهو ما يسمح للباحثين بمراقبة الطيور التي يمكنها فتح الصناديق.
واتضح أن نحو 10% فقط يمكنهم فعل ذلك، معظمهم من الذكور، في حين انتظرت بقية الطيور حتى فتح "قادتهم" صناديق القمامة، ثم قاموا بالتفتيش معهم عن الطعام داخلها.
ومع ذلك، كان هناك استثناء واحد، في أواخر عام 2018، إذ أعاد "كوكاتو" في شمال سيدني اختراع تقنية الفتح نفسها (أيّ أنه علم نفسه بنفسه فتح الصناديق)، ثم قامت الطيور في المناطق المجاورة بتقليد السلوك.
ولاحظ الباحثون أن الطيور لا تفتح صناديق القمامة بنفس الطريقة، لكنها تستخدم تقنيات فتح مختلفة في ضواحٍ أخرى، ما يشير إلى أن السلوك يتم تعلمه من خلال مراقبة الآخرين.
ويفسر العلماء النتائج على أنها ظهور ثقافات فرعية إقليمية، تماماً مثل اختلاف ثقافات تعلم الأطفال من بعضهم البعض بسبب اختلاف مكان إقامتهم.
هناك قول مأثور يُفيد بأن "الحاجة أم الاختراع".. ويبدو أن "الكوكاتو" قرر إثبات أن تلك المقولة تنطبق على الطيور كما الإنسان، إذ إنه ابتكر طُرقاً مختلفة لفتح صناديق القمامة للعثور على الغذاء في مصدر جديد، قد لا ينضب.