كيف يُسهم "تيك توك" في نشر "متلازمة توريت" بين المراهقين؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
شعار منصة تيك توك على لوحة إعلانية في الولايات المتحدة الأميركية - Getty Images
شعار منصة تيك توك على لوحة إعلانية في الولايات المتحدة الأميركية - Getty Images
القاهرة-ميّ هشام

إذا كُنت من مستخدمي تطبيقي إنستجرام أو تيك توك، فعلى الأرجح أنك تعثرت في مقطع مصور على الأقل، لمراهق أو مراهقة يُصوّر معاناته مع تشنجات لا إرادية تباغته في حياته اليومية، لإصابته بمتلازمة توريت، أو اضطراب التشنجات اللاإرادية.

الطهي بصُحبة متلازمة توريت، تقديم عرض أكاديمي بالجامعة وأنت مُصاب بمتلازمة توريت، متلازمة توريت في المطعم، أحاول صباغة شعري في وجود التشنجات.. ما سبق نماذج من عناوين آلاف المقاطع المصوّرة على تطبيق تيك توك تحت وسمي tourettes# و ticdisorder# نشرها مراهقون من جميع أنحاء العالم على مدار الأشهر الماضية.

لكن باحثون يعتقدون أن تلك الظاهرة ما هي إلا وجه من وجوه الهستيريا الجماعية المدفوعة بـ"تريند" مواقع التواصل، فما الذي نعرفه عن تلك الحُمى، وعن متلازمة "توريت" العصبية؟

تُعد التشنُجات اللاإرادية (Tics) العرض الرئيسي للمصابين بمتلازمة توريت، المتلازمة العصبية التي تتسم بتشنجات غير طوعية وغير قابلة للتحكُم فيها.

ووفقاً لمنصة سيكولوجي توداي، فإن التشنجات اللاإرادية يمكن توصيفها على أنها حركات أو نطق مفاجئ، وسريع، وغير منتظم.

وتأتي أعراض متلازمة توريت في صورة بسيطة تشمل مجموعة عضلية محدودة مثل رمش العين، وهز الكتفين،  وعبوس الوجه، واهتزاز الرأس، والصياح، والكحة، والشم، فيما قد تأتي في صور أكثر تعقيدًا لتشمل مجموعات عضلية متعددة.

ومن أمثلة النمط المعقد من تشنجات متلازمة توريت، القفز أو شم الأشياء أو لمس الأنف أو لمس الآخرين أو إيذاء الذات، كما يمكن أن تتضمن هذه التشنجات اللاإرادية التفوه بعبارات غير لائقة.

وفي حين تظهر الأعراض لدى الأطفال المصابين ما بين الرابعة والسادسة، تصل لذروتها في عُمر العاشرة إلى الثانية عشر، وتظهر الإحصائيات ومحاولات الحصر أن  الذكور يصابون مرتين إلى أربع مرات أكثر من الإناث بتلك المتلازمة.

وعادةً ما يُعاني المصابون بمتلازمة توريت من أعراض اضطراب الوسواس القهري، واضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة، وصعوبات التعلم، وكذلك اضطرابات النوم.

الأسباب والعلاج

وبحسب المعهد الوطني للاضطرابات العصبية والسكتة الدماغية بالولايات المتحدة NINDS، لا يوجد سبب معروف للإصابة بمتلازمة توريت، وبالرغم من ذلك، فإن التفاعُل بين متغيرات جينية متعددة وعوامل بيئية عامل مشترك بين غالبية الحالات.

وترصد الأبحاث الحالية تشوهات لدى المصابين بمناطق بعينها في الدماغ، والدوائر التي تربط تلك المناطق، فضلاً عن خلل الناقلات العصبية المسؤولة عن تواصل الخلايا العصبية كالدوبامين والسيروتونين.

وكما لا يوجد سبب معروف للإصابة، فكذلك لا يوجد علاج بعينه، لاسيما وغالبية الحالات لا تختبر أعراضاً مُعطلة ليومياتهم، أما إذا كانت الأعراض مؤثرة على فاعلية المصابين بتلك المتلازمة، فإن الأطباء عادةً ما يلجأون لأكثر من شكل من أشكال التدخلات الطبية.

وإلى جانب عدد من الخيارات الدوائية كمثبطات الدوبامين والسيروتونين ومضادات الاكتئاب وغيرها، تتضمن التدخلات المطروحة أيضاً بعض العلاجات السلوكية التي قد تمكن من يخضعون لها للتحكُم في التشنجات، فضلاً عن الدعم النفسي للتعامل مع المشكلات الاجتماعية والعاطفية الثانوية التي تحدث أحيانًا.

عاصفة رعدية بالرأس

ويُعزى إلى التدوين، لاسيما بين أعضاء الجيل زد من مواليد أواخر التسعينات وأوائل الألفينات، على منصات التواصل المختلفة كيوتيوب وتيك توك وإنستجرام صُعود متلازمة توريت إلى سُدة الاهتمام، وتُعد قناة "عاصفة رعدية بالرأس" علي يوتيوب التي دشنت منذ عامين من أشهر تلك المدونات.

وتصور "عاصفة رعدية بالرأس" التي تمتلك نحو مليوني مشترك، وفقًا لتقرير نشرته منصة وايرد، يوميات الشاب الألماني جان زيمرمان ذي الثلاثة وعشرين عامًا مع متلازمة توريت، بصراحة، وفي إطار من الفكاهة.

بجانب زيمر، تحوز مقاطع المؤثرة الإنجليزية إيفي ميج زخماً عالمياً، وتصف إيفي نفسها بأنها "مناصرة لمُتلازمة توريت".

وتنشر  الشابة ذات الواحد وعشرين عاماً بصفة منتظمة تدوينات مصوّرة على منصة تيك توك عن تعايشها مع التشنجات اللاإرادية، فيما كللت جهودها التوعوية أخيراً بتأليف كتاب أيضاً عن يومياتها مع توريت تحت عنوان "توأمي غير المتطابق". 

هستيريا جماعية

وربطت عدة دراسات نُشرت مؤخرًا بين تأثير مشاهير التواصل الاجتماعي، وحُمى الحالات التي يجابهها الأطباء يوميًا لمرضى يعانون من تشنجات لاإرادية مشابهة لتشنجات المصابين بمتلازمة توريت.

وكانت الطبيبة النفسية الألمانية كريستين مولر أحد الذين رصدوا تلك الظاهرة، بكلية الطب بجامعة هانوفر، لتقود فريقًا بحثيًا يعمل على دراستها.

وبحسب الدراسة التي نُشرت موخرًا، كانت أولى ملاحظات الفريق أن غالبية الحالات التي ترد للأطباء يمتلكون أعراضًا متشابهة، بل تكاد تكون متطابقة مع أعراض مدون يوتيوب جان زيمرمان وكأنما يقلدون تشنجاته.

 فيما لاحظوا أيضًا أن الشرائح العُمرية التي تأتيهم، أكبر من أن يكونوا قد ظهرت عليهم أعراض توريت لأول مرة؛ إذ تظهر الأعراض عادةً في سن السادسة، وتنتشر بين الذكور عن الإناث بنسبة 4 إلى 1.

اضطراب الحركة الوظيفي المتشابه ظاهرياً مع أعراض متلازمة توريت، هو التشخيص الذي خلصت مولر وفريقها أن حُمى الحالات ترجع إليه، ليكمُن الفارق بين الاضطرابين (اضطراب الحركة الوظيفي ومتلازمة توريت) في أن الأول مصدره نفسي، والآخر عصبي.

واعتبرت الدراسة أيضًا أن تلك الحُمى تُجسد حالة من الهستيريا الجماعية، ولجأ الفريق لتعريفها بأنها "مرض جماعي ناجم عن وسائل التواصل الاجتماعي".

وباء موازي

دراسة أخرى قام بها باحثون من جامعة كالجاري الكندية ونشرت في أغسطس الماضي، رصدت تصاعد الحالات سريعة الظهور للتشنجات اللاإرادية المشابهة لتشنجات توريت من 1-5% قبل الجائحة إلى 20-35%، في العينة المبحوثة بكندا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وأستراليا.

واعتبرت الدراسة الظاهرة "وباءً موازياً" بين الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و 25 عاماً، من الإناث على وجه الحصر تقريباً.

وربطت الدراسة الكندية بين تفشي الجائحة وما صاحبها من قلق واكتئاب وشعور بالضغط وبين تطوير تلك التشنجات اللاإرادية، أشارت أيضاً لوجود صلة بين التعرُض لمحتوى المؤثرين على تيك توك عن متلازمة توريت لدى الحالات، وبداية الأعراض.