
قبيل أيام، حظي لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح، بنسخة شمعية طبق الأصل من طلته المميزة بمتحف مدام توسو بلندن، وذلك بعد أشهر من العمل مع فناني المتحف عن كثب للخروج بتمثاله بابتسامته ووقفته المحفوظة للاحتفال بالأهداف، فيما يرتدي التمثال بذلة بيضاء سبق وارتداها مو صلاح في جلسة تصوير للغلاف الأمامي لنسخة الشرق الأوسط من المجلة الرجالية GQ.
تمثال مو ليس إلا واحداً من عشرات القطع الفنية الشمعية متقنة الصنع التي تحتضنها قاعات عرض سلسلة متاحف "مدام توسو" العريقة حول العالم البالغ عددها 26 نسخة في مختلف القارات، والتي صكت علامتها التجارية "ماري توسو" في أعقاب الثورة الفرنسية قبل قرنين من الزمان. فما قصة سلسلة المتاحف الشهيرة؟
ماري غروشولتز
بالرغم من شهرتها "مدام توسو"، الاسم الذي أكسبها إياه زواجها من فرنسوا توسو، وارتبط به عرضها الجوّال، إلا أن اسم الولادة لمؤسسة متحف مدام توسو هو ماري جروشولتز التي وُلدت عام 1761، ونشأت في ستراتسبورغ الفرنسية.
يتيمة الأب، اتخذت ماري من رب عمل والدتها أباً بديلاً. كانت والدتها تعمل مدبرة منزل للطبيب السويسري فيليب كورتيس، الذي كان محترفًا أيضاً في نحت التماثيل الشمعية، الحرفة التي تلقت أصولها على يديه ماري غروشولتز بدءًا من سن السادسة، كما يروي الموقع الرسمي لمتحف مدام توسو.
أظهرت ماري نبوغاً مبكراً في النحت، لتنجز أولي منحوتاتها بإشراف كورتيس، تمثالاً للكاتب الفرنسي فولتير، وتتقن فن النحت كفاية لتضمن لنفسها بسن السابعة عشر بالبلاط الملكي بفرساي، كمعلمة فنون لأخت الملك لويس السادس عشر.
تتداخل سيرة ماري إلى حد بعيد مع أحداث الثورة الفرنسية التي ثارت ضد لويس السادس عشر وزوجته ماري أنطوانيت، إذ طالت تداعياتها موظِفي ماري، وقضت بقطع رؤوسهم، كما أودعت ماري نظراً لولائها للبلاط أحد السجون الفرنسية صحبة والدتها مترقبين الإعدام، قبل أن يُفرج عنها جرّاء وساطة رفيعة المستوى.
الإفراج عن ماري، لم يحُل دون ضرورة أن تثبت ولاءها للثورة الفرنسية، بأن تصنع ما أطلق عليه لاحقاً "أقنعة الموتى"، للملك والملكة ورموز من طبقة النُبلاء التي انقلبت عليها الثورة، كأحد أمارات النصر.
غرفة الرعب
بعد انتهاء الثورة الفرنسية، ووفاة مُعلمها فيليب كورتيس، ورثت ماري مجموعته النحتية ومعرضه التي جابت بها أوروبا كعرض جوال، تحت اسم "مدام توسو"، نسبةً إلى فرنسوا توسو الذي تزوجته عام 1795.
في بريطانيا، كان مستقر ماري توسو الأخير، حيث أسست معرضاً دائماً رفقة أولادها، بالتحديد في شارع بيكر بمدينة لندن، المقر الأول لمتحف مدام توسو، وكانت سعر تذكرته 6 بنسات نظير لقاء مجسمات لأشهر شخصيات العالم، وقد نُقل لاحقاً بعد وفاتها، عام 1850، إلى شارع ميلبورن بوسط لندن بواسطة أحد أحفادها.
"غرفة الرعب"، هو اسم أطلقته الصحف على غرفة منفصلة كانت ماري قد خصصها في متحفها للأعمال المتصلة بالثورة الفرنسية وما ارتبط بها من أحداث، فضلاً عن تماثيل شمعية لعدد كبير من الأشرار والقتلة الذي ذاع صيتهم بالقرن التاسع عشر في بريطانيا.
وقد تضررت مجموعة ماري توسو الأصلية إلى حد بعيد، إذ فقدت ما يزيد عن الثلاثمائة تمثال، إثر حريق ألم بالمتحف عام 1925، وقصف ألماني للمتحف إبان الحرب العالمية الثانية.
على خُطى ماري
وتكاد عملية صناعة مجسم شمعي لأحد المشاهير لإضافتها لمجموعة مدام توسو تسير على نهج القواعد ذاتها التي ابتدعتها ماري قبل قرنين من الزمان، غير أن نحاتي متحف مدام توسو بمرور الوقت أدخلوا تعديلات أكثر تعقيداً علي الخطوات لإتقان تلك الحرفة.
وتستمر عملية صناعة المجسم عدة أشهر بدءًا من مراحل الإعداد الأولى، وصولاً إلى وضع اللمسات الأخيرة استعداداً للعرض.
وتبدأ الخطوات بجلسة ودية بين فريق المتحف، والنجم المزمع صنع التمثال له، وفقًا لمدونة نحاتي توسو، يجري فيها التقاط عشرات الصور، وأخذ القياسات، وتحديد لون الجلد، والشعر، والعين، فضلاً عن بعض التفاصيل الشخصية والإنسانية للنجوم.
وتستهلك عملية نحت مجسم واحد قرابة 5 أسابيع، لتأتي بعدها مراحل التلوين، وغرس الشعر، وإضافة الأسنان، التي يعتمد فيها فريق المتحف على أطقم أسنان طبية حقيقية، وصولاً لمرحلة تركيب الأعين التي تُعد بمثابة خطوة بث الحياة في المجسم الشمعي.
ويعتمد فريق مدام توسو على بحث معمّق بديلاً عن الجلسات الودية مع النجوم، إذا لم تتسنى لهم تلك المقابلات، فيما يجري الاعتماد أحياناً على مصممي أزياء النجوم ومصففي شعورهم.
سلسلة متاحف
ويتميّز متحف"مدام توسو" بفلسفة التخلي عن الأحبال والحدود بين الضيوف والمعروضات الشمعية التي تكاد تطابق الشخصية الأصلية، ما يسمح للزوار بالتفاعل والتقاط صور حقيقة لا تخطئها العين مع الشخصيات الشهيرة المعروضة.
ويشتمل "توسو لندن" على عدة قاعات، يُطلق عليها مناطق، لعل أبرزها المنطقة الملكية، والمنطقة الموسيقية، وحفلة توزيع الجوائز، والرياضة، والأزياء، وعالم مارفل، وعالم حرب النجوم.
خلاف المعروضات التقليدية، بوسع الزوار أيضاً اختبار تجارب متحفية أكثر حداثة وتفاعلية، كتجربة عالم مارفل رباعية الأبعاد، وكذلك عوالم فنتازيا عدد من الأفلام ذات الجماهيرية العالمية، بالتعاون بين إدارة متحف مدام توسو، والاستوديوهات المنتجة لتلك الأعمال.
وفي حين تُدير حالياً مجموعة شركات "مارلين إنترتينمنت" العالمية متحف مدام توسو، فإن متحف الشمع الأشهر قد توسّع الآن ليشمل نحو 26 نسخة في أنحاء العالم، كان آخرها النسخة الشرق أوسطية الأولى في إمارة دُبي.
توسو دُبي
وافتتحت نسخة دُبي أخيراً في السابع عشر من أكتوبر الجاري، بموقع مميز داخل جزيرة بلوواترز التي تتميز المطلة على مياه الخليج، إلى جوار "عين دبي" أكبر عجلة ترفيهية في العالم.
وتضمن التذكرة التي تكلف زائر توسو دبي 122 درهم إماراتي، وفقاً للمنصة الرسمية للوجهة السياحية الجديدة بدبي موعداً مع مجسمات شخصية لقرابة 60 شخصية عالمية وعربية، منهم الملكة إليزابيث، والرئيس الصيني ورئيس الوزراء الهندي، وعدد من رموز الموضة والسينما والرياضة والموسيقى من حول العالم.
ومن أشهر الوجوه العربية التي يُخلدها توسو دبي المطربة اللبنانية نانسي عجرم، والمطرب الفلسطيني محمد عساف، والمطربة اليمنية الإماراتية بلقيس فتحي، والموسيقيين المصريين أحمد فهمي وحسن الشافعي، ولاعبة رفع الأثقال الإماراتية آمنة حداد.